بعد أكثر من عامين ونصف العام من الجدل واللغط، أصدر رئيس
الانقلاب عبد الفتاح السيسي قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية، المعروف بـ"التجارب
السريرية".
وشهد القانون، الذي يعد أول محاولة لتشريع الضوابط المتعلقة
بإجراء تجارب سريرية على المرضى، حالة من الجدل عندما أقره البرلمان لأول مرة في أيار/
مايو 2018.
لكن السيسي أعاده مرة أخرى للبرلمان في تشرين الأول/ أكتوبر
2018، لإجراء تعديلات على المواد الخلافية، ثم أقره البرلمان نهائيا في آب/ أغسطس
2020.
ورغم أهمية القانون الذي يعد بمثابة خطوة مهمة لسد هذا الفراغ
التشريعي، حيث كانت تُجرى التجارب السريرية بشكل كبير دون ضمانات حقيقية لحقوق المرضى،
إلا أن هناك الكثير من المخاوف التي لها ما يبررها.
تتعلق هذه المخاوف، وفق أطباء وحقوقيين تحدثوا لـ"عربي21"،
بفتح الباب أمام استغلال المرضى والفقراء في بلد يحتل المركز الأخير في مؤشر
"سيادة القانون" على مستوى دول الشرق الأوسط، والمرتبة 125 عالميا من بين
128 دولة، حسب مشروع "العدالة العالمي "WJP".
إضافة إلى طبيعة التكوين السكاني، وارتفاع عدد الفقراء إلى
30 مليون في أكبر بلد يحتل المركز الـ14 عالميا في تعداد السكان، وانخفاض تكلفة إجراء
هذه التجارب، وزيادة الأمراض المزمنة والمستعصية، وعدم وجود مظلة تأمينية، وجميعها
محفزات لإجراء تلك التجارب في مصر.
القانون بين الحاجة والمخاوف
وصف المسؤول السابق في وزارة الصحة المصرية، الدكتور مصطفى
جاويش، القانون "بالمثير للجدل، وقد أثار لغطا كبيرا منذ طرحه للمناقشات لأول
مرة عام 2006"، مشيرا إلى أن الإشكالية الرئيسية في القانون أن نسبة الفقر والجهل
والمرض منتشرة في مصر، وتشكل عائقا هاما أمام تطبيق اتفاقية هلسنكىي الدولية بخصوص
"الموافقة المستنيرة " من كل فرد يخضع لتلك التجارب والبحوث الإكلينيكية".
وبحسب تصريحات جاويش لـ"عربي21"، فإن ثمة إشكاليات
أخرى منها "التاريخ السيئ للتجارب السريرية في مصر، وقيام كبرى شركات الدواء العالمية
باستغلال المواطن المصري، وكان من أشهرها فضيحة شركة الدواء السويسرية عام 2016 ".
وربط المسؤول السابق بين جائحة فيروس كورونا وإصدار القانون
في التوقيت ذاته، قائلا: "نظرا لجائحة وباء كورونا منذ بداية عام 2020، ودخول مصر
في اتفاقيات دولية بخصوص إجراء التجارب السريرية على الأدوية واللقاحات الجديدة بصورة
عاجلة، فقد توجهت الأنظار نحو القانون من جديد؛ من أجل الحصول على جرعات مجانية".
جوانب سلبية
الجانب السلبي، رغم أهمية القانون وفق المبادرة المصرية للحقوق
الشخصية (مجتمع مدني) يتمثل أيضا في أن النظام الصحي في مصر لا يمكِّن بعض المرضى من
الحصول على العلاج الأساسي، ما قد يضطرهم إلى المشاركة في هذه التجارب، على الرغم من
احتمالية استغلالهم بغرض الحصول على العلاج المجاني، حتى وإن كانت نتائج هذا العلاج
غير معروفة.
تحتل مصر المركز الثاني بعد جنوب أفريقيا في قائمة أكثر الدول
الأفريقية استضافة للتجارب السريرية للعقاقير تحت رعاية الشركات المنتجة متعددة الجنسيات،
بسبب توافر البنية التحتية والباحثين والأطباء الجاذبين للبحث.
وأضافت المبادرة أنه رغم التعديل الذي أُدخل على تكوين المجلس
الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية، فإنه حتى الآن لا يشمل تمثيلا للمجتمع المدني أو
الجمعيات العاملة في الحق في الصحة، أو روابط المرضى أو غيرهم من المعنيين.
في أوروبا، تضمن القوانين أعلى درجات الشفافية للمرضى محل
التجربة، وتوفر لهم ضمانات تجعلهم في منأى عن المخاطرة بحياتهم وفق ميثاق هيلسينكي، الذي صاغته رابطة الأطباء العالمية عام 1964، وتم تعديله عام 1975، ويتضمن العديد من
المعايير المهمة.
"تجارب سريرية في بلد مريض"
أكثر ما يثير القلق ليس القانون في حد ذاته، إنما بإنفاذ القانون
وحماية صحة وكرامة المصريين، وفق وكيل لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى سابقا، عز
الكومي، الذي أكد أن "الكثير من المرضى
الفقراء يقدمون أنفسهم كفئران تجارب للتجارب السريرية، ظنا منهم أن يجدوا العلاج، ولسان
حالهم يقول إنهم ميتون في كل حال، ولا خيار لهم".
وأوضح لـ"عربي21": "الكثير من المرضى فقراء
وأميون، والتجارب الإكلينيكية لها مواصفات معينة في الدول الغربية، فلا بد أن يعرف
المريض أنه يخضع لعقار تحت البحث، وهى "الموافقة المستنيرة" التي يوقع عليها
المريض، ضمن تجربة بحثية، والتي يكون لها اشتراطات محددة، مثل انصراف المريض عن الدراسة
في أي وقت إذا أراد الأمر، دون التأثير على حقه الطبيعي في العلاج".
وتابع، الكومي: "وفي حالة تعرض المريض لآثار جانبية،
قد تحدث أثناء التجارب السريرية أن يتم علاجه من قبل الفريق البحثي، وأن يكون دخول المريض
للتجربة ليس بقصد مقابل مادي يحصل عليه نظير التجربة، ولكن في مصر لا توجد أي ضمانات
حقيقية".