نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية ملفا سلطت فيه الضوء على موجة التطبيع العربي مع الاحتلال، مشيرة فيه إلى "رعاية سعودية" لهذا المسار، وإلى ما قالت إنها وثيقة مسربة من استخبارات المملكة حول العلاقة مع "إسرائيل"، تعود إلى عام 2018.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي مغربي، لم تسمه، أن السعودية كما الإمارات "تقومان بدور الممول لهذه الاتفاقات الجديدة".
ولفت المصدر الدبلوماسي إلى أن حزمة المساعدات التي أغرت الولايات المتحدة الدول العربية بها للتعجيل بهذه الخطوة، "تستند في جانب منها إلى دعم ستوفره الرياض وأبوظبي مباشرة، أو من خلال المشاركة في مشاريع استثمارية تقوم فيها إسرائيل بدور مباشر، ولا سيما على صعيد الخبرات اللوجستية والتقنية".
ورغم عدم نفيه للعلاقة الأقدم والأعمق للمغرب مع الاحتلال مقارنة بالسعودية، إلا أن الأخيرة، وفق خلاصة الصحيفة لحديثه، باتت "حجر الزاوية" في المسار الجديد.
وبحسب الصحيفة، فإن "حكام الخليج يحتاجون إلى هذه المؤسسة لاحتواء أي إشكال يقوم مع الغرب، ولمنع قيام علاقات بين الولايات المتحدة ودول مركزية في المنطقة، من دون الأخذ في الحسبان مصالحهم. صار السعوديون والإماراتيون على وجه التحديد، يتصرفون على أساس أن وجودهم مرتبط بتوفير عناصر الأمان على يد الغرب، وفي مقدمته أمريكا".
وفي هذا السياق أيضا، سلطت "الأخبار" الضوء على ما قالت إنه تقرير قدمه رئيس الاستخبارات العامة السعودية، الفريق أول خالد الحميدان، إلى الديوان الملكي، عام 2018.
والتقرير، المصنف "سريا للغاية"، والمسرب من "البريد السري داخل مراكز الحكم في السعودية"، وفق الصحيفة، يتضمن تقديرا أمنيا حول "مسار التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج وحدود الاستفادة الخليجية من إسرائيل".
ويستعرض التقدير أبرز الأنشطة التطبيعية الخليجية مع الاحتلال منذ التسعينيات، ويتضمن تفسيرات لذلك التقارب"، كما أنه يقدم توقعا لكيفية وأوجه الاستفادة السعودية من "إسرائيل".
وتاليا نص التقرير كما نشرته "الأخبار":
«شهدت علاقات دول الخليج بإسرائيل ثلاثة أحداث مهمة في الأسبوع الماضي؛ فقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة لسلطنة عمان، وزار وفد رياضي إسرائيلي قطر للمشاركة في بطولة العالم للجمباز، ورافقت وزيرة الرياضة والثقافة الإسرائيلية وفد بلادها في بطولة غراند سلام للجودو المقامة في أبوظبي. وفي كل من عمان وقطر والإمارات، تم رفع العلم وعزف النشيد الوطني لإسرائيل.
وتشير المعلومات إلى زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الدوحة قريباً.
وقد نشر موقع «بي بي سي» موضوعاً استنسخ عنوانه من صحيفة «الأخبار» اللبنانية، هو «تضيق سماء الخليج بالضيوف الإسرائيليين لكثرتهم». وترددت شائعات عن الإعداد لزيارة نتنياهو للمنامة، بالترافق مع افتتاح سفارة لإسرائيل في البحرين.
وكانت البحرين قد استضافت في 24 يونيو 2018 وفداً إسرائيلياً ضمن اجتماعات لجنة التراث العالمي التي نظمتها «اليونيسكو»، بالتعاون مع هيئة البحرين للثقافة والآثار. واستضافت العاصمة البحرينية في مايو 2017 وفداً إسرائيلياً للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا).
وكان وفد إسرائيلي قد قام بزيارة البحرين ليحتفل بعيد يسمى عيد حانوتا في ديسمبر 2016. وفي المقابل، قام وفد بحريني من 24 شخصاً من جمعية «هذه هي البحرين»، بزيارة إسرائيل في ديسمبر 2017.
أولاً: الخليج وإسرائيل... تطورات العلاقة:
لا تشير الأحداث السابقة إلى مفاجأة كبيرة في السياق الإقليمي. فقبل أكثر من 20 عاماً بلغت علاقات قطر بإسرائيل درجة كبيرة من التقارب. ففي عام 1996 تم افتتاح مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك شيمون بيريز، لكن الدوحة أغلقته بعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009، كما تم التوقيع على اتفاقية لبيع الغاز القطري لإسرائيل. ومن جانب آخر، قامت إسرائيل عام 2009 بدعم أبوظبي في ملف استضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة the International Renewable Energy Agency IRENA أمام منافستها ألمانيا، ليسفر ذلك عن افتتاح مكتب تمثيل دبلوماسي إسرائيلي لدى الوكالة في أبوظبي في نوفمبر 2015.
اقرأ أيضا: سفير إسرائيل بواشنطن: الإمارات حليفتنا ولا تتعدى على تفوقنا
في العام 1994 زار رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين سلطنة عمان حيث استقبله السلطان قابوس في مسقط، وناقش الطرفان قضايا، مثل كيفية تحسين إمدادات المياه. وبعد عدة أيام من اغتيال رابين عام 1995 استضاف رئيس الوزراء المؤقت شيمون بيرز وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي في مدينة القدس، ووقّعت إسرائيل وعمان في يناير 1996 اتفاقاً حول الافتتاح المتبادل لمكاتب التمثيل التجاري. إلا أن العلاقات جمّدت رسمياً مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أكتوبر 2000، مع ذلك، بقي التعاون البيني في مجالات حيوية، مثل مشروع تحلية المياه في سلطنة عُمان.
وعلى جانب البحرين، فقد كان أول وفد رسمي إسرائيلي يزور المنامة في أواخر سبتمبر 1994، وكان ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة قد التقى شيمون بيريز في الأمم المتحدة، وكان وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قد دعا في حديث نشرته صحيفة «الحياة» اللبنانية في 1 اكتوبر 2008 إلى إقامة منظمة إقليمية تتجاوز الأعراق والأديان، وتضم الدول العربية وإسرائيل وإيران وتركيا.
ثانياً: تفسير التقارب الراهن:
يمكن تقديم عدد من التفسيرات للتقارب الخليجي الإسرائيلي الحالي، منها:
* أن العلاقات مع إسرائيل لم تنقطع فعلياً، ولكن الجديد هو الحرص على إخراجها إلى العلن، والجديد أيضاً في التتابع الزمني للزيارات الثلاث لعمان وقطر والإمارات، ما أعطى انطباعاً بأن هناك سباقاً خليجياً نحو إسرائيل.
* حالة السيولة في النظام الإقليمي؛ ففي الوقت الراهن لم تعد معالم النظام الإقليمي العربي أو الشرق أوسطي محددة على نحو ما كانت في السابق، هناك اختلاف بشأن وضعية إيران وتركيا، وبشأن أدوار القوى العربية الكبرى كالسعودية ومصر، ومن ثم تتراجع أسس القرار العربي بشأن القضية الفلسطينية.
ثالثاً: حدود استفادة المملكة من إسرائيل:
يصعب على المملكة لمكانتها الدينية والسياسية العالمية تبني النهج نفسه إزاء إسرائيل علناً، مثل عمان أو الإمارات أو البحرين، على الأقل في الوقت الراهن. لكن من الملاحظ أن السعودية خطت خطوات مهمة في الدفع نحو مزاج ديني متسامح ومزاج عربي تعايشي في المنطقة العربية. فتوجهات سمو ولي العهد في السنتين الأخيرتين، في ما يتعلق بالإصلاح الداخلي ومشروع نيوم وأحاديثه عن مستقبل الشرق الأوسط الواعد، عزّزت مزاجاً عربياً لن يتفاجأ بأي خطوات للتعاون.
ولقد قام وفد سعودي يضم عدداً من رجال الأعمال والإعلام السعوديين بزيارة لإسرائيل في يوليو 2016 التقى خلالها أعضاء من الكنيست. وفي مارس 2018 التقى سمو ولي العهد بعدد من قيادات المنظمات اليهودية بمدينة نيويورك، أثناء زيارته للولايات المتحدة.
ووفقا لبيان السفارة السعودية، فإن «اللقاء شدّد على الرابطة المشاركة بين جميع البشر، بما يؤكد أهمية التسامح والتعايش والعمل معاً من أجل مستقبل أفضل للبشرية جمعاء». وفي 27 فبراير 2018، أجرت صحيفة «سبق» الإلكترونية السعودية حواراً مع رئيس مؤتمر الحاخامات الأوروبيين، الحاخام بنخاس قولد شميدت.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد قال في مارس 2018 إن السعودية منحت شركة طيران الهند (إير إنديا) الإذن للطيران فوق أراضيها عبر مسارات جديدة من تل أبيب وإليها، ولكن لم يرد أي تأكيد من المسؤولين السعوديين، وقالت الهيئة العامة للطيران المدني في الرياض إنها لم تمنح أي إذن لطيران الهند.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد قال في كلمة ألقاها على أرض مطار تل أبيب، خلال زيارة الرئيس الأمريكي ترامب لإسرائيل قادماً من المملكة في مايو 2017: «السيد الرئيس، لقد قمت برحلة من الرياض إلى تل أبيب، آمل أن يتمكن رئيس وزراء إسرائيل في يوم من الأيام من أن يقوم برحلة من تل أبيب إلى الرياض».
وفي حدود ذلك، يمكن للمملكة في الوقت الراهن أن تستفيد من إسرائيل بعدد من الأشكال:
* الانخراط في مشروعات التعاون الإقليمي على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
* الاستفادة من إمكانيات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
* التخفيف من الضغوط على المملكة وتحسين صورتها أوقات الأزمات وعند الحاجة.
* التعاون العلمي والبحثي.