حول العالم

"جمع الحطب".. مهنة موسمية تنتعش شتاء في غزة (صور)

يصل سعر الطن من الحطب في الوقت الحالي إلى 176 دولار أمريكي فيما كان يزيد سعره قبل سنوات على الـ300 دولار- الأناضول

ينطلق الثلاثيني محمد أبو دقة، مع ساعات الصباح الباكر، باتجاه أرضٍ زراعية مليئة بأشجار الزيتون، جنوب قطاع غزة، حاملا معدات يحتاجها لقص أغصان تلك الأشجارة لصناعة الحطب.


من بين ما يحمله أبو دقة، منشار كهربائي لقص الأغصان، وفأس قديم لتحويل خشب الأشجار إلى قطع صغيرة من الحطب.


هذا الحطب، الذي يجمعه الشاب الفلسطيني، يبيعه خلال فصل الشتاء، مقابل مردود مادي بالكاد يفي بتلبية احتياجات أسرته.


يقول أبو دقة، إنه لجأ إلى هذه المهنة بعدما فقد الأمل في الحصول على فرصة عمل بشهادته الجامعية.


وأضاف أن جمع الحطب بات المصدر الوحيد لدخله، ولعاملين اثنين يساعدانه في العمل.


وأوضح أنه في ظل الوضع الاقتصادي المتردي بقطاع غزة، فإن الشاب الفلسطيني بات يعمل في مهن لا علاقة لها بمجاله الدراسي، أو وضعه الاجتماعي.


ويعيش في القطاع ما يزيد على مليوني فلسطيني، يعانون من أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية للغاية جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 2007.


وتظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن نسبة البطالة بغزة بلغت حتى نهاية الربع الثاني الماضي، نحو 49 بالمئة بعدد عاطلين عن العمل بلغ 203.2 ألف.


ويعاني نصف سكان غزة من الفقر، فيما يتلقى أربعة أشخاص من بين كل خمسة مساعدات مالية، بحسب إحصائية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية مقرها جنيف)، أصدرها نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي.

 

مهنة موسمية


وأفاد أبو دقة، بأن مهنة "جمع الحطب" تعتبر من المهن الموسمية، حيث يعدها البعض "تراثية ونادرة".


وأردف: "انخفاض أعداد العاملين في هذه المهنة مقارنة بما كانت عليه في السابق، يعود إلى الجهد الكبير الذي تحتاجه، مقابل المردود المادي الضعيف".


وتابع: "البدائل الكهربائية التي ظهرت في العصر الحديث، والتي تقلل الحاجة لاستخدام الحطب، أدت إلى ندرة وجود هذه المهنة".


وذكر أنه رغم ذلك إلا أن فئة من سكان القطاع ما زالوا يترددون على المحال التي تبيع الحطب، لشرائه لكن بكميات أقل مقارنة بالكميات التي كانت تُباع قبل سنوات.


وفي فصل الشتاء، يلجأ فلسطينيون لاستخدام الحطب، كمصدر للتدفئة داخل المنازل، وفي الأماكن المفتوحة، كما يستخدمه البعض بديلا عن الغاز، لطهي الطعام.


صبر ومخاطرة


وذكر أبو دقة، أن مهنة جمع الحطب تحتاج "إلى جهد عالٍ، ونفس طويل وصبر، إضافة لكونها تحمل جانبا من المغامرة، جراء تفاوت أسعار الحطب من موسم لآخر، واختلاف ظروف الأسواق المحلية".


واستطرد: "في السابق كانت مساحة الأراضي الزراعية، المليئة بالأشجار التي تحتاج لتقليم سنوي، واسعة، حيث كان يخرج منها مئات السيقان والجذوع، التي تتحول بعد قصها لحطب".


واستدرك: "لكن بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمستمرة عبر استهداف وتجريف المناطق الحدودية، فقد باتت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية "قاحلة، وخالية من الأشجار".


وأوضح أن أجود أنواع الحطب هو الذي يتم استخراجه من أشجار الزيتون والحمضيات، لافتا إلى أنه يمتاز "بطول مدة اشتعاله، وصلابته، وقدرته على تشكيل الجمر".


ويصل سعر الطن الواحد من الحطب، في الوقت الحالي، إلى نحو 176 دولارا أمريكيا، فيما كان يزيد سعره قبل سنوات على الـ300 دولار.


وأرجع أبو دقة، انخفاض سعره إلى عدة عوامل منها "ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وتردي الأوضاع الاقتصادية العامة، جراء الحصار الإسرائيلي المستمر للعام الـ 14 على التوالي".


إرث عائلي


في "محطب"، يتبع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ويقع في سوق "فراس" الشعبي، بمدينة غزة، تقضي عائلة عبد العال، التي ورثت مهنة جمع الحطب عن أجدادها، جل أوقاتها في العمل هناك.


عائلة عبد العال، بدأت هذه المهنة قبل أكثر من 30 عاما، فيما بدأ أجدادها هذه المهنة منذ ستينيات القرن الماضي.


يقول عبد العال إن "هذه المهنة جزء من التراث الوطني الفلسطيني، وهي كذلك إرث مهم لعائلتي تعرف من خلاله بين الناس".


وأفاد بأنهم "يعكفون على قص الأشجار في فصلي الصيف والشتاء، لتجهيز الحطب، وبيعه لاحقا للمواطنين".


وشدد عبد العال على أنه لن يترك هذه المهنة حتى آخر يوم في حياته، وكما أنه ورّثها لأبنائه فسيحثهم على توريثها للأحفاد، "رغم مردودها المادي الضعيف".