كل أسبوع، تقوم إسرائيل بالاعتداء على الحرم القدسي، والمسجد الأقصى، بوسائل مختلفة، دون أن تتراجع عن أسلوبها أو طريقتها، رغم كل الاحتجاجات على ما تفعله.
الاقتحامات من جهة، وتفتيش المصلين، وإزعاجهم بمكبرات الصوت التي توزع الأوامر عليهم وهم في الصلاة، وصولا إلى هدم مناطق أثرية داخل السور، أو البلدة القديمة، ونصب الشمعدان عند باب الأسباط، واعتقالات موظفي الأوقاف الأردنية، وتوظيف وباء كورونا، للتضييق على المدينة وأهلها وسكانها، فتواصل إسرائيل الاعتداءات على الحرم القدسي بوسائل مختلفة، وهي لا تتوقف، ولن تتوقف، وهذا ما سوف تثبته الأيام.
هناك معلومات عن توجهات جديدة، خلال الفترة المقبلة، ستؤدي إلى نتائج وخيمة على صعيد الحرم القدسي، كاملا، خصوصا على الصعيد السياسي، وإدارة الحرم.
المسجد الأقصى الذي تبلغ مساحته 144 دونما، وفيه المسجد القبلي ذو القبة الزرقاء، ومسجد قبة الصخرة بقبته الذهبية الشهيرة، وكل المواقع الأثرية فيه، تخطط إسرائيل فيه للشراكة أو التقاسم، خصوصا أن نوايا جمعيات كثيرة، باتت علنية بشأن مخططات جديدة، تنسخ ما رأيناه في الحرم الإبراهيمي في الخليل حيث التقاسم الجغرافي والزمني، لكن قصة المسجد الأقصى تبدو مختلفة، تماما، كون إسرائيل تريد تقاسم الحرم القدسي ذاته، وإقامة الهيكل، وكل التزاماتها بالاتفاقيات الموقعة، أو الوضع التاريخي القائم، وفقا لتعبيرات الرسميين العرب، مؤقتة، وسنصل إلى مرحلة تدخل فيها إسرائيل إلى مخططها الأكبر.
للأسف الشديد، لا يحظى الحرم القدسي والمسجد الأقصى باهتمام كبير؛ إذ إن تحليل مضمون الإعلام العربي والحياة السياسية العربية، يكشف أن الغالبية لا تهتم بهذا الملف، إلا في حالة وجود تغطية ما تبثها إحدى وكالات الأنباء، أو إثارة عابرة من جانب سياسي، لكن الملف ذاته غائب، بطريقة لافتة للانتباه، ولا كأن المسجد يخص أمة كبيرة وممتدة.
في المعلومات المتسربة أن هناك تحولات خطيرة يجري الإعداد لها في المنطقة، قد تؤدي إلى سيناريوهات إسرائيلية جديدة بشأن الدور الأردني في المسجد الأقصى؛ حيث تريد إسرائيل إضعاف الأردن، وإدخال أطراف ثانية في معادلة المسجد الأقصى، في سياقات عربية وإقليمية بحيث تتحول الإدارة إلى إدارة جماعية وليس أردنية للمسجد الأقصى، على أساس “الشراكة” بين أطراف عدة، بما يؤدي لاحقا، إلى تنفيذ مخطط “التقاسم”.
لقد قيل مرارا إن الوقفات المشرفة للمقدسيين وسكان القدس من الفلسطينيين، وقفت بكل قوة في وجه إسرائيل، إضافة إلى الدور السياسي الأردني، ولولا هذه الثنائية لتعرض الحرم القدسي إلى أخطار كبرى، لكن التوقيت الحالي مختلف، وهناك أخطار مستجدة، تفرض ترتيب كثير من الأوراق، أمام الاحتمالات المقبلة، وهنا ندعو بصراحة الأردن إلى دعوة كل الفاعليات المقدسية إلى عمان، تلك التي على صلة إيجابية بالأردن، أو حتى تلك التي لا تمتلك صلات يومية، أو سياسية، من أجل البحث في ملف المسجد الأقصى، وعقد مؤتمر أردني كبير للقدس وللرعاية الأردنية، تنجم عنه قرارات فعلية، وعدم الاكتفاء ببيانات وزارة الخارجية، ووزارة الأوقاف، وهي بيانات باتت عادية لكثرة صدورها، كل أسبوع.
إن معاناة المقدسيين على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، تسهم بشكل سلبي، في إضعاف حلقات الحماية الشعبية للمسجد الأقصى؛ إذ تتنزل الضرائب الإسرائيلية، ومصادرة الأراضي، ومضايقة التجار، فوق الإغلاقات بسبب وباء كورونا، إضافة إلى البطالة، ومحاولة نشر المخدرات، وغرامات البيوت وهدمها، وتفاصيل كثيرة، كلها بحاجة إلى معالجة، فالقدس هنا، ليست مجرد مواقع دينية، فهي حية بأهلها وسكانها، ومن دون الناس، تتحول إلى متحف أثري، يروي قصة أمة كبيرة ممتدة، كانت موجودة في هذه الديار، وليس مجرد قصة الشعب الفلسطيني، الذي يعد جزءا من هذه الأمة، ويعود في أصول بعضه إلى شعوب عربية، وهذا مبعث فخر، لا دليلا على أنه لا شعب أصيلا في تلك الديار.
التوقيت اختلف، والتحذيرات تتزايد، والمعالجة يجب أن تتغير أمام هذه الأخطار.