منذ أيام كرّم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي السيناريست المصري وحيد حامد. بالطبع وحيد حامد أحد رموز الدراما المصرية، ولا يمكننا المجادلة بشأن تأثير أعماله في صياغة الوجدان المصري الحديث، لكن تأثيره هذا هو ما يدفعنا لتأمل جانب مهم من شخصيته، هو نظرته للسياسة والسلطة في مصر.
في تقديري، لا ينفصل هذا الجانب السياسي عن فنه، لأن الرؤية السياسية تدل أحيانا كثيرة على طبيعة المنجز الفني للمبدع، فلم نجد شعرا متحررا من القيود، أو منحازا لقيم الحب والحرية لدى شاعر يناصر ديكتاتورا.
هكذا قد نكتشف في الجمل الكثيرة التي تناثرت عن وحيد حامد من مثل أنه صاغ بأعماله العقلية المصرية و... قد نكتشف فيها سؤالا أكبر: كيف ساهم حامد في صياغة العقلية المصرية الحديثة؟ أليس من الممكن أن تكون مشكلة تدني الوعي العام في مصر مرتبطة بانحدار مستوى التعليم، بالإضافة إلى الطرح الدرامي الذائع (لحامد وغيره)، المفرط في المبالغات العاطفية والافتعال والتكرار الممل، دون أن يسعى لتقديم أية أجوبة مرتبطة بأسئلة الحرية ومراجعة الأفكار؟
هنا، أتصور أنه من المهم ألا ننزع حامد من سياقه العام. في مصر ثمة فنانون وكُتاب وسياسيون عارضوا الإخوان معارضة شرسة، وهذا حقهم السياسي، لكنهم أيدوا دولة 30 يونيو تأييدا خاليا من أية مساءلة، كأن الشعب المصري مستعد لدفع أي ثمن مقابل إزاحة الإخوان من المشهد، وهذا تصور مشوه تطرحه النخبة طرحا يشبه الدراما المصرية في أكثر من ملمح، من أهمها:
- الانفصال التام عن الواقع: بالمقارنة بالدراما الحديثة في العالم، نلاحظ أن الدراما المصرية في مجملها لا تطرح قضايا صادقة، أو حقيقية، بل إنه حتى الآن لا تكاد تجد تصويرا حقيقيا للمصريين العاديين.
جميع الشقق فاخرة، نظيفة تماما، مفروشة فرشا راقيا، وجميع البنات على هيئة الطبقة الراقية، بلا حجاب تقريبا، مع أن أكثر المصريات محجبات، مهما كانت انحيازاتنا الفكرية، وهذا يتسق مع استمرار طرح فنانين ومبدعين من طراز حامد أن المصريين ملتفون حول السيسي.
اقرأ أيضا : وحيد حامد يبحث عن "جمال عبد الناصر" لمسلسله عن الإخوان
الحق أن أكثر المصريين الذين تظاهروا ضد الإخوان كانوا على نحو أو آخر، طامحين في حياة كريمة، تصوروا أنها ستأتي على ظهر دبابة ليتخلصوا من مشكلات يومية كانقطاع الماء والكهرباء وندرة الوقود، بغض النظر عمن تسبب فيها.
بل إنه من المفارقات أن رجل الشارع العادي يلاحظ جيدا تدني شعبية السيسي إلى الحضيض، خاصة بعد قرض صندوق النقد وما تلاه من إجراءات اقتصادية طاحنة، مرورا برفع الدعم بحيث يشتري المصريون السلع الأساسية بأسعارها العالمية مع أن دخولهم لا تقارن بمستويات الدخول العالمية، وانتهاء بقوانين كقانون التصالح تفرض على الشعب غرامات باهظة بسبب فساد مستشر في بنية الدولة الإدارية... ومع ذلك لا يلاحظ كثيرون من نخبة الفن المصري شيئا من هذا التدهور، ويتصورون أن إقصاء الإخوان ثمن مناسب لكل ذلك، كأن المواطن المصري سيأكله حين يجوع.
هذا عالم شبيه بعالم الدراما المصرية فعلا؛ أبعد ما يكون عن الواقع الذي يعيشه الشعب المصري.
- عدم التساؤل: لا تناقش الدراما المصرية موضوعات جديدة منذ زمن بعيد. يستطيع أي متابع لنتفليكس أن يقارن بين الأسئلة التي تثيرها أعمال تناقش أفكارا عن الموت والحياة والظلم والحرية و... وبين قصص الحب المستهلكة التي تطرحها الدراما المصرية في مجملها.
حين يردد حامد الخطاب السياسي الناصري عن مؤامرات أمريكا على مصر، دون أن يسأل نفسه: لماذا يذهب السيسي إلى أمريكا؟ ولماذا يكيل المديح لرؤسائها؟ ولماذا يقبل معوناتها؟
يصرح حامد بجرأة غريبة: "ميركل نفسها لو جت تمسك مصر هتقول أنا عايزة وقت". هذا مثال لعدد هائل مماثل من التصريحات، لتبرير ما يحدث في مصر من انهيار.
لا يسأل حامد نفسه أسئلة مثل: "هل يمكن أن تكون المشكلة في السيسي وليس الإخوان؟ وإذا كانوا السبب وقد خرجوا من المشهد السياسي منذ 2013 فما معنى هذا التداعي؟ وما معنى أن تقود الديكتاتوريات في العالم شعوبها إلى الهاوية عبر ذات الآليات التي ينتهجها السيسي؟ أليس مصيرنا كمصير الشعوب التي حكمتها الديكتاتوريات العسكرية؟" لا يحب وحيد حامد هذا النوع من الأسئلة، كما لا يفكر في مراجعة نفسه حين اتهم الإخوان بالسعي لبيع مصر بتمكين الفلسطينيين من سيناء، ثم يفرط السيسي في تيران وصنافير، فلا يتزحزح حامد قيد أنملة.
ثمة تفكير ناصري يرى في أي خصم سياسي لرئيس الجمهورية شيطانا رجيما، حتى إنه صرح في ذلك تصريحات عبثية، كأن يقول نصا: "أمريكا جندت كتابًا بياكلوا معانا في صحن واحد، يبثون آراءً مسمومة، ويدعون أنهم يمثلون الرأي الآخر". لماذا تجند أمريكا كتابا؟ وأين هم؟ ومن هم؟ هذه أسئلة يتيمة بلا إجابة.
على أن تأمل علاقة حامد بالسلطة مدهشة فعلا، فقد وسّع دائرة اتهامه حتى اتهم السيناريست بلال فضل بأنه من الخلايا الإخوانية النائمة، بل بلغ به الأمر أن تطوع بالاتصال بفريق إعداد عمرو أديب ليظهر في البرنامج متهما بلال فضل بالكذب حين أُعلن خبر منع مسلسله "أهل اسكندرية"، بل من الغريب أنه أعلن أنه لو صح خبر منع المسلسل فسوف يظهر ويعتذر عما قال، ليعلن رئيس الوزراء محلب بعدها بأيام عن منع المسلسل رسميا، وحين أبلغ فضل ابنه مروان بذلك، طالبا منه أن يبلغ والده بأن يوضح موقفه من المنع دون أن يعتذر لأن مقامه أكبر من الاعتذار لفضل، أمعن حامد في كيل الاتهامات لفضل، بأن صرح في مجلة نصف الدنيا بعدها بأن الإخوان زرعوا فضل كخلية نائمة لهم!
ثم تمر الأيام ويمنع نظام السيسي أفلاما كتبها وحيد حامد نفسه، ومرة أخرى لا يجرؤ حامد على مراجعة مواقفه ولا التفوه بأي نقد للسيسي، فقط تجرأ على نقد الرقابة كأنها تمنع أفلامه بعيدا عن حالة القمع وتدخل الضباط في كل شيء وأي شيء، بلا رادع: "لم أتوقف عن الكتابة، انتهيت منذ فترة من كتابة فيلمين، لكن هذه الأيام الأفلام تذهب إلى الرقابة ولا تعود، وهذا ليس معي فقط مع كل الناس، هاسكت هاعمل ايه يعني؟".
هذا كل شيء!