"إلا رسول الله".. هذه الجملة الشعار التي انتشرت مؤخرا، لم تكن نتاج ما حدث في
فرنسا، لكنها جملة وُلِدت من رحم الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنمارك، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حين نشرت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية يوم 30 أيلول/ سبتمبر 2005 اثنتي عشرة صورة مسيئة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ما لبثت أن تبعتها عدة صحف أوروبية أخرى بنشر تلك الصور خلال أسابيع من نشر الأولى لها.
يومها، حاول مسلمو الدنمارك التعامل مع الموضوع بروية، كونهم أهل مكة وأدرى بشعابها، لكن الموضوع سرعان ما تجاوز نطاق الدنمارك لينتشر في أنحاء العالم العربي والإسلامي، وفي أوساط باقي الجاليات المسلمة التي تعيش في الغرب. وكان من نتاج ذلك أن أطلق دعاة معروفون في ذلك الزمان شعار "إلا رسول الله" الذي انتشر كالنار في الهشيم.
لكنني اليوم ومع عودة هذا الشعار عقب أحداث مقتل الأستاذ الفرنسي، ومن ثَمَّ تبني مفاصل الدولة الفرنسية لتلك الشعارات المسيئة لقطاع عريض من مواطنيها
المسلمين الفرنسيين، لا بد من مناقشة هذا الشعار الذي كنت ناقشته من قبل بهدوء في بعض دورات التفكير الموضوعي.
بداية لنعرب جملة إلا رسول الله
إلا: أداة استثناء.
رسولَ: مستثنى بألا منصوب.
اللهِ: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور.
هذا الإعراب يفيد أن من يسمع جملة إلا رسول الله، يفهم أن إهانة رسول الله صلى الله عليه وسلم لدى المسلم هي خط أحمر. فالرسول مستثنى من الإهانة بأداة الاستثناء إلا، أي نقبل بإهانة أي كان إلا رسول الله. الشعار بهذا الفهم في ظاهره حمية لرسول الله، لكن في الوعي الباطن يسمح بإهانة من هم دون رسول الله.
فهل سنقبل نحن المسلمين أن يُهان النبي موسى مثلا؟ أو عيسى أو إبراهيم عليهم السلام؟ طبعا لا، لأننا كمسلمين يؤمنون بالله لا نفرق بين رسله، عندها فإن الشعار سيصبح إلا أنبياء الله. وهنا هل سنقبل أن تُهان أمهات المؤمنين وأمهات وزوجات الأنبياء المؤمنات كمريم عليها السلام وهاجر وسارة وأمنا حواء؟ والجواب بالطبع لا. ومن ثَمَّ هل سنقبل أن يُهان أبو بكر الصديق رضي الله عنه؟ أو عمر أو عثمان أو علي أو العشرة المبشرون بالجنة وغيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، ومن خلفهم التابعين؟ عندها سيصبح الشعار شاملا لكل من أتانا عنه ديننا. هذا لا يعني أن كلا ممن سبق بالنسبة لنا كمسلمين يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هناك فرق بين الرد على أحدهم وإهانته.
لذلك، فإن هذا الشعار إلا رسول الله رغم أنه يحامي عن رسول الله، إلا أنه شعار يسمح في العقل الباطن للمسلم "بإهانة" كل المنظومة الدينية، وهذا أمر لا يرضى به أتباع أي ديانة ناهيك عن المسلمين تُهان فيه رموزها وأبطالها.
إذا، فالمستهدف بالصور المسيئة لرسول الله ليس الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه أنتَ وأنتِ وأنا وهو وهي، وكل مسلم يؤمن أنه لا إكراه في الدين ويؤمن أنه قد تبين الرشد من الغيّ.
ويؤمن بدفع الله الناس بعضهم ببعض، لأنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله.
لذلك؛ فقد آن الأوان ليتقدم المسلمون الصفوف بحملة يكونون فيها سباقين لحماية المقدسات والرموز الدينية لجميع خلق الله. هذا الفعل إن تم، سيضع المسلمين في اتحاد عالمي ينضم فيه إليهم الكثيرون من المسيحيين واليهود الذين تُهان مقدساتهم يوميا. هذا سيسمح بعد ذلك بالالتفات لقضايا أخطر تهدد البشر؛ كالعنصرية والكراهية والظلم والاستبداد والإفقار والتهجير، ويسمح لنا بنصرة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.
آن أوان الاتحاد من أجل هذه القضايا التي هي لب قضايا الإسلام التي جاء لمعالجتها.