يتصور بعض المتدينين أن
وظيفة الدين هي حشر الناس في الدنيا لتصنيفهم ومحاسبتهم، و»التعبد بالدعاء على
الأشرار منهم، والتسيد على المنبر لإنزال الأحكام عليهم، وكأن (الدين) هنا سلطة،
تفرض بالقهر، أو كأنه (قانون) مهمته الفصل بين المتخاصمين، فيما وظيفة الدين
الحقيقية هي (التزكية) والهداية، وفيما العبودية الصحيحة لا يمكن أن تكون إلا (بالأخلاق)، أو أنها هي الأخلاق التي يتحلى بها الإنسان وتؤهله بالتالي للانتساب إلى
هوية (بني البشر) حيث التحضر -لا التدين وحده- هو المقياس، وحيث (التخلق)
المتعلق بالخلق، كل الخلق (بفتح الخاء، وتسكين اللام) هو الدليل على الإيمان.
السؤال – بالطبع – ليس: هل نحن مع تطبيق
الشريعة أم لا؟ فأكثرية المسلمين تطالب باستمرار لإعادة الإسلام – شريعة وعقيدة – إلى
منصة الحضور والفعل، وترى فيه الحل لكثير من مشكلاتها وأزماتها، لكن متى نطبق هذه
الشريعة وكيف؟ وهل تطبيق الشريعة وحده هو الذي يقيم مجتمع الإسلام؟ وماذا نقصد
بالشريعة – أصلا – ؟ هل هي مجرد الأحكام والقوانين والحدود التي جاء بها الإسلام
لتنظيم حياة الناس، أم هي النظام الشامل الذي يحكم حياة الإنسان وسلوكه ويبني
مجتمعه ويؤسس لكيفية تعامله مع ذاته وأخيه المسلم ومع غيره ومجتمعه والكون أيضا؟
بعض التجارب التي حاولت الدخول من بوابة تطبيق
الشريعة إلى الحكم أو رفعت هذا الشعار للوصول إلى السلطة وقعت في المحذور، فتطبيق
الشريعة – هنا – ليس مقتصرا على الحكم والحكومات وإنما هو تكليف للمسلمين كلهم
تبعا لمسؤولياتهم ومواقعهم، وأولويات تطبيق الشريعة لا تبدأ بإقامة الحدود أو
تنفيذ الأحكام، وإنما بالتنمية والحرية والديمقراطية والقضايا الكبيرة التي تكفل
عمارة الإنسان لهذا الكون، والتخويف من تطبيق الشريعة – وفق مفهوم التأديب – انتقل
من غير المسلمين الذي أصبحوا مواطنين في البلاد الإسلامية والآخرين الذي يؤوون
أقليات إسلامية إلى المسلمين ذاتهم، خاصة حين اعتبر بعض المتشددين حيال هذه
المسألة أن بيده الحق لقتل أخيه المسلم أو غيره من الأبرياء، وإخراجه من الملّة
لمجرد انه لم يحسن إسلامه (لا تسأل عن الإيمان الذي يترتب على العقيدة ومعه تترتب
مسألة حرمة الدماء ولا تسأل عن أبجديات الدين التي تمنع العدوان على الأبرياء، ولا
تسأل عن الشريعة التي ترتبط بالعمل الصالح)، فيما لم يفكر هؤلاء أن الشريعة تحث
على الحفاظ على حياة الإنسان وتفرض شروطا تبدو في معظمها معجزة اذا ما فرضت إقامة
الحد، كعقوبة على جريمة ما.
باختصار، الإسلام ليس مجرد قوانين وأحكام تفرض
بالقهر، والعقيدة هي الأصل الذي خرجت منه الشريعة، وتطبيقها ليس عقوبة ولا تأديبا،
وإنما إقامة للمجتمع على أسس من الأمن والسعادة والاستقرار، وتمكين الإنسان من
بناء دنياه، وتكليف للمسلم – أي مسلم – في ترتيب علاقته مع ربه ومحيطه كله على
أفضل ما يكون.
(الدستور الأردنية)