قد تكون السابقة السياسية في
لبنان، المعايير التي تتحكم باختيار وزراء الحكومة الجديدة. سوف تعطى الحقائب حتما
لمن ينتمون في الغالب إلى قوة سياسية معينة وإلى أهل السلطة، لكن شرط التمتع
بمواصفات ومؤهلات لائقة على الأقل. لا مكان بعد اليوم لوزير أو وزيرة كان مؤهلها
أنها مديرة مكتب جبران باسيل. ولن نرى وزيرا قادرا على إضحاك الكبار لكنه يبكي
اللبنانيين. ولن نرى وزيرة مؤهلها أنها «ست الحسن»، لكن لا مانع بذلك إذا كانت ست
الكفاءة أيضا.
وضع الراعي الفرنسي شروطا لمستوى التشكيل
الحكومي لا تسمح بتكرار الطرق اللزجة في اختيار الأسماء وتسليم شؤون البلد المنهار
إلى هواة ومحاسيب. وقد تعيد هذه المعايير إلى الحكومة أسماء مثل جان عبيد، وريا
الحسن، ورشيد درباس، والعميد شامل روكز.
أي حكومة لا تتمتع بثقة الأسرة الدولية لن
تتمكن من استعادة لبنان من الهاوية التي رمته إليها الحكومات الباهتة والخالية من
أي ميزة سوى الولاء الحزبي بدل السمعة الوطنية. سوف تنتقل من التعيين الخاص إلى
الكفاءة العامة. ومن الفرض الوقح إلى الاختيار المسؤول.
يستخدم اللبنانيون تعبيرا تم تفريغه من معناه
كالمعتاد، كالقول بعد انفجار المرفأ ليس كما قبله. ولكن لا يتغير شيء، لا قبل ولا
بعد. هذه المرة قد تكون جديّة بعد زيارة ماكرون ليس كما قبلها. لأن ما قبلها كان
سلوكا انتحاريا جماعيا، وسقوطا سياسيا تحت أدنى المستويات المقبولة في العالم.
في بلد مثل لبنان، كل ميزته أمام العالم
مكانته الثقافية، ألحقت حكومة حسان دياب وزارة الثقافة بوزارة الزراعة. الأخطل
الصغير وجبران خليل جبران وجورج شحادة، بالبصل والبطاطا والبطيخ. بدأ ماكرون
زيارته من منزل فيروز لكي يقول للسلطة السياسية، من أنتم من دون رموزكم الحضارية؟
ما هي بيروت من دون أسراب الفكر والفن والموسيقى.
الزراعة والثقافة والسياسة والخفة. الوطنية
والرعونة. لقد سقط كل شيء في لبنان عندما سقطت معايير الأخلاق الوطنية. ماذا جاء
ماكرون يطلب أو يطالب؟ أبسط البديهيات: حكومة من أجل لبنان لا من أجل مقاوليه
السياسيين. حكومة غير مضحكة وغير مبكية وغير مثيرة للتعجب والتساؤل. حكومة، لمرة
واحدة، تكون للناس وليس للمتحاصصين وللمتصرفين، تمثل مصالح المواطنين وأرزاقهم
وعيالهم، لا مصالح الفاسدين والفاسقين وطنيا. كفاه لبنان. وكفاهم سارقوه. وكفى بك
داء أن ترى الموت شافيا.
الشرق الأوسط