أفهم بحكم العمل والاشتباك
مع تفصيلاته والتواصل مع المسؤولين والسياسيين بأن ضيق الأفق والرعونة والتجبر
عناصر متوفرة عند الآخر، وخصوصا عند طرفين في المنطقة عندما يتعلق الأمر بما تيسر
من انفتاح وحريات عامة في الأردن، وهما إسرائيل وبعض الدول الشقيقة المجاورة ومنها
الخليجية تحديدا.
عمليا توجد انتخابات مشكوك بنزاهتها بين الحين
والآخر في الأردن، ولا توجد ديمقراطية حقيقية حتى يخافها الآخرون.
وتوجد تقاليد من حرية التعبير تخشى دول عربية
من بينها أحيانا مصر والإمارات والسعودية أن تنتقل بالعدوى والفايروس إلى شعوبها
أكثر من خوفها من انتقال عدوى الفايروس كورونا.
نتحدث عن جرعات في مشهد الانفتاح الأردني
خفيفة ولطيفة لا يمكنها أن تحدث حتى اللحظة على الأقل تحولات عميقة في المسار
الديمقراطي. لكن حتى تلك الجرعات تخشاها دول تساعد الأردن ماليا واقتصاديا وكأنها
خطر داهم مع أن الوضع الاجتماعي في تلك الدول لا يحتمل أحزابا ومجتمعات مدنية.
بدلا من انتقال ولو جزء يسير ومضمون من عدوى الانفتاح الأردني بتنا اليوم في
الحالة المحلية نخشى أن ينتقل فايروس التعسف والتشدد من الآخرين إلينا رغم أن كل
الظروف والاعتبارات مختلفة ومتباينة.
نقول ذلك ونحن نلاحظ حجم تأثير السيناريو
المصري والسعودي وإسقاطاته على الواقع السياسي الأردني، وبتنا بصراحة نرصده أيضا
ونحن نتعامل مع الالتزامات المتعلقة بشراكة مع دولة شقيقة مثل الإمارات، وغالبا ما
يؤشر تراثنا الديمقراطي الصغير على إسرائيل فقط وهي تزعم الديمقراطية تتدخل وتضغط
وتحاصر أي موقف في الأردن يبرز من خلال ثنايا التمثيل البرلماني وزوايا العمل
المدني.
حارب اليمين الإسرائيلي بقوة الأردن حكومة
وشعبا عندما خططت لجنة برلمانية في الماضي لمحاكمة مجرمي الحرب في الكيان خلافا
لأن الأردن لن يتدخل أو يضغط أو يستغل نفوذه الدولي عندما قتل الإسرائيليون بدم
بارد الشهيد القاضي رائد زعيتر ومواطنين أردنيين في مقر سفارة الكيان في عمان
العاصمة.
يعترض الإسرائيليون خلف الستارة على لجان
مقاومة التطبيع في النقابات الأردنية. وقد نشهد قريبا اعتراضات مماثلة من محور
الاعتدال العربي عند بروز أي محاولة شعبية أو سياسية أردنية للضغط على كيان
الاحتلال ضمن لعبة المصالح المتبادلة التي تجعل اليوم اعتدال الأردن ودعوته لحل
الدولتين مثلا تطرفا وتشددا قياسا بما نرصده كإعلاميين من إفراط وحماس في التطبيع
السعودي والإماراتي.
الإصلاح والانفتاح في الأردن إنجاز تاريخي
للنظام والشعب، وإخضاعه لأي مساومة قائمة على تردد الآخرين وضعفهم ليس خيارا بل
أقرب إلى الانتحار البطيء
نخشى كمواطنين رغم أن دولتنا هي قمة الاعتدال
والإيمان الخاطئ طبعا بعملية السلام أن يحاصر الأردني لاحقا باعتباره معيقا
للتطبيع برفقة الفلسطيني فقد تبدلت الأحوال وأصبح الاعتدال بشكله القديم تطرفا
وتشددا يحاول إعاقة معسكر الاعتدال العربي الذي يطور يوميا آليات تحالف وتقارب مع
العدو بذرائع واهية من وزن نمو النفوذ الإيراني وحرب اليمن.
تلك الغلاظة التي نراقبها في عاصفة الحزم ضد
الشعب اليمني لا نراقبها عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني والاعتداء الإسرائيلي
الدائم على حقوقه. وتلك الوداعة في الارتماء بأحضان العدو يقابلها شطط وذباب
إلكتروني بالأطنان ضد الفلسطيني أو الأردني عندما يعبر فقط عن رأيه أو يصيح ولو
قليلا من الألم.
حملات التبرع بفلسطين وشعبها وقضيتها وتاريخها
لأغراض صغيرة وجزئية من قبل أنظمة عربية بدأت رائحتها تزكم الأنوف.
ومن يتبرع بالأمن القومي لبلاده من أجل
التقارب مع العدو لا يحتاج لأي نمط من الانفتاح الديمقراطي والانتخابات ويمكنه
ببساطة التبرع بالأردن كشقيق لاحقا تحت عتبة لعبة المصالح والعبور بالممرات
المائية الدولية دون أدنى تردد.
الانفتاح وأجواء الحريات النسبية مكسب كبير
للشعب الأردني ولدولته وأي تفريط به من أجل توازن وهمي في العلاقات مع أنظمة
متسلطة لن يفيد لا الأردن ولا تلك الأنظمة والدول وما سيحصل هو العكس تماما على
الأرجح.
النسبة المتزنة من الحريات العامة في عمان
مكسب للأردنيين بالمعنى التاريخي ولا شرعية لأي محاولة تنتقص منها مقابل تسويات
مصالح.
والمطلوب من الحكومة الأردنية اليوم الإيمان
بهذا المكسب لا بل العودة وبقوة إلى الملف الداخلي لتمتين الجبهة وتعزيز الإصلاح
السياسي والرد بالمزيد من الحريات، فكل ضغط يمكن احتماله و«كل مر سيمر» كما يقول
عمر الرزاز إذا ما تمتّنت الجبهة الداخلية وبقي الأردن عزيزا قويا حيث من لا يحتاج
للديمقراطية والتحول الانفتاحي هي فقط الأنظمة التي يطرح في عمقها سؤال الشرعية.
وهو سؤال لا يقبل الأردنيون اليوم حتى طرحه
وإن اختلفوا في أي قضية وملف مع حكومتهم.
الإصلاح والانفتاح في الأردن إنجاز تاريخي
للنظام والشعب، وإخضاعه لأي مساومة قائمة على تردد الآخرين وضعفهم وخوفهم وهواجسهم
ليس خيارا بل أقرب إلى الانتحار البطيء وتقديم ثمن بلا مقابل بطريقة الاسترسال حيث
سيطالب الطرف الآخر بالمزيد من القمع دوما.