فجرت كارثة مرفأ
بيروت أسئلة عديدة أمام اللبنانيين، بشأن التركيبة السياسية التي تقوم عليها
البلاد، ومدى صلاحيتها للاستمرار في ظل الأزمات المتلاحقة، وما إذا كانت الكارثة
الأخيرة التي حلت ببيروت ستدفع باتجاه تغييرها، أم أنها ستلحق بغيرها من الكوارث دون
تغيير يذكر.
وحملت صحف
عربية ولبنانية، خلال الأيام القليلة الماضية، انتقادات للتركيبة السياسية بلبنان،
وحديثا عن التظاهرات الغاضبة في بيروت، ومدى قدرتها على الضغط لإحداث التغيير
المطلوب، لبلد أنهكته الأزمات نتيجة التركيبة الطائفية، وفق قولها.
وقالت صحيفة القبس
الكويتية، إن اللبنانيين "عادوا إلى الشوارع هذه المرة، وسط إصرار على
التغيير مهما كلف الأمر، ولم يعد مقبولا بقاء الطبقة الفاسدة على رأس الحكم".
وأضافت الصحيفة:
"فبيروت وشعبها وسائر اللبنانيين لم يعودوا قادرين على تحمل نكبات أخرى، ساحة
الشهداء امتلأت أمس بالغاضبين الذين أتوا من مختلف مناطق لبنان ليدافعوا عن
عاصمتهم، تحت شعارات، منها يوم الانتقام".
من جانبه، قال الكاتب
في صحيفة النهار اللبنانية، غسان صليبي، إن "تأثير الانفجار سيكون كبيرا على
السلطة، التي تتحمل مسؤولية ترك مواد متفجرة في المرفأ لأكثر من ست سنوات، وكذلك
على الانتفاضة التي عليها ترجمة الغضب الشعبي العارم".
اقرأ أيضا: موقع فرنسي: إسرائيل نفذت تفجير مرفأ بيروت بسلاح جديد
وأعرب عن اعتقاده أن
مسار الغضب في الشارع "ليس واضحا أين سيتجه"، وقال إن "الانفجار جعل
العالم يتحرك لنجدة لبنان، بعد شبه مقاطعة دولية للسلطة، وتُوِّج التحرك بزيارة
رئيس فرنسا للبنان، فهل هو انفتاح على سلطة مترنحة، أم هو بداية لتدخل دولي يساهم
في إقصاء هذه السلطة؟"، وفق طرحه.
ورأت صحيفة الديار
اللبنانية، أن أزمة لبنان اليوم هي أزمة نظام وليست سياسية، والتظاهرات تكشف عن
عدم ثقة الشعب في كل الطبقة السياسية"، بحسب قولها.
وأشارت الصحيفة إلى أن
المشهد اليوم بين تحدي إجراء انتخابات مبكرة، وبين قوة المتظاهرين رغم حالة
الطوارئ، وتسليم الجيش سلطة فرض الأمن في العاصمة.
وطرحت الصحيفة تساؤلات
بشأن قدرة قادة الأحزاب السياسية على إلغاء النظام الطائفي، وقبول المرجعيات
الدينية بذلك، مبدية استبعادها للأمر؛ لأن الطبقة السياسية لن تقبل بإلغاء
الطائفية والمذهبية.
ومن ضمن أصوات
السياسيين اللبنانيين الذين طالبوا بتغيير التركيبة السياسية ونظامها، رئيس الحزب
التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي دعا إلى نظام "لا طائفي".
وقال جنبلاط في
تصريحات بثتها الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، عقب استقالة حكومة حسان دياب: "مطلبنا انتخابات على أساس لا طائفي".
وتابع: "علينا
ألا ندخل في الفراغ، ونحن ضد الدخول في الاستقطابات الحادة الطائفية والمذهبية،
فعلينا أن ننتبه لما يجري حولنا".
وأشار إلى أنه "بسبب وجود استقطابات طائفية، فإن مطلب
استقالة رئيس الجمهورية يجب أن يخرج من الشارع المسيحي، وذلك لأن النظام طائفي لن
يتغير إلا بانتخابات لا طائفية".
تركيبة معقدة
من جانبه، قال النائب
اللبناني السابق، الدكتور زهير العبيدي، إن التركيبة السياسية في لبنان "معقدة
إلى أبعد الحدود، وليس من السهل تفكيكها".
وأضاف العبيدي
لـ"عربي21" أن هناك قوى سياسية تمتلك السلاح، بسبب مقاومتها الاحتلال
الإسرائيلي في فترة من الفترات، واستمر هذا الأمر، لكن على الصعيد الداخلي، بقي
ورقة بيدها".
وتابع: "هذه
القوى المسلحة نتفاهم معها في كثير من الملفات، خاصة ملف مقاومة إسرائيل، لكن لا
يعني ذلك أن يبقى الحال على ما هو عليه بهذه التركيبة المرتبطة بقوى
خارجية".
وأشار العبيدي إلى أن
الوضع في لبنان "مرتبط بما يجري في حوض البحر المتوسط والملف النووي الإيراني،
وغيره من الملفات، وليس من السهل وسط كل هذه الدعوات والتحركات لتغيير التركيبة
السياسية أن يتم الأمر".
وقال النائب السابق:
"هناك دعوات للجيش من أجل التدخل في هذا المشهد الطائفي المعقد، وهو ما لا
تقبله قوى تحمل السلاح".
وأضاف: "لو
أجرينا إحصاء شفافا للبنانيين، لصوت أكثر من 60 بالمئة منهم لصالح تغيير النظام
السياسي، الذي بني على أساس طائفي، وإبعاد كافة السياسيين المتحكمين بمصير هذه
الطائفة أو تلك".
وعلى الرغم من إشارته
إلى "أهمية التظاهرات" في الضغط على السياسيين، والوصول إلى استقالة
الحكومة أو بعض المسؤولين، إلا أنه أشار إلى عدم قدرتها منفردة على إحداث تغيير
كبير على مستوى النظام كله.
اقرأ أيضا: أبرز محطات تراجع اقتصاد لبنان بعد انفجار المرفأ (إنفوغراف)
وتساءل العبيدي عن موقع
المكون الشيعي في لبنان من التظاهرات التي تحصل، وقال: "يبدو أن حزب الله
وحركة أمل لا يرغبان بالمشاركة في التظاهرات، رغم وجود شخصيات شيعية ترغب في تغيير
التركيبة السياسية في البلاد".
وشدد على أن المطالبة
بتغيير النظام السياسي، في ظل وجود مجموعات مسلحة لكافة القوى، "سيحرق لبنان
أكثر وأكثر".
عوامل دافعة
من جانبه، قال الكاتب
اللبناني قاسم قصير، إن هناك مشروعا للبحث عن نظام سياسي جديد للبنان؛ لأن الكارثة
أثبتت أن الوضع الحالي يشوبه الكثير من المشكلات، خاصة مع استقالة الحكومة، ونشوء
أزمات اقتصادية جديدة.
وقال قصير
لـ"عربي21": "كان لدينا اتفاق الطائف، وطبق جزء منه، وبقي جزء آخر
غير مطبق، رغم أنه يشكل مرجعية سياسية"، مضيفا أن هناك "ملاحظات بسبب بعض
المواد التي يتضمنها الاتفاق، وهو ما يمكنه مراجعته؛ لمعرفة الإشكالات فيه، والخروج
باتفاق بشأنه".
ولفت إلى أن الرئيس
الفرنسي إيمانويل ماكرون، في زيارته للبنان، طرح فكرة عقد سياسي جديد، ما يعكس
رغبة دولية بتغيير هذا الوضع في البلاد.
وعلى صعيد التحركات
الشعبية، وقدرتها على إحداث تغيير في التركيبة السياسية، أشار قصير إلى أن هذه
التحركات "تقف وراءها قوى سياسية ومجموعات شعبية، وليست الأخيرة فقط هي
العنصر الذي يقودها، فهناك العامل الفرنسي المدعوم أمريكيا، وقوى حزبية رأت أنها
لا تستطيع الاستمرار بنفس المسار، تضغط من أجل وضع جديد".
وشدد الكاتب اللبناني،
على أن هناك جملة عوامل يمكن أن تفرض مسارا سياسيا جديدا في لبنان، وهي
"الفشل الذي يواجه النظام السياسي والاقتصادي، وتغير واقع القوى الحزبية
والسياسية، وبروز قوى لم تكن على الخارطة الداخلية سابقا، فضلا عن تغير دور ومواقع
بعض القوى بسبب التحديات المحيطة بلبنان".
وقال قصير: إن كل تلك
المعطيات يمكن أن تدفع بقوة، من أجل الخروج بصيغة جديدة للوضع السياسي في لبنان.