للمرة الأولى، تطرح دوائر
الحزب الجمهوري الأمريكي، ليس فقط التشكيك في إمكانية فوز ترامب بولاية ثانية، بل
وهو الأهم، إمكانية متزايدة لاحتمال انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية، ومصدر
هذا الطرح ليس إلاّ شبكة فوكس نيوز المقربة من إدارة ترامب، التي نقلت عن مسؤول في
الحزب الجمهوري رفض الكشف عن هويته قوله إذا استمرت الاستطلاعات بالتدهور فإن
سيناريو الانسحاب يصبح واردا، ويقصد هنا بطبيعة الحال انسحاب ترامب من السباق
الرئاسي، في حين أشار كاتب التحليل في الشبكة تشارلز غاسباريو والمتابع لشؤون
البيت الأبيض أنها المرة الأولى التي يدور فيها مثل هذا الحديث في أروقة الحزب
وأنّ عدداّ ممن التقاهم تحدثوا عن نفسية الرئيس الحالية «الهشة» رغم استبعاده أن
يكون قد خسر فرصة الفوز مع وجود وقت كاف لتعديل مزاج الناخبين حسب اعتقاده.
إلاّ أنّ الإشارات حول إمكانية فشل ترامب في
الوصول إلى ولاية ثانية سبقت هذا الطرح الجديد منذ عدة أسابيع على الأقل، وذلك من
خلال أحد أهم المقربين إليه وهو سفيره لدى الاحتلال ديفيد فريدمان الذي لم يقل ذلك
صراحة، إلاّ أن حديثه المتكرر وبشكل مهووس بضرورة تنفيذ صفقة القرن، خاصة فيما
يتعلق بضم وإعلان السيادة على ثلث الضفة الغربية المحتلة فورا وبلا تأجيل، كون ذلك
فرصة لا يمكن تعويضها أو تجاوزها قد تم تفسيره وعلى نطاق واسع أنّ فريدمان يوحي
بتخوف حقيقي من أنه لن تكون لترامب فرصة جدية بالفوز، وعليه يجب اغتنام فرصة الضم
قبل أن تضيع. من هنا جاءت الخلافات بين فريدمان وكل زملائه الذين شاركهم إعداد
صفقة القرن وصياغتها، وكما نشهد هذه الآونة خلافه مع أطقم النقاش في البيت الأبيض
ثم إسرائيل حول خطة الضم، الأمر الذي يشير إلى أنه بات مقتنعا من أنّ فرص ترامب
بالفوز باتت محدودة إن لم تعد معدومة، الأمر الذي يدفعه إلى هذا الهوس للمطالبة
بالضم الشامل والكامل والفوري لغور الأردن والبحر الميت إلى دولة الاحتلال.
في تقديرنا أن السر وراء فشل اجتماعات فريق
الضم الأمريكي في واشنطن قبل أسبوع ووصول هذا الفريق إلى إسرائيل واجتماعاته مع
أركان القيادة الإسرائيلية وفشله من جديد في التوصل إلى قرار ناجز ومعلن يعود
بدرجة ما إلى أنّ المجتمعين يحاولون مواءمة أي قرار بهذا الصدد لدفع مزيد من
الأصوات الانتخابية لصالح تولي ترامب للرئاسة من جديد، هناك خشية على الأرجح من أن
تداعيات تنفيذ الضم ستترك آثارها على مدى نجاح السياسة الخارجية الأمريكية في
الشرق الأوسط، صحيح أنّ هذه السياسة بشكل عام لم تكن ذات أهمية كبيرة في توجهات
الناخب الأمريكي، لكننا هذه المرة نتحدث عن شأن إسرائيلي، حيث تعتبر العلاقة معها
مسألة داخلية أمريكية بامتياز، خاصة إذا ما تمثلت هذه التداعيات بالتأثير على
استقرار المنطقة التي تعتبر المجال الحيوي بالغ الأهمية للولايات المتحدة، من هنا
فإن مواءمة أي قرار أمريكي بشأن عملية الضم مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية
يعتبر جوهر النقاشات لدى المجتمع الأمريكي لبحث هذه المسألة.
ولكن ماذا لو تم تنفيذ خطة الضم ونجح بايدن في
الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ نظريا وفي إطار النظام الديمقراطي فإن الإدارات
والحكومات المنتخبة تحترم الاتفاقات والقرارات السابقة، لكننا رأينا كيف قام ترامب
بإلغاء أو محاولة إلغاء كل قرارات الرئيس أوباما، على المستويين الداخلي والخارجي
من الضمان الصحي إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، خاصة وأن بايدن أعلن أنه
سيستأنف الاتفاق النووي وسيتجاهل صفقة القرن وسيستأنف المفاوضات مع الفلسطينيين
على أساس السياسة التي اتبعها أوباما، وسيعيد المساعدات للفلسطينيين ولوكالة
الأونروا؟ كل ذلك يجعل دولة الاحتلال أكثر قلقا من النتائج المحتملة للانتخابات
الرئاسية الأمريكية.
(الأيام الفلسطينية)