قضايا وآراء

هل يحتاج الحق لقوة تحميه؟

1300x600

سنة الحياة أن تكون صراعا بين الحق والباطل، وهذا الصراع يحتاج لأدوات، وهذه الأدوات تتنوع حسب الظرف والمرحلة، لذلك كان لا بد أن تتناسب أدوات صراع أهل الحق مع أدوات أهل الباطل، ولا نقول إنها تتماثل لأن ما يستخدمه أهل الباطل قد لا يتناسب مع أخلاق أهل الحق، ولكن الحرب والخدعة تتطلب العمل على هذه الأدوات ومن باب لست بالخب ولا الخب يخدعني.

وقد وقف رسول الله ﷺ على هذا المعنى لحماية الحق الذي بعث به، فكان الخيار الأول هو العمل السري حتى تزيد الأعداد ويشتد عودها ولا يتم استئصالها في بداية الدعوة، وذلك لأن الداعية والأتباع لا يزالون مغمورين عند الناس، ويسهل تشويه صورتهم واستهدافهم كخارجين عن المجموعة ونظام القبيلة أو البيت والأسرة، فلا بد من حمايتهم ممن يريدون المحافظة على إرث الآباء والأجداد، أو بالمعنى الأصح مما توارثوه هم من مكاسب قد يسلبهم إياها هذا الداعي الجديد.

 

لا بد أن تتناسب أدوات صراع أهل الحق مع أدوات أهل الباطل، ولا نقول إنها تتماثل لأن ما يستخدمه أهل الباطل قد لا يتناسب مع أخلاق أهل الحق

ثم عندما انكشف العمل والدعوة، وبدأ التضييق بكل أنواعه والتعذيب بعد الاغتيال المعنوي وتشويه الصورة للنبي محمد ﷺ ولمجموعته الصغيرة التي تتبعه، وخوفاً من أن تباد أو تمنع من ممارستها لحقوقها بحرية، كان خيار الهجرة كحماية لمن يستطيع الهجرة (وليس الجميع) هو الخيار الثاني المتاح لجموع أهل الحق، لأن أدوات نصرة الحق ما زالت ضعيفة، وهو أسلوب للحماية الذاتية لمن استطاع بالوسيلة الممكنة، حتى ولو كان اللجوء لشخص عادل من ملة أخرى تتأمل أن يتركك تمارس حريتك ولا يتعرض لك بالأذى كما يفعل قومك، وهو النجاشي في هذا الحال، والذي أمن عنده الناس على أموالهم وأنفسهم ودينهم، ولم يقبل أن يخذلهم أو يسلمهم لعدو ولم يسمع للكلام المغرض الذي حاول (الخصم أو العدو) أن يدسه عنهم؛ لأن الملك العادل الذي يميز بين الحق والباطل استمع للطرفين وحكم بعدله لا بكلام المغرضين؛ لأن الحق بيّن عنده ولا يحتاج للتلون ولا يستطيع الباطل أن يخفيه.

أما الوسيلة المثلى التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عنها فهي كيان يضمه ويضم كل من آمن به ويحميهم بكل الأدوات المتاحة، ويقيمون فيه دولتهم ويطورونها بعلمهم وعملهم، ويحمونها بأنفسهم وأموالهم وأولادهم وبكل ما يملكون.

 

لذلك كان التحول الكبير والإنجاز في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أضعاف ما كان عليه قبل الهجرة؛ لأن الحق أصبح له كيان مستقل وله قوة تحميه من كيد الخصوم الذين يتآمرون عليه من الداخل والخارج، بل وأصبح هذا الحق يستطيع الانطلاق والتحرر من القيود التي كانت تفرض عليه في نشر الحق وإيصاله لكل مكان.

 

التحول الكبير والإنجاز في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أضعاف ما كان عليه قبل الهجرة؛ لأن الحق أصبح له كيان مستقل وله قوة تحميه من كيد الخصوم الذين يتآمرون عليه

صحيح أن الحق قوة بحد ذاته، لكن السنن التي وضعها الله للبشر تقول بأنه لا بد من مدافعة، فلا ينتصر الحق بمجرد التوكل ولا ينهزم الباطل لأن أهل الحق رفعوا أيديهم بالدعاء، بل لا بد من عمل واستعداد وإعداد، فكم من حق ضاع لأن أهله تعاملوا في الحفاظ عليه كسذج وجعلوا الخب يخدعهم، وكم من باطل استعلى رغم انحطاطه وسفالته لأن أصحابه زيفوه وزينوه للناس حتى انخدعوا به.

فأقيموا لحقكم دولة تحميه، واحموا دولتكم التي تقوم على حقكم وتنصره وتؤيده وتؤويه، واجتمعوا مع أهل الحق من كل طيف ولون وعرق لنصرة حقكم، كما اجتمع أهل الباطل من كل ملة ونحلة ومذهب لنصرة باطلهم.

وكونوا عباد الله إخوانا.