نشرت صحيفة "أتلايار" الإسبانية مقال رأي للكاتب خوان غارسيا نياتو، تحدث فيه عن القضية الفلسطينية التي لم تعد ضمن أولويات الدول العربية.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن الدفاع عن سيادة فلسطين كان يعتبر من أكثر القضايا انتشارًا على مستوى العالم منذ سبعة عقود، أي منذ تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948. لطالما مثّلت حكومات الدول العربية، المنظمة تحت مظلة جامعة الدول العربية، الداعمين الرئيسيين للقضية الفلسطينية على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي. وقد ساعد الحلفاء العرب فلسطين عسكريا في حروب 1948 و1967 و1973.
وأضاف الكاتب أن ما يصل إلى 17 دولة عربية لا تعترف حتى الآن بدولة إسرائيل أو تقبل إقامة علاقات دبلوماسية معها. ومع ذلك، تحتفظ إسرائيل بعلاقات سلمية لا تخلو من التوتر مع جارتيها المباشرتين، مصر والأردن. فقد وقّعت مصر وإسرائيل اتفاقيات كامب ديفيد للسلام التاريخية سنة 1979، وأصبح الأردن ثاني دولة عربية تعترف بإسرائيل سنة 1994 بموجب معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية.
وعموما، لا ينفي التقارب التقدمي بين إسرائيل وجيرانها من الدول العربية أن الموقف الرسمي لغالبية حكومات جامعة الدول العربية يقوم على دعم استقلال دولة فلسطينية مستقبلية وحتى الإصرار على أن إسرائيل دولة غير شرعية. ومع ذلك، خفت بريق القضية الفلسطينية وفقدت أهميتها ولم تعد تمثل أولوية بالنسبة للحكومات العربية.
اقرأ أيضا: كوربين يدعو لحملة عالمية مناهضة لخطة الضم في الضفة
اتصالات رائدة
على مدى العقد الماضي، اتبع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اعتلى السلطة منذ سنة 2009، استراتيجية تقارب مع الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الدولة الأكثر نفوذا في جامعة الدول العربية اليوم. ولا يزال التواصل بين إسرائيل والكتلة العربية يتم في الغالب من خلال قنوات غير رسمية، ولكن الأمر لا يعد سرّا.
ذكر الكاتب أنه في سنة 2017، اعترف وزير الطاقة الإسرائيلي لأول مرة بوجود اتصالات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. كما أجرى رئيس الأركان العامة مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام السعودية للمرة الأولى في التاريخ.
وأضاف الكاتب أن إسرائيل قامت بمناورة لزيادة التعاون مع دولتين رئيسيتين أخرتين في جامعة الدول العربية هما الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وقد وصل التعاون مع الإمارات تحديدا إلى درجة إجراء تدريبات عسكرية في قواعد تقع في الولايات المتحدة والبحر الأبيض المتوسط، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل عقود قليلة. كما أجرى نتنياهو زيارة غير متوقعة إلى مسقط سنة 2018. ومن جهتها، أعلنت وزارة الخارجية العمانية بمناسبة الزيارة التاريخية أن إسرائيل كانت بالفعل "دولة مقبولة في الشرق الأوسط".
العدو المشترك
أورد الكاتب أن هناك سببا واضحا وراء التقارب الدبلوماسي التدريجي بين الدول العربية وإسرائيل. في السياسة الدبلوماسية، يعتبر وجود عدو مشترك من أكثر العوامل التي توحد بين طرفين، خاصة إن كان هذا العدو قادرا على امتلاك أسلحة نووية في المستقبل. بعبارة أخرى، أصبحت إيران السبب الرئيسي الذي دفع الدول العربية التي لم تكن تعترف سابقا بإسرائيل إلى تطبيع العلاقات الثنائية معها.
وأشار الكاتب إلى أن عزل إيران يعدّ الهدف الجوهري للكتلة العربية بقيادة السعودية وولي العهد محمد بن سلمان بمشاركة إسرائيل. وبناء عليه، أصبحت مسألة مواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط سواء في العراق أو اليمن أو سوريا أو لبنان الأولوية الاستراتيجية العليا للنظام الملكي السعودي.
ونوه الكاتب بأن الكتلة العربية كانت في يوم من الأيام أكبر مدافع عن القضية الفلسطينية من خلال عرض مطالب الفلسطينيين على المجتمع الدولي، ولكن المصالح الجيوسياسية سادت على المطالب القديمة والمثالية الداعية لضرورة تحقيق السيادة الفلسطينية. بطريقة أخرى، أزاح الخوف من إيران القضية الفلسطينية من قائمة القضايا ذات الأولوية لدى العرب، ويكفي مقارنة حالتين لفهم تغير مسار الكتلة العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
أوضح الكاتب أن جميع أعضاء جامعة الدول العربية دعموا بشكل صريح فلسطين سنة 2009 في دعوى قُدمت إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة. وقد نتج عن هذا الدعم الحاسم الجماعي إعطاء فلسطين صوتًا، وانتهى الأمر إلى الاعتراف التاريخي بفلسطين، التي أصبحت دولة مراقبا غير عضو في الأمم المتحدة سنة 2012.
بعد مرور عقد واحد، قدّم دونالد ترامب سنة 2020 مشروع "صفقة القرن"، وهي معاهدة تم التفاوض عليها دون وجود الطرف الفلسطيني والتي تنحاز بشكل غير متناسب إلى إسرائيل. وقد أيدت غالبية الدول العربية هذه الخطة، كما كان واضحا للعموم في العرض الذي تم تنظيمه في واشنطن بحضور سفراء البحرين وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. وقد دلّ هذا التأييد على أن القضية الفلسطينية أصبحت جزءًا من ماضي اهتمامات الدول العربية.
ختاما، ذكر الكاتب أنه من الوارد أن تقرر الحكومة الإسرائيلية في الأشهر القادمة ضم جزء كبير من أراضي الضفة الغربية كما هو منصوص عليه في صفقة القرن. ومع ذلك، يبدو أنه من غير المتوقع أن يتجاوز دعم القضية الفلسطينية التصريحات التجميلية التي ليس لها أي تأثير حقيقي. باختصار، يبدو أن كتلة الدول العربية قلبت الصفحة وتركت فلسطين تواجه مصيرها بمفردها.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)