دعا الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، كل القوى "الديمقراطية" في تونس وفي البلدان العربية، إلى مراجعة أخطائهم، ورص الصفوف، لمواجهة موجة من الاستبداد والشعبوية في المنطقة.
وقال المرزوقي في مقال له، "إن الديمقراطيين عليهم أن يستعدوا لمواجهة جائحة من الشعبوية والاستبداد، ستكون تكلفتها باهظة، على الأمم العربية المسكينة التي دفعت أثمانا أكثر من كل الأمم".
وأضاف أن "جزءًا من الثمن الباهظ الذي ندفعه ناتج عن نقص مناعة ثقافية يجعلنا فريسة أكثر من الأمم الأخرى"، محذرا في الوقت نفسه من تصاعد الشعبوية والاستبداد في المنطقة العربية على حساب الديمقراطية، مستغلة الأوضاع الاقتصادية، وانتشار فيروس كورونا.
وأردف: "إن تزامن المحن الاقتصادية والأخطار البيئية وجائحة كورونا وما قد يتبعها عرضت وستعرض أكثر الشعوب لكرب قوي وآلام مستدامة ستجعلها فريسة لكل المحتالين والدجالين الذين يجيدون اللعب على مشاعر الخوف والغضب والبحث عن مخلص يعدهم كذبا وتحيلا بأنه يملك الحل السحري لمشاكلهم على خلاف نخب حاكمة يرون تخبطها ولا يخطر ببالهم أن الدواء المقترح قد يكون أمرّ من الداء.
اقرأ أيضا: "المرزوقي" يعلن اعتزال الحياة السياسية بتونس (شاهد)
وتابع: "سنصبح أقوياء حين تتغلغل في قلوبنا وعقولنا قناعة أنه لا أقوى من مجتمع ومن نظام سياسي يرتكز على أمتن المؤسسات وأعدل القوانين، ولا أضعف من مجتمع ومن نظام سياسي تحكمه بنادق الجيش وسياط البوليس، يقوده كهل يحرّكه مِن داخله طفل يرفض أن يكبر".
وفي ما يلي نص مقال المرزوقي:
الصائفة الماضية، كنت أقضي العطلة مع زوجتي في بيت أحد الأصدقاء بِقريَة على شواطئ المحيط الأطلسي، شمال فرنسا. ذات يوم قرأتُ في جريدة أن بيار روزنفلّون أصدر كتابا جديدا بعنوان قرن الشعبوية.
فأشرت إلى زوجتي برغبتي في اقتناء الكتاب. فأعرضت قائلة، لا توجد مكتبة في هذه القرية، وأقرب مكتبة هي في مدينة نانت التي تبعد مائتين وخمسين كيلومترا. قلت وما المشكل؟ سنكون رجعنا قبل غروب الشمس. نظرت إليّ ضاحكة ثم قالت: أمري لله.
مؤكّد أنني ما كنت أحمّل زوجتي مشقة السياقة وحدها خمسمائة كيلومتر (وحالة بصري على ما هي عليه) لأجل كاتب غير الرجل الذي أقرأ له بنَهَم منذ سنوات، والذي تعلمتُ منه كل ما أعرف عن تاريخ الديمقراطية، وصدَق من قال: لا يفقه المرءُ موضوعا قبل الإلمام بتاريخه.
لم أنته من قراءة الكتاب إلا وموجة قلق عميق تداهمني، لِما يثبته الرجل من تفاقم موجة اسمها الشعبوية، أودت بالديمقراطية في المجر وبولونيا وفنزويلا والبرازيل، وتهددها في معاقلها الأقدم والأصلب مثل أمريكا وإيطاليا وفرنسا وهولندا والحبل على الجرار، وقد تعصف بنا يوما فتُفاقِم لدينا وضعا لم يعد يحتمل المزيد من الأخطاء.
لماذا هذا التخوف؟ لأن تزامن المحن الاقتصادية والأخطار البيئية وجائحة كورونا وما قد يتبعها عرضت وستعرض أكثر الشعوب لكرب قوي وآلام مستدامة ستجعلها فريسة لكل المحتالين والدجالين الذين يجيدون اللعب على مشاعر الخوف والغضب والبحث عن مخلص يعدهم كذبا وتحيلا بأنه يملك الحل السحري لمشاكلهم على خلاف نخب حاكمة يرون تخبطها ولا يخطر ببالهم أن الدواء المقترح قد يكون أمرّ من الداء.
أثار الكتاب لديّ أيضا موجة من السخرية وأنا أكتشف أن الشعبويين والاستبداديين يرددون اليوم مآخذهم على الديمقراطية التمثيلية، وهم يجهلون أن تلك المآخذ رُدّدت على ألف لسان وفي ألف محفل وبالمصطلحات ذاتها، سنة 1830 وسنة 1870 وسنة 1934 وسنة 1948 أي خلال كل الأزمات التي مرّت بها فرنسا خصوصا وأوروبا عموما.
لو طلب مني أحد أن ألخّص له الديمقراطية في ثلاث كلمات لقلت: الأمر مستحيل لكن دعني أحاول في ثلاث جُمل.
هي التصريف السلمي للصراعات داخل مجتمع تعددي بطبعه، حفاظا على وحدته واستقراره.
هي حكم قانون يوصل كل الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأصحابها، لا يصادِر ولا يضيّق على أيّ منها.
هي سلطة مؤسسات مستدامة منتخَبة بحرية ونزاهة، تستخدم الأشخاص المنتخَبين ولا يستخدمونها.
على العكس من هذا ترى الاستبداديين والشعبويين يقسّمون المجتمع إلى "هم" و "نحن"، إلى خَونة ووطنيين. قد يتذكر البعض فظاعة أغنية "إنتُ شعب وِاحْنا شعب" التي صاحبت الانقلاب على الديمقراطية في مصر، ذلك الصيف المشؤوم سنة 2013.
إجرائيا أول ما يبادرون به عند الوصول للسلطة هو تركيع البرلمان أو حلّه، لأنه أهم مؤسسات الديمقراطية التمثيلية، ولا يوجد إلا بوجود متطلباته من الأحزاب والانتخابات التي تصنع هذه التمثيلية، ومن ثم هو قَلب النظام ومقتله.
في كره الديمقراطية التمثيلية، الاستبداديون والشعبويون على قلب رجل واحد، لكن لأسباب مختلفة.
بالنسبة للشعبويين هي تصادر سيادة الشعب عبر مؤسسات مثل البرلمان تدّعي تمثيله وهي لا تمثل إلا نخبا فاسدة. أما الحلّ لبلورة سيادة الشعب "الحقيقية" ففي ديمقراطية مباشرة تضع الشعب في كل مراكز القرار.
أما الاستبداديون فلا مكان في فكرهم لا لديمقراطية تمثيلية ولا لأخرى مباشرة، إلا كغطاء لسلطان الزعيم وعصابته، إذ القَوم لا يؤمنون أصلا بسيادة شعب يحتقرونه.
لا أسهل من رصد سبب كره الاستبداديين للبرلمان. كيف لا وهو منذ انطلاق المؤسسة في أوروبا -وعبر ما لا يحصى ولا يعد من النزاعات والمعارك، ومن الثورات ومن بينها الثورة الإنجليزية سنة 1642 والثورة الفرنسية سنة 1789- لم يكفّ عن التضييق على صلاحيات صاحب السلطة المطلقة، سواءً أكان ملِكا أو رئيسا، وآخرها سَلبُه أخطر ملفّ لديه، وهو سنّ الضرائب والتصرف في ميزانية الدولة.
أما سبب كره الشعوبيين للبرلمان فهو أكثر تعقيدا. هم يدّعون أن الديمقراطية المباشرة أو المجالسية هي الشكل الأرقى للديمقراطية، لأن "التمثيل تدجيل”. ما يتجاهلونه هو أن الديمقراطية التمثيلية هي ديمقراطية مجالسية لكن مقننة ومستدامة. فالبرلمان هو أكبر المجالس، إلى جانب آلاف المجالس الأخرى كالمجالس البلدية أو مجالس إدارة منظمات المجتمع المدني أو النقابات إلخ. وكلها ساحات للمشاركة الفعلية لأكثر شرائح الشعب التزاما وتحملا للمسؤولية.
أما بخصوص التمثيل فالشعبويون يرفضونه لغيرهم ويقبلون به لأنفسهم. ألا يقولون إن زعيمهم هو ممثل للشعب ومن ثم الاعتراف الضمني بأن الشعب ككل لا يمكن أن يفاوض الدول الأجنبية ولا بدّ أن تُوكَل المهمة لممثل ما، اسمه رئيس الجمهورية، له هو نفسه من يمثله لدى الدول الأجنبية، كوزير الخارجية والدبلوماسيين؟
في الواقع هم يغَطون بهذه الحجة السبب الحقيقي.
يصف روزنفالون الزعيمَ الشعبوي بأنه الرجل-الشعب، أي الشخص الذي يرى أتباعُه أنه استطاع بحسّه المرهف التِقاط كل الإشارات التي تبثها آلام وآمال الشعب، وأن ينتفض ليعطي حياته تسكينا للآلام وتحقيقا للآمال. مثل هذا الكائن الملهم ليس بحاجة إلا لمريدين ومنفّذين. لا عجب إذن أن يعتبروا البرلمان حاجزا بين الزعيم المفدّى وشعبه المقدّس الخيالي، كما تقف الكنيسة حاجزا بين الرب وعباده، والحال أنه لا الزعيم ولا الخالق بحاجة لأي وسطاء هم مجرد متطفلين وطفيليين.
إن أحسن شعار للاستبداد صرخةُ ملك فرنسا لويس الرابع عشر الشهيرة “أنا الدولة”. يذهب الزعيم الشعبوي لأبعد من هذا، فشعارُه "أنا الشعب".
ملاحظة بخصوص هذا الأنا الذي يريد تارة للدولة وتارة للشعب أن يتماهى معه. هو يتغطّى بكل الأسماء المضحكة المبكية مثل "المجاهد الأكبر" في تونس و"الزعيم القائد" في أغلب الدكتاتوريات العربية و"الكوديو" في إسبانيا فرانكو و"الكوندوكاتو" في رومانيا شاوشسكو و"الأب الصغير للشعوب" في الاتحاد السوفياتي تحت ستالين و"الملّاح الكبير" في صين ماوتسي تونغ إلخ.
ولأنه نفس النمط من البشر فسنسميه "الأوحد" لأن هذا الشخص بالنسبة لنفسه
ولأتباعه هو فلتة زمانه، لا أحد كفؤ له وهو -خلافا للبشر العاديين- قادر على استيعاب الدولة بكل تعقيدها أو الشعب بكل تعدديته وتناقضاته.
لنَصف هذه الفكرة بالساذجة والبدائية حتى لا نصل لاتهامها بالهذيان والجنون.
وبما أن كل القصة تُختزل في الصراع بين الأنا والمؤسسات، فمن الضروري تسليط الضوء على هذا الأنا الذي يحلم بأن يكون الدولة والشعب، ولِم لا كليهما معا.
لتفسير الفكرة علي تقديم الإطار الفكري الذي تندرج فيه.
مهمة التربية في البيت تخليص الطفل من أنانيته وعنفه وظلمه، وتعليمُه التقاسم والشراكة والقبول بالآخر. على الصعيد الجماعي تلك هي مهمة الدين والقانون والثقافة.
نجاح التربية على الصعيد الفردي أو الجماعي عملية لا نهاية لها، والأجيال تتتابع ومع كل جيل تبدأ التربية من نقطة الصفر. هي أيضا عملية متفاوتة النجاح وأنت أمام احتمالات كثيرة. كل الأطفال يكبرون في السن لكن عملية النضج قد تتوقف عند بعضهم في أي عمر. هكذا ستواجَه بأطفال في الثلاثين أو في الخمسين أو حتى في السبعين لأنهم حافظوا على أهم خصائص الطفل أي النرجسية والأنانية والظلم والعنف والطلبات التي لا تتوقف، دون مقابل.
بيت القصيد: الاستبداد -مثل الشعبوية- أيديولوجيا أطفال كبروا في السن ولم ينضجوا. تجد داخل المنظومة -أيا كان الزمان والمكان- نفس الهيكلة: من جهة كهل- طفل يريد من أمة بأكملها أن تكون أمّه، تغمره بفيض لا ينقطع من الإعجاب والحب، تتغنّى به ليلا نهارا، تنصاع لكل طلباته وترى فيه مركز الكون. على الطرف المقابل تجد كهولا-أطفالا يريدون أبا يحميهم ويُرضي طلباتهم وربما يعوّضهم الأب البيولوجي الذي لم يرقَ لمستوى أحلامهم وهم رضّع صغار يلعبون في ساحة المدرسة.
على العكس من هذا تتشكل الديمقراطية كمنظومة الذين كبروا في السن ونضجوا في آن واحد، واستطاعوا، إن لم يكن التخلصَ من الطفولية -أي غرائز الطفل التي تسكنهم-بقوة متفاوتة، فعلى الأقل التحكم فيها. هكذا سترى حكّامها يقبلون بأنهم عابرو سبيل مهمّتهم تشغيل المؤسسات لا أكثر، والتواضعُ أُولى خصائصهم لمعرفتهم بحدودهم وبالتعقيد الهائل للمشاكل التي تُلقى على عاتقهم. هكذا ستَرى المحكومين ينتفضون إن عوملوا كرعايا أو مُريدين، لا يقبلون إلا وضع المواطنين الراشدين المسؤولين.
من العبث مطالبة الشعبويين والاستبداديين بمراجعة مواقفهم والتساؤل لماذا انهارت كل النظم الشعبوية والاستبدادية في القرنَين الأخيرين، في حين أن الديمقراطية غزت العالم وفرضت حتى على الشعبوية والاستبداد التعامل مع آلياتها بالتزييف أو بالمزايدة.
هذا لا يمنع أن للديمقراطية عيوبا كثيرة حتى ولو كانت مآخذ الشعبويين والاستبداديين عليها كلمة حق أريد بها باطل. أليس من واجب الديمقراطيين الانكباب على كلمة الحق وتجاهل الباطل المقصود بها؟
من أين لنا الدفاع عن أداء البرلمان في تونس تسع سنين بعد الثورة، وهو يعطي للتونسيين أسوأ صورة ممكنة. كم من مشادات نقلها التلفزيون مباشرة طيلة هذه السنوات في إطار سياسة الشفافية، فأثارت لدى غالبية الناس -ومنهم كاتب هذه السطور-مشاعر تكاد تقترب من التقزّز.
ما يقال عن البرلمان التونسي هو نفس الكلام الذي تسمعه حتى في أعرق البلدان الديمقراطية. لذلك سنعمم الأسئلة ولن نخص بها تونس أو العراق أو أيّ بلد آخر.
أليس صحيحا أن ديمقراطية سياسية محض بدون ديمقراطية اجتماعية تكفل الحقوق الاقتصادية للأغلبية المفقرة كالحرث في البحر؟.
أليس صحيحا أن الفساد ينخر في جلّ الأحزاب الديمقراطية؟ ومن ثم السؤال، كيف يمكن لأحزاب فاسدة أن تقضي على الفساد. والسؤال داخل السؤال، أيّ آليات -وخاصة فيما يتعلق بالتمويل-يجب إعادة النظر فيها لضمان أقصى قدر ممكن من النزاهة ونظافة اليد، في مثل هذه التنظيمات الضرورية -إلى جانب منظمات المجتمع المدني-لديمقراطية سليمة؟
أليس صحيحا أن بعض الإعلام بتبعيته لرأس المال الفاسد أخطر تهديدا على الديمقراطية التي تسمح له بالوجود؟ إنه اليومَ أكبر عامل في تدمير الوعي والثقافة والقيَم. لقد أصبح أداة لتضليل الشعب ودفعه لاتخاذ مواقف مناهضة لمصالحه متماشية مع مصالح اللوبيات الخفية. ومن ثم السؤال، كيف نحمي الشعب من التضليل دون أن نمس بحرية الرأي والتعبير، أي كيف نتفادى التضحية بالرضيع حين نسعى للتخلّص من مياه حمّامه؟
أليس صحيحا أن الانتخابات بصيغتها الحالية، لا تخدم إلا الأحزاب؟ أليست توصل لسدة الحكم فصائل متناحرة وحتى أشخاصا مشبوهين؟ هكذا أصبح المواطنون الذين كانوا ينتظرون من السياسيين حل مشاكلهم، يقضون جل الوقت أمام الشاشات لمشاهدة مشاكل السياسيين. ومن ثم كيف نعيد صياغة قوانين انتخابية تجعل دخول المجالس عصية إلا على أحسن القوم، وتفرز دوما أغلبية قادرة على الحكم دون الدخول في الصفقات المريبة والفاشلة، والتداولُ بين حكومات أغلبية منسجمة هو الذي يفرز الغث من السمين؟
أليس صحيحا أن المواطنية الديمقراطية لا تتوقف عند الإدلاء بالأصوات في كل جولة انتخابية، ومن ثم السؤال، كيف يمكن توسيع مجال المشاركة ومجال التواصل بين الناخبين والمنتخبين حتى نقترب من الهدف الأسمى للنظام الديمقراطي: شعب من المواطنين تسيّره قوانين عادلة ومؤسسات نظيفة في كنَف التعددية والحرية والسلام.
كم من أسئلة أخرى يضيق المجال لذكرها يجب أن توضع هي أيضا على الطاولة، وأن يكون التشخيص بلا مواربة والعلاج سريعا وإن كان موجعا.
إن أكبر فارق بين الديمقراطية من جهة، والشعبوية والاستبداد، هو أن الديمقراطية تستطيع علاج أمراضها بمزيد من الديمقراطية، أي بمزيد من الحوار ومن تحسين القوانين ومن إعادة بناء المؤسسات وفق التجربة المكتسبة. أما الاستبداد فهو لا يستطيع أن يَبرأ بمزيد من الاستبداد أي بمزيد من العنف والفساد والتدجيل، وكذلك لا تستطيع الشعبوية إنقاذ نفسها من الإفلاس بمزيد من الشعارات والغوغائية والحثّ على الفوضى.
لذلك على الديمقراطيين اليوم في تونس وفي كل البلدان العربية، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، أن يرصوا الصفوف ويراجعوا الكثير من أخطائهم، وأن يستعدوا لمواجهة جائحة من الشعبوية والاستبداد لن تأخذنا بعيدا كما حدث ذلك أكثر من مرة، لكن تكلفتها ستكون باهظة، وهذه الأمة المسكينة دفعت أكثر من كل الأمم ويكفيها دفعا.
أكيد أن جزءًا من الثمن الباهظ ناتج عن نقص مناعة ثقافي يجعلنا فريسة للمرضَين أكثر من الأمم الأخرى. ألَا نطرب لقول شاعر-طفل "إنما العاجز من لا يستبد" والحال أن العكس هو الصحيح؟
ألا يخلط الكثيرون بين الهَيبة والغطرسة، بين القوة والعنف، وكأن غاندي أو منديلا كانا ضعيفَين، وبن على أو الأسد من الأقوياء؟
سنصبح أقوياء حين تتغلغل في قلوبنا وعقولنا قناعة أنه لا أقوى من مجتمع ومن نظام سياسي يرتكز على أمتن المؤسسات وأعدل القوانين، ولا أضعف من مجتمع ومن نظام سياسي تحكمه بنادق الجيش وسياط البوليس، يقوده كهل يحرّكه مِن داخله طفل يرفض أن يكبر.