قضايا وآراء

العشاء الذي دفع ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة

1300x600

على الرغم من نفيه عدة مرات، وبالرغم بأن طموحه السياسي يعود إلى ما قبل ذلك بكثير وتحديداً الى بداية الثمانينيات من القرن المنصرم،إلا أن الكثيرين يرون بأن حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض والذي دُعِي إليه ترامب في 2011، هو ما أشعل فتيل حملته الانتخابية، وكان حافزه الأساسي لاقتحام السباق نحو المكتب البيضاوي في الانتخابات اللاحقة 2016 ليواجه المرشحة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، ويعمل كل مل في وسعه لأن يطيح بها ويتقلد الحكم في الولايات المتحدة.

يرى بعض المقربين منه، بأنه لم يحتمل التهكم الذي قام به أوباما ليلتها وكان ترامب نفسه موضوعه الرئيسي، وكانت تلك اللحظة الفارقة بالتحديد هي التي حينها عزم بأن يخوض السباق الرئاسي، وأن يكون هو بالذات الرئيس القادم الذي يتسلم زمام المكتب البيضاوي في الجناح الغربي من البيت الأبيض خلفا لأوباما في 2017.

 


تضخم الذات عند الشخصيات النرجسية عادةً ما يكون سبباً في أن يكون محركهم الرئيسي شخصي ويتعلق بارتفاع منسوب حب الذات والصورة، حيث أنه لا يتحمل الشخص النقد أو الهزيمة أو الرفض، كما أنه يشعر بالمهانة بسرعة، وذلك ربما لمدى رفعة نظرته لذاته واعتبار نفسه ذا أهمية بالغة لمن حوله، وهو ليس فقط غير قادر على أن يُسامح أو ينسى فقط، بل ويشك أصلاً في فكرة التسامح وقيمتها. وهذا كله ما يتسق وسياق حالة الرئيس ترامب، وخصوصاً في مساء تلك الليلة الربيعية الدافئة من أواخر نيسان/ أبريل 2011.

على كل حال، دفع الحزب الجمهوري بترامب ليكون مرشحه للرئاسة في نهاية الأمر، وقامت حملته على الشعبوية بشكل أساسي، فاعتمدت خطابا سياسيا استخدم الديماغوجية وإثارة عواطف الجماهير بالحجاج الجماهيري. واستند في معظم الوقت على الهجوم على الديمقراطيين ومنافسته هيلاري كلنتون طوال الوقت، واستند على اتهامات وجهها لسلفه وغريمته الانتخابية، ولم يُقدم يوماً أي دليل حقيقي يوماً لدعمها وإثباتها، بل استمر بهجوم استمد كثيراً من زخمه من ضعف حملة منافسته وما عانته وقتها من فضيحة استخدامها لبريدها الالكتروني الخاص إبان تقلدها حقيبة الخارجية.

بالرغم من حصوله على أصوات أقل من هيلاري في الانتخابات، إلا أنه فاز بنهاية الأمر من خلال أصوات المجمع الانتخابي، اعتماداً على الذين يعيشون في المناطق الريفية قليلة الكثافة السكانية، والتي وبحسب النظام الانتخابي الأمريكي تكون ممثلة بعدد أصوات المجمع الانتخابي غير متناسبة وعدد السكان. فعلى سبيل المثال، فقد فاز ترامب حينها بثلاثة عشر صوتاً انتخابياً بفوزه بولايات ألاسكا وإيداهو ومونتانا ووايومنج، بأقل من مليون صوت في الصناديق، في حين أن ضعف هذا العدد من أصوات الصناديق في ولاية ماساتشوستس لم يمنح كلينتون سوى 11 صوتاً انتخابياً. وهذه المناطق كما هو معروف موطن عدد لا يستهان به من أبناء الطبقة العاملة من البيض المسيحيين الإنجيليين، ومعظم تلك المناطق هي معاقل تاريخية للجمهوريين، لم تكن هيلاري كلينتون لديها أي فرصة لحصدها.

وواصل ترامب بتجمعاته الانتخابية الساخنة استخدام توصيفات عدوانية ضد المسلمين والمهاجرين على حد سواء، ولم يخف موقفه الاحتقاري من النساء، وهو أحد أهم أسباب التأييد الجارف له في تلك المناطق.

المحلل لمسار رئاسة دونالد ترامب في الفترة الأولى، يجد أن كثيرا من مواقفه وقراراته تؤكد بأن حافزه لخوض السباق الرئاسي فعلاً كان ذا علاقة بتلك الليلة، والصورة التي هوجمت به الأنا الخاصة به، وغيرها من المنحنيات السابقة في حياته بصورة لا تخطئها الأعين. فقد واصل بشكل استثنائي خلال رئاسته الهجوم على سلفه أوباما، محملاً إياه مسؤولية أي عقبة تواجهه حتى بعد سنوات من تقلده السلطة، عداك عن عمله الحثيث لمحاولة محو أي إنجاز يخلد أوباما، وذلك من إلغاء التأمين الصحي الذي حمل إاسمه الى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وغيرها الكثير، إضافة الى كيل كم هائل من الاتهامات الى الإدارات السابقة، ومجدداً دون أن يكلف نفسه العناء بأن يثبت أياً منها.

تعاملت إدارة ترامب مع الملفات الخارجية بمنهج يخرج بمعظم الأحيان عن الأعراف من منطق المصلحة الصرفة، وبدون إيلاء أي اهتمام لأي التزامات لإدارات سابقة أو حتى التزامات أخلاقية تنبثق بالأساس من الدستور الأمريكي، ولا حتى للمنظمات التي تنضوي تحتها الولايات المتحدة، معتمداً بترويج كل ذلك على الشعبوية بصورة تخاطب الجماهيير بإدعاءات مجدداً لا يملك بالأساس أن يثبتها. صب الرئيس ترامب جل إهتمامه على جوانب تعنى بالإقتصاد، مستغلاً حصاد خطط طويلة الأمد لأسلافه ليقوم طبعاً بنسبها لنفسه. وكأي شخصية نرجسية تفرط بالاعتداد بنفسها وقدراتها، قاد دفة الولايات المتحدة ليرسم صورتها الخارجية بنفس الخطوط العريضة كدولة عظيمة تستمد بريقها النرجسي من إدراتها الحالية.

من مفارقات الشخصيات النرجسية بحسب علماء النفس، انعدام الاهتمام بالمحيط، فيسيطر الوهم على عقل النرجسي مهيئاً له بأنه يعلم كل شيء، وأن لديه علما ومعرفة ما يغنيه حتى عن الاستعانة بالخبراء، وهو ما فاجأ به المخابرات المركزية عند بداية فترته الرئاسية لإهماله الإيجاز اليومي الذي جرت العادة تقديمه للرئيس، بالإضافة الى سلسلة من القرارات التي أدت إلى انحراف مسار رئاسته عن خط النجاح الاقتصادي الذي عوّل عليه كثيراً طوال مراحل رئاسته؛ من أهمها الطريقة التي أدار بها ملف جائحة كورونا. فترامب لم يلق بالاً لمنظمة الصحة العالمية ولا خبراء الصحة والأوبئة، مصراً على انتهاج مسار يولي الاقتصاد الدرجة الأولى من الاهتمام، على الرغم من أنه نفسه شن هجوم لاذع على أوباما عندما ظهرت الأيبولا، حيث صور أوباما بغير المؤهل لإدارة ملف خطير يتهدد أرواح الأمريكيين حينها، إلا أنه نفسه قام في البداية بتقليل أهمية المرض ووصفه بأنه ليس أكثر من إنفلونزا موسمية، ما عرض حياة الآلاف للخطر، وأدى الى تأخير اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الوباء. المثير أن الإصابات في الولايات المتحدة زادت عن النصف مليون مواطن أمرييكي مع أكثر من 22 ألف وفاة، فيما لم يصب بالأيبولا إبان حكم أوباما سوى 12 أمريكيا توفي مهم اثنان!

ذكر قصة عشاء المراسلين في البيت الأبيض الآن يأتي من باب التذكير بأن رئاسة ترامب هذه ستبقى حالة فريدة في تاريخ الولايات المتحدة، وذلك للعديد من الأسباب التي بات يعرفها الجميع، إلا أنها ربما ستكون أيضاً أكثر وضوحاً فيما لو تمكن من الحصول على فترة أخرى، والتي أصبحت في الفترة القصيرة الأخيرة أمراً ربما مشكوكاً فيه!