من العبارات العسكرية الشائعة التي سمعتها مرارا وتكرارا، وذلك خلال رحلاتي البحرية الطويلة إلى جبال أفغانستان: «الهواة يتحدثون عن الاستراتيجية، لكن المحترفين يتحدثون عن اللوجيستيات».
وتنسب هذه العبارة الشهيرة في بعض الأحيان إلى جنرال الجيش عمر برادلي، وتعني ببساطة أنه حتى أفضل الاستراتيجيات والتكتيكات ستخفق، إذا لم يقف خلفها مسؤولون أكفاء بمجال اللوجيستيات، والذين بمقدورهم ضمان عمل سلاسل الإمداد بسلاسة دونما توقف.
وفي خضم الحملة التي تُشن ضد فيروس «كورونا» المستجد، سنلجأ مرارا إلى المسؤولين اللوجيستيين المهرة، لحل مشكلات نقص أجهزة الاختبار وأقنعة الوجه الطبية المتطورة ومعدات الوقاية الشخصية الأخرى، وكذلك معدات المستشفيات مثل أجهزة التنفس الصناعي والعقاقير المسكنة للألم، وأخيرا المصل حسبما نأمل.
ومن أجل تفهُّم ما يمكن للمؤسسة العسكرية تقديمه (وما لا يمكنها فعله) فيما يخص دعم السلطات الداخلية، لجأت إلى أفضل المسؤولين اللوجيستيين العسكريين الذين أعرفهم: لفتنانت جنرال قوات جوية المتقاعد مارك رمزي، الذي أعرفه منذ عقود، وكنت محظوظا بما يكفي لأن أحظى بخبرته العميقة في فريق العمل الخاص بي، عندما كنت القائد الأعلى للقوات في حلف «الناتو». وعمل رمزي بمنزلة العقل المخطط وراء جهود تخطيط العمليات وسلاسل الإمداد الخاصة بنا إلى داخل أفغانستان والبلقان، وعمليات مكافحة القرصنة خارج سواحل أفريقيا، وأيضا خلال حملتنا القصيرة شديدة التعقيد في ليبيا. وجرت بيننا قريبا محادثة عبر البريد الإلكتروني وفيما يلي ما قاله:
* هل يبدو منطقيا نقل معدات (خاصة أجهزة التنفس الصناعي) من بؤرة لتفشي الوباء إلى أخرى، مثلما اقترح حاكم نيويورك أندرو كومو؟ وما السبيل الأمثل لإنجاز ذلك؟ هل يمكن أن تساعد المؤسسة العسكرية بهذا الأمر؟
- تحظى المؤسسة العسكرية الأمريكية بمنظومات نقل ولوجيستيات واسعة النطاق، يمكن استخدامها في دعم جهود التصدي لذلك الوباء، ويجري بالفعل استخدام بعضها اليوم. وباستطاعة قيادة النقل التابعة لوزارة الدفاع استغلال عناصرها في الجو والبر والبحر والاستفادة من أصول عسكرية وتجارية لخدمة بؤر تفشي الوباء، والمناطق الجوهرية الأخرى.
* منذ ظهور الوباء، تعالت دعوات لجعل المؤسسة العسكرية تتولى مهمة التصدي له، فما الذي يمكنها فعله، وما لا يمكنها فعله من منظور لوجيستي؟
- تكمن أوضح الأمثلة حتى اليوم في نشر سفينتين تابعتين للأسطول، تحملان مستشفيين إلى مدينتي نيويورك ولوس أنجليس. بجانب ذلك، جرى نقل أفراد طبيين عسكريين إلى خطوط المواجهة، لدعم المستشفيات المدنية داخل بؤر تفشي الوباء، مثل مدينة نيويورك.
وإذا تطلب الأمر، يمكن للمؤسسة العسكرية كذلك نقل الأشخاص شديدي المرض والذين يحملون مخاطر نقل العدوى لآخرين، باستخدام وحدات عزل يمكن نقلها جوا، التي جرى تصميمها وشراؤها في أثناء أزمة تفشي وباء «إيبولا» في أفريقيا منتصف العقد الماضي.
بجانب ذلك، بإمكان المؤسسة العسكرية توفير الإمدادات اللوجيستية المتاحة لديها، مثل معدات الوقاية الشخصية، وإمدادات طبية أخرى مثل مواد تطهير وعقاقير. كما يمكن الاستعانة بها في بناء مستشفيات ميدانية وتوفير كل ما هو ضروري لتشغيلها، مثل الطاقة ومياه نظيفة صالحة للشرب، أو تحويل بنايات قائمة إلى مستشفيات مثلما فعلت في مركز جافيتس في نيويورك.
وأخيرا، يساعد عسكريون في إجراء اختبارات الفيروس، وبإمكانهم توفير الأمن إذا تطلب الأمر وفي إطار القوانين القائمة.
* حققت المؤسسة العسكرية بالفعل بعض الإنجازات السريعة كما ذكرت، لكن هذا الوضع سيستمر معنا لشهور، فما الذي يمكن للمؤسسة العسكرية وما ينبغي لها فعله على المدى الأطول والأوسع؟
- من المحتمل أن تستمر المؤسسة العسكرية في جهودها الداعمة، حتى يحدث تراجع حاد في معدل الإصابات وأعداد المصابين في المستشفيات. إننا أمة تخوض حربا أمام عدو غير مرئي، وترابط المؤسسة العسكرية في المقدمة مع الوكالات المدنية لإنهاء الوباء.
وعلى المدى الطويل، الذي أعرفه بأنه في وقت لاحق من العام، عندما نتجاوز الجزء الأكبر من الوباء، يجب على البنتاغون ووكالات حكومية وصناعات جوهرية أخرى الجلوس معا وصياغة عملية تخطيط استراتيجي، تقوم على الدروس المستفادة من الأزمة الراهنة للاستعداد لأي موجات أخرى مستقبلية لتفشي أوبئة. وينبغي أن تخلو هذه العملية من أي طابع سياسي وتركز على تحديد الإجراءات الصائبة والأخرى الخاطئة التي اتخذناها بمختلف أرجاء البلاد، منذ مرحلة الرصد والعلاج حتى إجراءات التباعد الاجتماعي وأكثر من ذلك بكثير، على نحو يشبه ما حدث في أعقاب اغتيال كيندي وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول). وتتمتع المؤسسة العسكرية بقدرة كبيرة على عقد مراجعات وتنفيذ التخطيط الاستراتيجي، لذلك يجب أن تكون في قلب هذه الجهود.
* لو أننا رصدنا قرب وقوع هذه الأزمة، كيف كان يمكن للبنتاغون الاستعداد على نحو مختلف؟ كيف تتخيل استعداده للمرة القادمة؟
- من بين الأمور التي كانت ستختلف، أننا كنا سنتخذ إجراءات حمائية في وقت أكثر تبكيرا لقواتنا، وتفعيل قطاعات جوهرية من قواتنا مثل قوات الاستجابة الطبية في البحر والبر، والمهندسين وأفراد الأمن الذين عاونوا في بناء المستشفيات. ونحن بحاجة إلى خطة وطنية عبر مختلف قطاعات الحكومة بحيث يمكن تفعيلها بمجرد رصد مؤشرات على وباء محتمل. أيضا، ينبغي العمل على بناء مخزون وطني من معدات الوقاية الشخصية والمواد الطبية الحيوية الأخرى، وينبغي للقاعدة الصناعية الأمريكية امتلاك القدرة والإرادة لتصنيع هذه المستلزمات في الداخل.
لقد كشف هذا الوباء عن «كعب أخيل» لدينا المتمثل على نحو مفرط في الإمدادات الطبية لدول أخرى، خاصة الصين. وينبغي كذلك توسيع نطاق هذه الخطة بحيث تشمل الحلفاء في حلف «الناتو» وغيرها، وعددا من العناصر الفاعلة المحورية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. وينبغي - بالتفصيل - تحديد أنماط الدعم التي يمكن لنا تقديمه وما نتلقاه من هذه المنظمات.
* هل ينبغي تعيين مسؤول عسكري رفيع ليتولى إدارة الحملة، مثلما دعا سيناتور نيويورك تشوك تشومر، إما بشكل عام أو للجانب اللوجيستي العسكري فقط؟
- أعتقد بالفعل أن فريق العمل داخل البيت الأبيض بحاجة إلى ممثل عسكري رفيع لشؤون اللوجيستيات، بحيث يمثل اللوجيستيات العسكرية. وينبغي أن تكون له نفس مكانة كبير المسؤولين في الفريق اليوم. ويمكن أن يكون هذا المسؤول في منصب مشابه لنواب القادة في القيادة الشمالية، والذين يتحملون مسؤولية الدفاع عن الوطن، أو قيادة النقل، التي تتولى تنسيق العمليات المتحركة بمختلف أرجاء العالم.
(الشرق الأوسط اللندنية)