شهد التاريخ القديم والحديث تفشي العديد
من الجوائح والأوبئة، بسبب اتساع النشاط السكاني، وتطور الأمراض المعدية، مع سوء
الصرف الصحي والتعذية نتيجة الأحوال الطبيعية كحالات القحط والجدب، ولأسباب قام
بها الإنسان مثل الحروب وما يرافقها من أمراض.
لكن على الرغم من قضاء تلك الأوبئة على
حياة الملايين من البشر، وإصابة عشرات الملايين ومعاناتهم، من آلام المرض حتى
شفائهم، إلا أنها انتهت بأشكال مختلفة.
وتستعرض "عربي21"، كيف انتهت 5
من أسوأ الجوائح والأوبئة التي مرت على البشرية.
طاعون جستنيان:
الطاعون كان وراء 3 من أكثر الأوبئة فتكا
بالإنسان عبر التاريخ، وتقف وراءه بكتيريا من نوع واحد، وهي " Yersinia pestis يريسينا بيستيس".
ويعد طاعون جستنيان أحد الأوبئة التي
انتشرت مثل النار في الهشيم في أوروبا، بعد انتقاله من مصر، عبر البحر المتوسط إلى
القسطنطينية (إسطنبول)، عاصمة الدولة البيزنطية، عام 541 للميلاد، وكانت البكتيريا
المسببة للطاعون تعيش في البراغيث التي تعلقت بالفئران خلال نقل الحبوب من مصر.
وتسبب الطاعون في هلاك القسطنطينية آنذاك،
واتسعت رقعة الإصابة إلى أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا والجزيرة العربية، ويصل تعداد
الضحايا إلى 5 ملايين شخص.
وحول كيفية انتهاء طاعون جستنيان، قال
أستاذ التاريخ بجامعة "دي بول" الأمريكية في شيكاغو إليونز توماس
موكايتيس: إن "غالبية الناس، لم تكن قادرة على محاربة المرض في تلك
الفترة". لافتا إلى أن "التخمين الأقوى أن أغلبية الناجين من المرض،
كانوا يمتلكون المناعة لعدم الإصابة والبقاء على قيد الحياة".
لوحة لرجل دين يقرأ تراتيل لمصابين بطاعون جستنيان
الموت الأسود.. الحجر الصحي
عاد الطاعون مجددا بعد 800 عام من طاعون
جستنيان، وضرب أوروبا مباشرة عام 1347، وقتل قرابة 200 مليون إنسان خلال 4 أعوام
فقط.
لم يكن مفهوم العدوى مدركا من قبل الناس
في تلك الفترة، لكن فكرة انتقال المرض بين الأشخاص بسبب اقترابهم من بعضهم، كانت
معروفة، ولذلك قرر المسؤولون في مدينة راجوسا التابعة للبندقية في إيطاليا، إجراء
حجر صحي على كافة البحارة الواصلين حديثا إلى المدينة، للتأكد من عدم إصابتهم
بالأمراض.
وفرض الحجر الصحي للبحارة على سفنهم لمدة
30 يوما، والتي باتت في عرف البندقية معروفة باسم "ترينتينو"، ومع الوقت
توسعت فكرة الحجر داخل البندقية نفسها، ولمدة 40 يوما، ومن هنا جاءت كلمة
"كورينتينو" الإنجليزية، والتي أصبحت كلمة غربية لتعريف الحجر الصحي
وبذلك انتهى وباء الطاعون الثاني.
لوحة لضحايا طاعون الموت الأسود في بلجيكا
الطاعون العظيم.. هلاك لندن
لم يتوقف الطاعون عن العودة، بعد كل
محاولة لإنهائه، وتشير كتب التاريخ إلى أنه عاد كل 20 عاما تقريبا، منذ العام 1348
حتى العام 1640، أي قرابة 300 عام، ومع كل موجة وباء للطاعون كانت حياة 20 بالمئة
تنتهي من الرجال والأطفال والنساء، الذين يعيشون في لندن.
ودفعت موجات الطاعون إنجلترا إلى فرض نواة
قوانين الحجر الصحي، وعزل المرضى، مع حلول أوائل القرن السادس عشر، وجرى تمييز
المنازل الموبوءة بحزمة قش معلقة على عمود خارجها، فضلا عن الطلب من أي فرد بأسرة
مصابة يخرج إلى الأماكن العامة، حمل عمود أبيض، حتى يتجنبه الناس منعا لنقل المرض،
وكان يعتقد أن القطط والكلاب تنقل المرض لذلك وقعت مذبحة بحقها.
أما الطاعون الكبير الذي شهدته لندن عام
1665، فقد أسفر عن مقتل 100 ألف من سكان لندن في 7 أشهر، وفرض الحظر الكامل على
الحركة، وبالقوة منع خروج المرضى من المنازل ورسمت صلبان حمراء على أبوابهم
لمعرفتهم، ويعتقد أنها كانت الطريقة الوحيدة لإنهاء آخر موجة طاعون بسبب
البكتيريا.
لوحة لرجلين يعثران على جثة امرأة قضت بالطاعون في لندن
الجدري.. وباء العالم الجديد
انتشر الجدري في قارات العالم، وتسبب
بالكثير من الوفيات، وأحصي وفاة 3 من كل 10 أشخاص أصيبوا به على مدى قرون، مع ترك
ندوب مدى الحياة لكل من أصابه ونجا منه.
ووصل الجدري إلى (العالم الجديد) أمريكا،
مع رحلات المستكشفين الأوروبيين، في القرن الخامس عشر، ولم يكن لدى الشعوب الأصلية
في الأمريكتين مناعة طبيعية ضد الوباء، ما أسفر عن ضحايا بعشرات الملايين.
وقال أستاذ التاريخ موكايتيس، إن ما حدث
في الأمريكتين بسبب الجدري، قضى على قرابة 95 بالمئة من السكان الأصليين، على مدى
قرن من الزمان.
وبقي الجدري يحصد البشر على مدى قرون، حتى
اكتشف طبيب بريطاني يدعى إدوارد جينر، أواخر القرن الثامن عشر، لقاحا لفيروس الجدري.
وتعود قصة اكتشاف اللقاح إلى سيدة تدعى سارة نيلمس، جاءت لاستشارة الطبيب جينر، بأحد الأمراض، فسألها عما إذا كانت أصيبة
بالجدري، وبعد أن أكدت له تعرضها لجدري البقر، بدأ الطبيب البحث في سبب عدم
إصابتها بالجدري البشري، وعثر على نوعين من جدري البقر أحدهما شبيه بما يصيب
الإنسان.
واستفاد الطبيب منه في فكرة التلقيح،
وأجري الاختبار الأول عام 1796، على طفل يدعى جيمس فيبس، وكان عمره 8 سنوات، وقام
بتلقيحه بجدري البقر، ورغم حصول حمى خفيفة، إلا أن الطفل نجا من التلقيح، وبعد ذلك
قام الطبيب بحقنه بقيح من مرض الجدري المميت، لعدة مرات بلغت 20 محاولة، وكانت تلك
اللحظة الفارقة تاريخيا للقضاء على فيروس الجدري، وأعلنت منظمة الصحة العالمية عام
1980 استئصال الجدري من العالم تماما.
صورة لاختبار أول لقاح أجراه الدكتور جينر للقضاء على الجدري/ جيتي
الكوليرا.. الماء الملوث
كان الاعتقاد السائد منتصف القرن التاسع
عشر أن المرض الذي قتل عشرات الآلاف، ينتشر عبر الهواء الملوث، لكن أبحاث الطبيب
البريطاني جون سنو، كشفت أن المرض الغامض الذي ينهي حياة مرضاه خلال الأيام الأولى
من الإصابة ناتج عن مياه الشرب في لندن.
وتتبع الطبيب سنو، سجلات المستشفيات
وتقارير مشارح الجثث لرسم مخطط تتبع للمرض وما إذا كان هناك رابط مشترك بين
الضحايا، ليكتشف أن قرابة 500 ضحية كانت تقطن بالقرب من مضخة برود ستريت في لندن.
وبعد جهد كبير أقنع الطبيب المسؤولين
المحليين في لندن، بإغلاق المضخة، ومنع الشرب والاقتراب منها، لإنهاء الكوليرا،
وبالفعل توقفت المستشفيات عن تسجيل إصابات جديدة.
ورغم انتهاء وباء الكوليرا عالميا، إلا
أنه لا يزال قاتلا في المناطق الأكثر فقرا في العالم، والتي تفتقر إلى الصرف الصحي
والمياه النظيفة.
المضخة الشهيرة في شارع رود ستريت بلندن والتي اكتشف أنها السبب وراء الكوليرا
"كورونا" يفرض الحجر المنزلي على أكثر من مليار شخص بالعالم
NYT: كيف نحمي كبار السن من فيروس كورونا؟
"الصحة العالمية": قلقون بعد انتشار كورونا في الدول الفقيرة