لا مبالغةَ في القول إن فشل
نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة ومغادرته لموقع رئاسة الوزراء الذي استمر فيه لسنوات
مديدة بعث السرور والفرح في نفوس الأغلبية من الناس العاديين، وحصل ذلك عندما تأكد
تكليف «غانتس» تشكيل الحكومة الجديدة في دولة الاحتلال.
زاد من جرعة السرور والفرح لديهم أن مغادرة
نتنياهو، ستعني في الأغلب الأعم مغادرة نهائية للمشهد الذي ظل مستقرا في المركز
منه، مع احتمال ذهابه إلى السجن.
هذا السرور لم يلغِ القول الصحيح للأغلبية،
بمن فيهم أصحاب الفرح والسرور، أن لا فرق يستأهل بين نتنياهو وغانتس في التوجهات
الرئيسة وفي المواقف والسياسات ذات العلاقة بالشأن الوطني الفلسطيني، ولم يلغِ
احتمالية فشل غانتس في تأليف الحكومة، ولا احتمالية فشلها حتى بعد تأليفها.
من المتوقع أن تؤدي مغادرة نتنياهو وائتلافه
الحاكم في الغالب، إلى شكل من الاضطراب في مؤسسة الحكم في دولة الاحتلال لا يمكن
تقدير مدى عمقه واتساعه، وحجم آثاره وعمقها، ولا مدى استمرارها.
يعزز احتمالية هذا التوقع أن الائتلاف الذي
سيشكل حكومة غانتس لا يملك في الكنيست إلا أغلبيةَ صوت واحد فقط، ما يجعله قلقا
ومعرضا للانفراط أمام أي اختلاف بين مكوناته.
وإن هذا الوضع سينعكس على الحكومة التي يؤلفها
وعلى درجة تماسكها وانسجامها، وعلى أدائها أيضا، خصوصا وأن هناك اختلافات حقيقية
وأساسية بين أطراف هذا الائتلاف على موضوعات ليست ثانوية. بينما ائتلاف المعارضة
في الكنيست أكثر تماسكا وانسجاما، وشبكة تحالفاته وخاصة الدولية أوسع وأقوى، ولا
يبدو أنه في وارد الاستعداد للتفاهم مع حكومة يشكلها غانتس وتسهيل أمورها.
توقع الاضطراب في مؤسسة الحكم لا يعني بأي
مستوى ودرجة تولد الوهم لدى المسرورين، ولا غيرهم، إنه قد يؤدي إلى تراجع في
المواقف والتوجهات الأساسية لدولة الاحتلال تجاه القضايا الوطنية الفلسطينية. ولا إلى
تراجع عن الهجمة الشرسة، التي وصل التخطيط لها وقرب تنفيذها ذروته بعد إعلان صفقة
القرن.
لأن تلك التوجهات والهجمة لتنفيذها هي عناوين
إجماع بين كل القوى في دولة الاحتلال.
كل ما قد يعنيه الاضطراب المتوقع هو بعض
التأجيل في التنفيذ حتى يتم الخروج من حال الاضطراب، فيما لو حصل، والوصول إلى وضع
الاستقرار في مؤسسة الحكم.
لكن «وباء كورونا» وانتشاره في دولة الاحتلال
وما ينذر به من احتمال تطور، له رأي آخر. ويبدو أنه يحقق نجاحات في فرض شروط
مختلفة.
أول الحقائق التي نجح «كورونا» فعلا في فرضها
هي تأجيل محاكمة نتنياهو لمدة شهرين بالاستفادة من قانون الطوارئ الذي أعلنته
حكومته. ومن يدري كم تأجيلا قد يلحق. أما أول نتائج هذه الحقيقة فهي أن اسم
نتنياهو قد عاد للتداول بقوة في بورصة تشكيل الحكومة.
وأما أهم نتائج «كورونا» فهي العودة الجدية للحديث
عن حكومة طوارئ لمواجهته، تكون مشتركة وواسعة تقوم أساسا على ائتلاف بين الليكود
مع «أزرق/أبيض» إضافة لمشاركة قوى أخرى، وان تكون برئاسة نتنياهو على الأقل في
السنتين الأوليَين من عمرها.
لو واصلت هذه النتيجة مسارها إلى نهاياته
وتحققت فعلا، فإن أول احتمال جدي لما سينتج عنها هو تخلخل صفوف ائتلاف «أزرق/أبيض»
بالحد الأدنى وربما يصل إلى التفكك (الانفراط) أو إلى الانقسام.
لكن الحقيقة الأهم التي سيوجدها تحقق هذه
النتيجة فعلا، هي أن الحكومة الائتلافية الجديدة ستكون مهمتها الأولى تنفيذ كل ما
تقدمه صفقة القرن لدولة الاحتلال بسرعة قصوى، وتحويل كل ما تقدمه وما تعد به إلى
حقائق راسخة ونهائية على أرض الواقع.
وفوق ذلك وزيادة عليه أيضا، تنفيذ كل التعهدات
والوعود التي التزم نتنياهو الإيفاء بها في حملته الانتخابية بكل ما فيها من شراسة
وعدوانية تصل حد الجنون، وكلها تعهدات ووعود تـأكل بشراهة غير مسبوقة من دم
الفلسطينيين ومن دم حقوقهم الوطنية ودم الأرض الفلسطينية ومن دم المستقبل الوطني
للشعب الفلسطيني.
أما عن الجدل حول القائمة العربية
المشتركة، ومشاركتها بالانتخابات وأدائها السياسي: فأولا، «أهل مكة أدرى بشعابها».
وقد أثبتت القوى المشكلة للقائمة المشتركة أنها من صميم أهل مكة التصاقا وقولا
وفعلا ومواقف.
وثانيا، أنها أخذت وتأخذ مواقفها بإجماع ورضا
مكوناتها، وهذه عملة نادرة في واقعنا وزماننا.
وثالثا، أنها تحظى باحتضان أهل مناطق 1948 بنسبة عالية جدا تندر في واقعنا وزماننا أيضا. (نسبة المشاركة في الانتخابات تخطت 65% ونسبة من أعطوا القائمة أصواتهم من الناخبين تخطت 85%).
ورابعا، أنها تمتلك من الخبرة والمعرفة
المطعمة بالتجربة، وبالنضالية أيضا، ما يجعلها مؤهلة وقادرة على اتخاذ الموقف
الأسلم.
في عيدها: للأم الفلسطينية حاضنة النوع والأرض
قبلةٌ على الجبين العالي والرأس المرفوع. كل الحب... كل الوفاء... كل المجد.
(الأيام الفلسطينية)