أعلن الاتحاد الأوروبي توصله
إلى قرار يقضي بمنح 700 مليون يورو لدولة اليونان بهدف تحصين حدودها، 350 مليونا
منها ستُدفع مباشرة، أما بقية المبلغ فسيتم تقديمها بناء على طلب اليونان.
صدر هذا القرار مباشرة بعد تخلي تركيا عن
سياستها المتبعة لمنع اللاجئين السوريين من الخروج من أراضيها والدخول إلى أوروبا
أو أي مكان آخر، الأمر الذي أدى إلى تزاحم ما يقارب 150 ألف لاجئ على أبواب
اليونان.
إن الحدود التي ستتكفل اليونان بحمايتها هي
حدود الاتحاد الأوروبي التي تمثل أيضا حدود اليونان، وقد دفع وصول اللاجئين إلى
هذه النقطة أوروبا إلى أخذ الأمور على محمل الجد، وجعلها تفهم أن منع اللاجئين من
الوصول إلى أوروبا يقتضي مصاريف مالية ضخمة.
ما هي طبيعة هذه العوائق والتحصينات التي
ستقيمها اليونان؟ لم يُفصح عن ذلك بعدُ، هل ستُستخدم هذه الأموال من أجل إنشاء
أسوار سلكية شائكة مكهربة، أم لإنشاء جدران سميكة مرتفعة، أم ستوظَّف التكنولوجيا
المتقدمة من أجل مراقبة الحدود، أم سيتم استخدامها من أجل تطوير طرق معينة لتوطين
وتأمين معيشة اللاجئين داخل حدود اليونان؟
إن المعاملة التي يتلقاها اللاجئون في اليونان
واضحة؛ فإطلاق القنابل الغازية، ومهاجمة خيام اللاجئين بالمياه العادمة وبالرصاص
الحي، أسفرت كلها حتى الآن عن موت ثلاثة أشخاص، ونظرا لأننا لم نسمع حتى الآن أي
شكاوى أو انتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي بخصوص هذه المعاملة؛ فإن هذه الأموال
سيتم إنفاقها فقط من أجل التدابير الأمنية الوقائية.
إن ما حدث خلال أسبوع واحد فقط على الحدود
اليونانية يُظهر مقدار التفاني الذي بذلته تركيا على مدار سنوات، وكيف شكلت جدار
أمان بالنسبة لأوروبا، كما يتجلى للعيان ما تدين به أوروبا لتركيا وكيف تغاضت
وتجاهلت أوروبا هذا الدَّين.
لا شك أن ما فعلته تركيا حتى الآن من أجل
اللاجئين السوريين لم يكن بهدف حماية أوروبا فقط، بل على العكس من ذلك؛ هناك أزمة
إنسانية حقيقية، والعالم كله - بدءا من الأطراف التي تسببت في هذه المشكلة -
يتقاعس ويتجاهل هذه الأزمة، في حين أن تركيا - التي لم تكن من الأطراف المتسببة في
اندلاعها- لم تقف مكتوفة الأيدي تشاهد المشاكل الإنسانية التي أنتجتها هذه الأزمة.
لقد طبقت تركيا -ودون أي حسابات مسبقة-
سياسة الأبواب المفتوحة مع اللاجئين، وفي إطار هذه السياسة؛ تتولى تركيا -إلى
جانب استضافة ما يقارب أربعة ملايين لاجئ على أراضيها- مسؤولية ستة ملايين لاجئ
يعيشون في مناطق عمليات "نبع السلام"، و"غصن الزيتون"،
و"درع الفرات"، وكذلك عملية إدلب التي ما زالت مستمرة حتى الآن؛ لتكون
بذلك مسؤولة عن عشرة ملايين لاجئ، وهذا العدد يزيد على عدد السكان في المناطق التي
يسيطر عليها نظام الأسد في سوريا.
لقد فعلت تركيا ذلك دون حسابات مسبقة، ولم
تتوان عن تشكيل مأوى آمن للبشر الذين يفرون من ظلم النظام الدموي. وبالإضافة إلى
ذلك؛ إنّ تخلي تركيا عن سياستها القاضية بمنع اللاجئين من مواصلة المسير نحو
أوروبا لا يعني أنها تخلت عن سياستها تجاه اللاجئين.
ففي الحقيقة؛ أرادت تركيا من خلال اتخاذ هذه
الخطوة السياسية تنبيه بعض الأطراف المؤثرة وخصوصا الاتحاد الأوروبي، ودفعهم لتحمل
المسؤوليات الملقاة على عاتقها، سعيا منها لحقن دماء السوريين، وأثناء تطبيقها
لهذه الخطوة؛ لم ترسل أي لاجئ عنوة، ولن تقوم بذلك في المستقبل.
إن اللاجئين الذين وصلوا إلى أبواب اليونان -
بعد تخلي تركيا عن سياسة المنع - كان هدفهم منذ البداية الوصول إلى أوروبا. وكل ما
في الأمر أن تركيا كانت تقطع عليهم هذا الطريق، وقد تخلت الآن عن تلك السياسة، لكن
أنقرة لن تغيِّر السياسة المتعبة مع الأربعة ملايين ضيف الذين أسسوا حياة في تركيا
مفضلين البقاء فيها.
من خلال ممارسة الضغوط على أوروبا؛ لم تكن
تركيا تهدف إلى التخلص من اللاجئين الذين تستضيفهم على أراضيها، وإنما أرادت دفع
أوروبا لممارسة المزيد من الضغط على الأسد وحاميته روسيا، من أجل وقف المذابح التي
تنتج موجات اللاجئين.
سيول اللاجئين لن تتوقف دون إيقاف الأسد،
بينما تُركت تركيا وحيدة في سعيها لإيقاف الأسد، وأينما نظرت في الاتفاق الذي توصل
إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس
الماضي في موسكو- فستجد أن الخطوات التي اتخذتها تركيا بشأن هذه المسألة كان لها
وقع مهم.
على الطرف المقابل؛ إن نهاية هذا الطريق -
الذي سلكه اللاجئون الراغبون في الوصول إلى أوروبا- مغامرة على الأرجح ستنتهي
بخيبة أمل كبيرة. فلو افترضنا أنهم استطاعوا الوصول إلى وجهتهم؛ فإن أوروبا - التي
تملك اللازم من الإمكانات المادية وما يمكن تقديمه للاجئين - لن تتصرف بكرم معهم
ولن تقدّم لهم الكثير، خاصة أنها لا تفعل ذلك الآن.
وعلى كل حال؛ فإن هؤلاء اللاجئين غير مستعدين
للتخلي عن أمل في مستقبل لم يجرّبوه بعدُ. وهم لن يدركوا الحقيقة دون خوض التجربة،
ولن يفهموا دون أن يروا نتيجتها بأمّ أعينهم.
إن أوروبا تواجه اليوم التآكل الذاتي بسبب
عداء الأجانب، لندع ما يمكن أن تقدمه أوروبا للأجانب جانبا؛ فإن الوجود الأجنبي
يضع كل ما يسمى بالقيم الأوروبية في مأزق لا يمكن الخروج منه، وأولئك الذين يمنعون
استقبال اللاجئين ذوي الحق الإنساني هم ذاتهم ممثلو كراهية الأجانب، وقد أضحى وجود
اللاجئين في أوروبا وازدياد أعدادهم يوما بعد يوم بمثابة امتحان يصعب النجاح فيه.
إن نجاح الاتحاد الأوروبي في الامتحان دون
تلقي المساعدة والمساندة التركية أمر غير ممكن، لكن يمكن لهذا الامتحان أن يتحول
إلى فرصة جيدة حتى يجدّد الاتحاد الأوربي العمل على حل الأزمة الإنسانية التي يغض
الطرف عنها، ويبدأ الحوار بين مختلف الأطراف، والشروع في عمليات تعاون مشترك مبنية
على حسن النية المتبادلة.
عن "الجزيرة نت"