ملفات وتقارير

ما الرسائل وراء زيارة وفد أمريكي لإدلب لأول مرة منذ 2011؟

الزيارة تأتي في ظل التوتر بين تركيا وروسيا بإدلب- تويتر

في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011، زار وفد أمريكي، الثلاثاء، شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة، في الوقت الذي تشهد فيه حملة عسكرية هي الأضخم، من قبل قوات النظام المدعومة من روسيا، وكذلك في وقت وصل فيه التوتر التركي/الروسي إلى مستويات غير مسبوقة.

الوفد الأمريكي، الذي ضم المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا، جيمس جيفري، ومندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، والسفير الأمريكي في تركيا، ديفيد ساترفيلد، دخل إدلب من معبر "باب الهوى" في ولاية هاتاي التركية على الحدود مع سوريا، والتقى بمتطوعين في منظمة "الدفاع المدني" (الخوذ البيضاء).

مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، عبرت عن امتنانها لمصافحة أيادي متطوعين من الدفاع المدني، واصفة إياهم بـ"الأناس العاديين الذين يقومون بأمور غير اعتيادية لإنقاذ حياة السوريين من وحشية الأسد".


وأضافت أنها جاءت بالنيابة عن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ووزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لإظهار التضامن مع الشعب السوري، وأكدت أن إدارة بلادها خصصت 108 ملايين دولار أمريكي من المساعدات الإنسانية الأمريكية لتقديمها إلى السوريين.


وما هو واضح أن الزيارة تأتي في توقيتها كرسالة سياسية وعسكرية لروسيا، التي تريد المضي في الحسم العسكري لملف إدلب.

 

اقرأ أيضا: وفد أمريكي في سوريا لأول مرة منذ 2011 (شاهد)

وبعيد الزيارة، قال جيمس جيفري، إن الولايات المتحدة مستعدة لتزويد تركيا بالذخيرة والمساعدات الإنسانية في منطقة إدلب السورية، وأضاف للصحفيين، حسب ما نقلت وكالة "رويترز": "تركيا شريك بحلف شمال الأطلسي، معظم الجيش يستخدم عتادا أميركيا، سنعمل على التأكد من أن العتاد جاهز ويمكن استخدامه".

وتناقش "عربي21" في هذا التقرير، مع محللين أبعاد هذه الزيارة، ودلالتها من حيث الأهداف والتوقيت.

السياسة حاضرة.. نحن هنا

المحلل السياسي، أسامة بشير، قال لـ"عربي21" إن للزيارة التي كانت تحت عنوان إنساني إغاثي (الإطلاع على توزيع المواد الإغاثية)، العديد من الدلالات السياسية.

وأوضح أن توقيت الزيارة الذي جاء قبيل توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لروسيا بيومين، لإجراء محادثات حول إدلب، يشير وبوضوح إلى دعم أمريكي غير محدود لتركيا في مواجهة روسيا.

وأضاف بشير: "أمريكا أرادت القول للروس، بأن الولايات المتحدة هنا في إدلب، كما هي في شرقي الفرات، وأننا لا زلنا نقدم الدعم السياسي لأنقرة، وقد يتطور الأمر إلى الدعم العسكري".

وتابع قوله، إن المعني الأول بالزيارة هم الروس، إذ من الواضح أن الولايات المتحدة، تريد القول للروس بأن التستر وراء مكافحة الإرهاب لتبرير الحرب، لم يعد مقبولا، ففي إدلب الملايين من المدنيين، وكذلك فيها فصائل عسكرية معتدلة، ولن نسمح لكم بالتمادي أكثر.

وبالبناء على كل ذلك، يرى بشير أن التحرك الأمريكي، يؤكد أن الأخيرة هي الغائبة الحاضرة في إدلب، مضيفا أن "الزيارة تؤشر إلى خطوات لاحقة، ومن الواضح أن الولايات المتحدة لن تسمح للروس بتحقيق انتصار".

وحسب بشير فإن للزيارة، كذلك أبعادا إنسانية، موجهة لتحريك المجتمع الدولي برمته، ما من شأنه أن يعيد الزخم الدولي للملف الإنساني، مما يساعد على تشكل رأي عام دولي، يدفع باتجاه وقف التصعيد في إدلب، وفق تقديره.

وأنهى بقوله: "الولايات المتحدة أكدت للعالم كله، زيف إدعاء الروس، وأبطلت كل مفاعيل المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وخصوصا أن الوفد اجتمع بمنظمة الخوذ البيضاء، التي تهاجمها روسيا، وتتهمها بالإرهاب".

رسائل لجهات عدة

الباحث والمحلل السياسي السوري، طلال الجاسم، أكد في حديثه لـ"عربي21" أن زيارة الوفد الأمريكي لإدلب، حملت في ثناياها العديد من الرسائل، منها للداخل الأمريكي، ومنها ما هو موجه لروسيا وتركيا.

وقال: "كان لا بد للإدارة الأمريكية من فعل أي شيء تجاه ما يجري في إدلب، ومن هنا جاءت الزيارة لإظهار أن للإدارة دورا وتأثيرا في إدلب، أمام الرأي العام الأمريكي".

وبالإضافة لذلك، أرادت الولايات المتحدة أن ترسل رسائل للجهات والأطراف الفاعلة في الشأن السوري، على درجة عالية من الأهمية، وفق الجاسم، الذي رأى أنه "من الواضح أن الزيارة كانت موجهة لروسيا".

وبهذا الخصوص أوضح، أن "الولايات المتحدة أعادت التأكيد أن التفويض الأمريكي لروسيا، مرهون بالردع الأمريكي"، مضيفا أن "الولايات المتحدة قالت إنها تدعم تركيا، رغم أنها غير راضية تماما عن سياسة الأخيرة". واستدرك: "غير أن الولايات المتحدة كذلك غير راضية عن السياسية الروسية".

واستنادا إلى ما سبق، يرى الجاسم أن أي خلاف روسي/تركي، يصب في صالح الولايات المتحدة، وذلك في إشارة واضحة منه إلى رغبة أمريكا في استثمار الخلاف والتوتر بين أنقرة وموسكو.

 

اقرأ أيضا: جيفري يبحث بتركيا تطورات إدلب وقضايا "الدفاع الإقليمي"

واستدرك: "لكن من الواضح أن أردوغان وبوتين يدركان تماما أن أي خلاف يتجاوز الخطوط الحمراء في سوريا، قد يؤدي إلى انتهاء الدور لكليهما". 

وعلى النقيض من الرأي السابق، قال الخبير العسكري والاستراتيجي، العقيد زياد حج عبيد، في حديث لـ"عربي21"، إن "من الواضح أن الولايات المتحدة تحاول احتواء التوتر العسكري التركي/الروسي الأخير في إدلب، منعا لانزلاق الأوضاع أكثر، لأن التصعيد لا يصب في مصلحة أحد".

الحد من قلق أوروبا

من جانب آخر، فإن الزيارة الأمريكية لا تخلو من رسائل تطمينية للحكومات الأوروبية القلقة من تدفق اللاجئين نحو أراضيها، بعد قرار الجانب التركي فتح حدوده أمام حركة اللجوء، وفق ما أكد الباحث والمحلل السياسي طلال الجاسم.

وأضاف أن الحكومات الأوربية تعيش في حالة قلق شديد مما يجري في إدلب، ومرد هذا القلق ليس بسبب الجرائم التي تركب بحق المدنيين في إدلب، بل نتيجة الخوف من تدفق اللاجئين.

وقال الجاسم، إن الولايات المتحدة معنية بمخاوف الحكومات الأوروبية في هذا الجانب، مؤكدا بالمقابل أنه "في حال قررت الولايات دعم الملف الإنساني في إدلب، فإنها غالبا ستقوم بحث أطراف عربية على زيادة مقدار الدعم المالي اللازم لإيواء اللاجئين".

ووسط ذلك، يعتقد الجاسم أن الصورة لا زالت قاتمة في إدلب، معربا عن أمله في أن تقوم الولايات المتحدة بدور إيجابي فعال في الشمال السوري، وقال: "لدينا شعور كبير بالقلق على النازحين في إدلب، وكلنا أمل بأن لا يكون الهدف من الزيارة زيادة التسخين، الأمر الذي سيدفع ثمنه مئات الآلاف من المدنيين الذين تقطعت بهم السبل في إدلب".

 

اقرأ أيضا: هكذا أجاب وزير دفاع أمريكا على سؤال حول دعم تركيا "جويا"

وزاد بقوله: "الأمل معقود على توصل الأطراف المعنية بالشأن السوري إلى اتفاق يخفف من معاناة الأهالي".

هذا ومن المرتقب، أن يتوجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الخميس، إلى موسكو، للاجتماع بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لبحث التطورات الأخيرة في إدلب.

والاثنين طالب أردوغان، بانسحاب قوات النظام السوري في شمال سوريا إلى الخطوط التي حددتها تركيا، مؤكدا أن الخسائر التي تكبدتها هذه القوات في هجمات تركيا ومقاتلي المعارضة، مجرد بداية.

وأضاف من أنقرة: "إذا لم ينسحبوا إلى الخطوط التي حددتها تركيا في أقرب وقت ممكن، فلن يبقى لهم رأس فوق أكتافهم ومصيرهم الهلاك"، وقال: "كبدنا النظام السوري أكبر خسارة في تاريخه، سنؤكد لهؤلاء الغافلين، أننا دولة كبيرة لا تنحني ولو قطع رأسنا".