هيكل السلطة فريد في العاصمة الهندية نيودلهي. فهي مقر الحكومة الاتحادية التي تمتلك السلطة الكاملة على الشرطة والحفاظ على القانون والنظام، ويوجد بها أيضا المجلس التشريعي للولاية والحكومة التي تدير الولاية.
وقبل خمس سنوات، فاز حزب «عام آدمي» وهو حزب إقليمي صغير بانتخابات المجلس التشريعي لنيودلهي. وفي الانتخابات التي جرت في الأيام القليلة الماضية، ألحق هذا الحزب الإقليمي الصغير الهزيمة مرة أخرى بحزب «بهاراتيا جاناتا» صاحب النفوذ العظيم بهامش كبير مستحوذا على 62 مقعدا من 70 مقعدا.
وفاز حزب
بهاراتيا جاناتا بثمانية مقاعد فقط بينما لم يستطع حزب «المؤتمر الوطني» العريق
الفوز ولو بمقعد واحد. وخسارة بهاراتيا جاناتا في انتخابات نيودلهي بهامش كبير
يمثل بلا شك انتكاسة كبيرة للحزب اليميني. والخسارة تلقي الضوء على التواجد
المتراجع للحزب في عدد من الولايات الهندية الأخرى. لكن بهاراتيا جاناتا مازال
يتمتع بحضور قوي على المستوى الاتحادي وشعبية رئيس الوزراء ناريندرا مودي ما زالت
قوية.
وفي هذا السباق المحتدم المنافسة، مثل «قانون
تعديل الجنسية»، الذي تم سنه حديثا نقطة محورية لحملة الانتخابات في دلهي. ووسط
الاحتجاجات القوية ضد القانون في عدة مناطق، حاول حزب «بهاراتيا جاناتا» جهد
استطاعته في البداية تخفيف حدة مخاوف المحتجين. ولإدراكه أن الناخبين ليسوا
مستعدين لسماع قصته، تبنى الحزب استراتيجيته التي أجدت نفعا معه غالبا وهي
الاستقطاب لكن هذه الاستراتيجية وقعت في المصيدة التي نصبتها في نهاية المطاف.
والنتائج النهائية تظهر أيضا أن الحزب الحاكم لم يستطع تقديم حجة مقنعة أمام الحزب
الإقليمي الصغير الذي عمره سبع سنوات والذي واجه بسجله في الحكم من تحسين التعليم
والبنية التحتية في نيودلهي الآلة الانتخابية العملاقة لحزب بهاراتيا جاناتا.
و«أرفيند كيجريفال»، زعيم حزب «عامي آدمي»
ورئيس وزراء ولاية نيودلهي حاليا، هو بيروقراطي سابق ترك الوظيفة ليصبح ناشطا
اجتماعيا وينغمس في السياسة ويجتذب مئات المتخصصين في قطاعات مختلفة. وقطع
«كيجريفال» رحلة وعرة للوصول إلى السلطة، وكان ينتقد الحكومة الاتحادية بشدة في
المراحل الأولى. لكن مع مرور الوقت حقق نضجا سياسيا رغم أن حزبه نشأ كحركة لمكافحة
الفساد لكنه بدأ يشبه أي حزب قومي آخر.
ورسالة انتخابات دلهي هي أن الناخبين في
الولاية ركزوا على القضايا المحلية من المياه والكهرباء إلى التعليم والمرافق
الصحية. وتنقل الانتخابات رسالة قوية لحزب «بهاراتيا جاناتا» مفادها أنه لا يمكنه
الاعتماد دوما على شعبية رئيس الوزراء «مودي» أو على التصور الاستقطابي للفوز
بالانتخابات على مستوى الولاية.
فنهج الحزب هذا قد يجدي نفعا في انتخابات عامة
ينظر فيها الناخبون إلى المستوى القومي لكنه لا يجدي نفعا في الولايات. وبالإضافة
إلى هذا، يحتاج الحزب بوضوح إلى تكوين كوادر قيادية على مستوى الولاية وخوض
انتخابات الولايات على أساس قضايا التنمية وليس على أساس الدين أو الطبقة أو
العقيدة. وأظهر الناخبون في دلهي بوضوح أن التنمية مازالت لها الأولوية على مسألة
التصنيف العقائدي.
وحملة انتخابات المجلس التشريعي في نيودلهي
ربما كانت واحدة من أكثر الحملات الاستقطابية التي شهدتها الهند في السنوات
القليلة الماضية. وفي غمرة احتجاجات في عدة مناطق ضد قانون تعديل الجنسية، ظل
تركيز الحزب الحاكم في الحملة الانتخابية على الرسالة الأوسع للأمن القومي.
ولا شك في أن نتائج انتخابات
نيودلهي سيكون لها تأثير على أجزاء أخرى من البلاد. فهناك انتخابات محورية ستجرى
في ولايتي البنغال الغربية وبيهار اللتين بهما عدد كبير من السكان. وحزب رئيس
الوزراء «مودي»، سيتعين عليه تعديل حملته الانتخابية.
وسنرى إذا ما كان سيلتزم
بنهج خوض الانتخابات على أساس شعبية «مودي» والقضايا القومية، أم سيقرر خوضها على
أساس القضايا المحلية في هاتين الولايتين الكبيرتين. وحتى الآن، من الواضح أن فوز
الحزب الصغير سيحفز الأحزاب الإقليمية، بل وحلفاء بهاراتيا جاناتا، على المساومة
بقوة أكبر على عدة قضايا بما في ذلك عدد المقاعد في انتخابات الولاية.
لكن هذه الانتخابات تقدم صورة أخرى أيضا تتمثل
في التراجع المستمر لحزب «المؤتمر»، الذي كان يهيمن ذات يوم على الانتخابات في
نيودلهي، لكنه خسر الآن كل نفوذه السياسي في مقر السلطة الاتحادي.
والحزب يتمتع بنسبة 4% فقط من حصة الأصوات مع ابتعاد زعمائه عن الانتخابات. صحيح أنهم ربما جنحوا إلى استراتيجية عدم تقسيم أصوات حزب «عامي آدمي»، لكن نتائج الانتخابات تظهر أن الحزب مازال متعثرا في ظل الفراغ في قيادته.
وخسارة «حزب المؤتمر» في هذه
الانتخابات أكبر من خسارة حزب بهاراتيا جاناتا الذي أظهر بوضوح أنه حتى الآن لا
يواجه معارضة فاعلة على المستوى الاتحادي. وهذه ليست علامة جيدة لديمقراطية سليمة.
(الاتحاد الإماراتية)