نطقت ما تسمى بمحكمة الصلح الإسرائيلية، في مدينة حيفا المحتلة عام 1948، بالحكم على الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني والتي حظرتها قوات الاحتلال عام 2015.
ويعتبر الفلسطينيون بأن الحكم الصادر بحق الشيخ بالسجن الفعلي لمدة 28 شهرا سياسي بحت، خاصة وأن الاحتلال يحاول بكل شكل من الأشكال أن يبعده عن ساحة العمل السياسي والوطني منذ عدة أعوام.
ويرى مراقبون بأن محاكمة الشيخ لها ما بعدها؛ حيث ستؤثر على أي فلسطيني وتجعله عرضة لتلفيق أي تهمة بحجة التحريض على الاحتلال.
محكمة ظالمة
وتؤكد المرابطة الفلسطينية "منتهى أمارة" ابنة شقيقة الشيخ بأن العائلة توقعت أن يتم إصدار هذا الحكم أو حكم قريب منه عليه.
وتقول لـ "عربي21" إن محاكمة خالها الشيخ ظالمة؛ ورغم كونها محاكمة لشخصه ولكنها تعتبر حكما للأمة كلها لأنه يحاكَم على قضية الدفاع عن القدس التي هي ملك للأمة الإسلامية، على حد قولها.
وتبين بأن العائلة ترفض كل الأحكام الصادرة عن محاكم الاحتلال لأن كل ما يقوله بالنسبة لها مرفوض؛ فهو احتلال ليس له أن يحاكم أو يحكم في قضية أو ملف يخص الشيخ رائد صلاح.
وتضيف: "بالنسبة لنا فالشيخ هو رمز يعتبر لكل مسلم حر أبيّ وصوت الحق الذي لن يسكت، وبالنسبة لنا هو قائد وقدوة وسنظل نسير على خطاه وعلى خطى كل من يكون صوتا للحق، وبإذن الله معنوياته عالية وهو من يزرع فينا الأمل ورؤية النصر وينظر لما عند الله وبشريات من الله والرسول".
وتوضح أمارة بأن الشيخ كان أكد أنه لن يقدم اعتراضا أو التماسا لتخفيض حكمه لأنه يعلم يقينا أنها محكمة ظالمة ويقودها احتلال ظالم، مبينة بأنه أدلى بشهادته خلال المحاكمة والتي قال فيها:
"أريد أن أقول وأصرح بشهادة لله والتاريخ أنني أوصلت الأمانة ولا يهمني حكم السجان ولن أطلب تخفيفا للحكم".
وتتوقع أمارة بأن الفترة القادمة ستكون صعبة على الفلسطينيين مما يمكن استنتاجه من مجريات محاكمة شيخ الأقصى، ولكنها تعتبر أنها ستكون مرحلة حاسمة "لأن النصر لا يأتي على طبق من ذهب وليس عن طريق صفقات سياسية"، حسب تعبيرها.
وتبين أمارة بأن الشيخ رائد ورغم الحكم الصادر بحقه كان مبتسما ويضحك أمام الحاضرين بشعور المنتصر وليس المنكسر على حد قولها.
وتشير إلى أن الشيخ يقبع في الحبس البيتي منذ أكثر من عام ونصف، حيث يمنع عليه الخروج من منزله أو رؤية أقربائه جميعهم، حتى والدته المسنة التي تبلغ من العمر 85 عاما ولا تستطيع الصعود إلى منزله في الطابق الثاني؛ لا يسمح له الاحتلال بالنزول لرؤيتها إلا لمدة ساعة واحدة يوميا.
وتضيف: "كان الشيخ أسيرا في ظروف قاسية في السجون الإسرائيلية لأكثر من عام ثم تم تقديم طلب بتحويله للحبس المنزلي؛ وبالتأكيد فالاحتلال لا يخرج الشيخ دون دراسة الخطوة أو دون إلحاق العذاب النفسي به، فلا يسمح لأحد بزيارته إلا الأقرباء من الدرجة الأولى والثانية، فمثلا أنا أستطيع زيارته ولكن أبنائي وزوجي لا يستطيعون ذلك".
وتبين بأن الشيخ ممنوع من الحديث للإعلام منذ تحرره؛ كما أن الاحتلال وضع في قدمه إسورة إلكترونية تصدر تنبيها لشرطة الاحتلال إذا تجاوز المسافة المحددة له أو إذا خرج من منزله.
وتتابع: "رغم أن الحبس المنزلي أخف قليلا من الزنازين الانفرادية ولكنه شكل آخر للسجن، فممنوع عليه أن يستقبل أحدا في منزله وهو ممنوع من حضور المناسبات، ولكن رغم ذلك شخصيته قوية ولديه هدوء وسكينة ويقين يغلب كل هذه الممارسات".
موقف سياسي
ويرى الفلسطينيون في مدينة القدس المحتلة وخاصة المرابطون بالمسجد الأقصى المبارك أن محاكمة الشيخ رائد صلاح "لا تعدو كونها موقف سياسي يريد إنهاء ظاهرة الرباط التي بدأها الشيخ وكان من أبرز الداعمين لها".
وتقول المرابطة المقدسية خديجة خويص لـ "عربي21" إن محاكمة الشيخ هي محاكمة ثوابت ومبادئ الإسلام؛ لأنها تقوم على تحريم مصطلحات دينية بحتة كالشهادة والرباط، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الصراع على القدس والأقصى صراع عقيدة.
وتعتبر المعلمة خويص بأن محاكمة الشيخ هدفها تغييب صوته المؤثر في محاولة لإخماد صوت الأقصى؛ خاصة في ظل ما يتعرض له المرابطون والمرابطات من حملات اعتقال واعتداء وإبعاد شرسة.
وتضيف: "بالنسبة لنا فإن اعتقال الشيخ والحكم عليه لن يزيدنا إلا إصرارا على السير في الطريق الذي ربانا عليه وهو طريق الرباط والأقصى والتضحية لأجله".
لها ما بعدها
من جانبه يقول عضو لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل المحتل عام 1948 توفيق محمد بأنه بلا شك فإن الشيخ رائد صلاح هو شخصية قيادية على المستوى الفلسطيني والإقليمي؛ وله دوره القيادي والريادي.
ويوضح لـ "عربي21" بأن ذلك يبين السبب وراء ملاحقته كونه شيخ الأقصى وثابت على مبادئه ومواقفه التي هي مواقف الشعب الفلسطيني، معتبرا أن اعتقاله والحكم عليه بتلفيق ملف بالتحريض لم يأت من عبث وإنما جاء ليحيّد هذه الشخصية القيادية لما لها من تأثير كبير لتحييد المواقف التي يمثلها من المشهد الفلسطيني والعربي العام.
ويؤكد بأن الشيخ رائد لم يحاكم على موقف شخصي له؛ وإنما على موقف يمثل فيه الإرادة الفلسطينية والعربية والإسلامية فيما يتعلق بالثوابت.
ويضيف: "لكن هذه المواقف هي مواقف مجمل أبناء الداخل الفلسطيني بالعموم؛ ومثل هذا الاعتقال سيزيد من ثباتهم على المواقف وعملهم الدؤوب".
اقرأ أيضا : الخطيب يتحدث لـ"عربي21" عن تأثيرات سجن الشيخ رائد صلاح
وحول دلالات المحاكمة وأثرها على أهالي ااداخل المحتل؛ يشير محمد إلى أن الملاحظ خلال السنوات الأخيرة أن هناك محاولة إسرائيلية لفرض مفاهيم إسرائيلية للمفهوم الوطني والديني لدى فلسطينيي الداخل، وكأن الاحتلال على سبيل المثال يريد أن يفسر مفهوم الشهادة كما يريد ويريد أن يفهم الفلسطينيون الصلاة كما يريد هو؛ أي أن تكون في زوايا المساجد وأن تكون العبادات والإسلام شأنا خاصا بين العبد وربه.
ويتابع: "هو يريد تحييد مفاهيم الإسلام بشكل عام بما يتعلق بالمفاهيم الوطنية؛ فالملاحقات السياسية التي يتعرض لها الكثير ومنهم الشيخ رائد صلاح بل هو المثال الذي تعرض لتطرف الاحتلال في محاكمته بأطول مدة يحكم بها شخص ما في مثل هذه القضايا؛ فالتضييقات تمارس على أبناء الداخل في ملفات كثيرة".
ويعطي مثالا على تضييقات الاحتلال بما يتعلق باستقبال الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية بعد قضائهم سنوات طويلة؛ حيث يمنع على عائلاتهم إقامة احتفالات لاستقبالهم، كذلك المحاكمة التي يتعرض لها الفنان محمد بكري بسبب إنتاجه فيلما سينمائيا يتحدث عن بطولة الفلسطينيين في مخيم جنين، والتضييق في حرية التعبير كما حدث مع الشاعرة الفلسطينية دارين طاطور بسبب أبيات شعرية كتبتها فتعرضت للاعتقال والتضييق.
كما تعرضت عضو الكنبست هبة يزبك للملاحقة بسبب منشور كتبته سابقا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك محاكمة أعضاء في الكنيست بسبب مشاركتهم في عزاء شهداء بالضفة.
ويرى بأن كل هذه الممارسات هي مشهد إسرائيلي يسعى للتضييق أو فرض تضييق يسعى لنزع روح الإسلام والوطن والهوية من فلسطينيي الداخل.