تتأتي آخر التطورات السياسية العراقية، من ذلك البلد المهم جدا استراتيجيا لكل دول المنطقة «الخليجيين، الإيرانيين، الأمريكيين» على حدٍّ سواء، تخبرنا التطورات أن الحراك الشعبي قد عاد وبقوة مدعوما من المرجعية الشيعية «السيستاني»، الذي أكد ممثله في إلقاء خطبة الجمعة الماضية أن تشكيل الحكومة العراقية قد تأخر كثيرا. الجميع ينتظر الحكومة العراقية الجديدة وطريقة تعاملها مع ملفات مهمة جدا، كإقرار إصلاحات سياسية واقتصادية ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين، وكذلك سيتوقع منها تقرير مصير تحالفات العراق الرسمية مع الولايات المتحدة والتحالفات غير الرسمية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
من جانب ردود الفعل المحلية، أصدر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بيانا يطالب فيه الولايات المتحدة الأمريكية إعلانها بسحب قواتها من العراق وفق جدول زمني محدد، واحترام سيادة العراق وعدم استخدام أجوائه لأي عمل حربي أو استخباري، وإلا ستجابه مقاومة عنيفة من العراقيين، وبالمقابل أعطى الصدر الوعد بحماية الأمريكيين إذا بدأوا بتنفيذ خطة الانسحاب، وسنردع من يتعدى عليهم ونحاكمه.
يعتبر مقتدى الصدر من أقل رجال الدين الشيعة المتشددين والمعادين للولايات المتحدة إذا ما قورن بقيادات الحشد الشعبي العراقي، وتحوله إلى هذا العداء الواضح والعلني يضع الأمريكان في مواجهة مع كل العراقيين الشيعة، وهم بالطبع رقم صعب في المعادلة العراقية، ومن ثم فهذا الأمر لا يهدد بقاء القوات الأمريكية في العراق وحسب، بل سينهي مصيرها حتما.
وآخر ردود الفعل الأمريكية حول مطالبة السياسيين العراقيين بخروج القوات الأمريكية من العراق، جاءت على لسان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، الذي اعتبر قرار البرلمان العراقي بإخراج كل القوات الأجنبية من العراق غير ملزم قانونيا، فالاتفاق الأمريكي تم مع السلطة العراقية ممثلة بالحكومة، وهي وحدها من تملك اتخاذ القرار في ذلك الشأن. يبدو أن الجميع يراهن على الحراك الشعبي في العراق، هل سينجح أم سيتم وأده كأغلب الثورات العربية، وإذا استطاع النجاح كيف سيتعامل مع المعضلات الاستراتيجية الكبيرة التي سيرثها، كالعلاقات العراقية الإيرانية، والشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك العلاقات العراقية الخليجية وهذا ما يهمنا.
ختاما: اللافت للانتباه في معركة العراق السياسية، هو أن الولايات المتحدة وبعض العرب غير الديمقراطيين لا خيار أمامهم إلا دعم الانتفاضة الشعبية العراقية، والدعوة إلى إقرار نظام ديمقراطي صحيح، ليتمكن من تحييد القوى غير الوطنية، ويجعل القرار العراقي موزّعا بين القوى العراقية، ومن ثم فلا أحد يستطيع الاستئثار به، وهذا الأمر هو الضمانة الاستراتيجية للعرب والأمريكان، بألا ينحاز العراق إلى إيران على حساب المصلحة الوطنية، التي ربما ستتقاطع مع مصلحة العرب والأمريكان.
الخلاصة: نتمنى أن يكون العراق ديمقراطيا لتنتشر العدوى في المنطقة من جهة، وليكون الدولة الموازنة بين إيران والخليجيين من جهة أخرى، ليضبط إيقاع الأمن الإقليمي بعيدا عن الأمريكيين الذين بدأوا بابتزاز دول المنطقة بشكل علني في عهد ترامب، وربما سيكون هذا الأمر عادة أمريكية مستمرة لا نستطيع مواجهتها.
وكذلك لا أخفي سعادتي لحيرة بعض العرب الذين اعتادوا دعم العسكر ضد الثورات العربية، لأنه في الحالة العراقية لا يوجد جيش قوي يمكن دعمه، ومن ثم أصبحت الديمقراطية هي الحل.
(العرب القطرية)