لا نحتاج إلى كثير من التحليل كي ندرك أن القيادة الفلسطينية سترفض "صفقة القرن" التي ستناقشها القيادة الأمريكية مع نتنياهو وغانتس بعد يومين.
لا نحتاج إلى ذلك لأننا ندرك أن قبول الصفقة هو بمثابة انتحار معلن؛ لن تجرؤ عليه؛ لا هي ولا أي نظام عربي رسمي، لأن أحدا لن يجرؤ على التوقيع على صفقة تتنازل عن القدس، فضلاً عن التفاصيل الأخرى التي تتقدمها مسألة عدم الاعتراف بأي جزء من الضفة الغربية كأرض فلسطينية، لكونه ينسف الرواية الصهيونية بشأن الصراع ومقولة "يهودا والسامرة" و"أرض الآباء والأجداد".
الصفقة كما نشرتها صحيفة مقرّبة من نتنياهو، وهو الذي رتبها دون شك مع تلميذه كوشنر، ستمنح الفلسطينيين كياناً يعيشون فيه على مناطق (أ) و(ب)، وجزء من (ج) بحسب تصنيفات أوسلو، مع بقاء الغور والمستوطنات تحت السيطرة الصهيونية، أي 60 في المئة من الضفة الغربية، وبذلك يكون الكيان عبارة عن كانتونات معزولة، تحيط بها الحواجز والطرف الالتفافية، وبلا سلاح ولا سيادة.
في وضع كهذا لن يكون الكيان قابلاً للعيش على نحو معقول، وسيكون المسار المتاح هو الانتقال إلى الأردن، ما ينطوي على تمرير لمشروع "الوطن البديل"، سواء بشكل سلس، أم بربط السكان الفلسطينيين بالأردن. وما تسريبات إعادة النظر في قرار فكل الارتباط الذي اتخذ في العام 1988 إلا توطئة لذلك؛ وإن تم نفيها رسمياً.
وبذلك تكون تصفية القضية الفلسطينية، مرتبطة بتهديد الأردن
لا سيما أن موضوع اللاجئين ليس مطروحاً على الطاولة أصلاً، إلا عبر تعويضات يفترض أن تدفعها الدول العربية، بعد إجراء "مقاصة" مع ما يعرف بقيمة أملاك اليهود في الدول العربية، والتي يقدرها الصهاينة بأضعاف تعويضات اللاجئين!!
كل ذلك لن تقبله القيادة الفلسطينية، وسترفضه بكل تأكيد، مع بعض التهديدات التقليدية، مثل وقف التنسيق الأمني، أو حلّ السلطة، والتي لن تجرؤ على وضعها موضع التنفيذ، وستكون هناك بيانات رفض عربية أيضاً، لكن النتيجة أن شيئاً لن يتغير في ملف السلطة الخادمة للاحتلال، كما أن شيئاً لن يتغير أيضاً في منظومة التطبيع العربية الرسمية التي تتدحرج تباعاً، ويكون المخطط هو تحويل المؤقت إلى دائم.
في الأثناء سيُستخدم الرفض الفلسطيني ذريعة لضم الغور، وربما الضفة الغربية لاحقاً، ولتكون النتيجة هي ذاتها، من حيث الشجب والاستنكار ثم الصمت، ومضي قطار التطبيع.
هنا يعود السؤال الأهم الذي وضعناه في عنوان المقال، وهو: "ماذا بعد الرفض"؟
الحقيقة أن شيئاً لن يتغير في مواقف السلطة، ولا مواقف الأنظمة المهمة التي تتساوق مع الأمريكان والصهاينة؛ كل طرف وفق حساباته، وإذا لم تندلع انتفاضة شاملة، فإن الترتيبات الإقليمية التي تحوّل المؤقت إلى دائم، ستمضي وفق ما هو مخطط لها.
وإذا لم يفرض الشعب الفلسطيني موقفه على قيادة حركة فتح؛ بوجود عباس أو بغيابه الطبيعي، فإن علينا أن ننتظر تغيرات إقليمية ودولية تسمح باندلاع الانتفاضة التي تعيد تصويب البوصلة.. بوصلة الشعب الفلسطيني التي ضيّعتها قيادته الراهنة، وبوصلة الوضع العربي الرسمي الذي يعيش تردياً غير مسبوق، وحيث تركز محاوره الرئيسة على مطاردة أشواق الربيع العربي و"الإسلام السياسي"، مع أولوية حرب تركيا وقطر لذات السبب، وبدرجة ثانية إيران التي يكتفون في مواجهتها بتحريض الأمريكان، رغ إدراكهم أن لعبة تركيعها أمريكياً، لا تتعلق بعدوانها على المحيط العربي، ولا بمشروع تمددها المذهبي، بل بموقفها من القضية الفلسطينية، رغم أنها التقت مع أنظمة الثورة المضادة على حرب الربيع العربي، وقدت للمشروع الصهيوني خدمة جليلة أيضاً.
لذلك لا خيار أمام القوى الحيّة في الأمة غير تفعيل مواجهتها مع كل الترتيبات الإقليمية التي تصفّي القضية، ومن ضمنها عمليات التطبيع، وتضغط على الأنظمة بكل وسيلة متاحة، وعلى القيادة الفلسطينية كذلك، وتبشّر بمقاومة الاحتلال كخيار وحيد لمواجهة العدو الصهيوني ومشروعه لتصفية القضية، وتسيّد المنطقة، ولتُفشله كما فعلت من قبل؛ بعد أوسلو وبعد غزو العراق.
كلنا مسؤولون.. والتحدياتُ مَصيريّة
المقاومة الفلسطينية.. من نكبة 1948 إلى انطلاقة فتح (1)
التدمير الذاتي للتعاون الأمني مع الصهاينة