مقالات مختارة

سوء تفاهم حضاري بين الإسلام والغرب

1300x600

أصبح موضوع سوء التفاهم الحضاري بين الإسلام والغرب، موضوع الساعة لدى الجانبين في هذا الربع الأول من القرن الحادي والعشرين وهو ما يمثل ظاهرة صحية؛ إذ إنه من الأرجح أن يسعى المسلمون والغربيون إلى تحليل سوء التفاهم وفك آلياته وتفهم أسبابه، ومنه الانتقال نظريا فقط وفي الأدبيات فحسب إلى القرن الحادي والعشرين بمشروع وفاق حضاري، يلغي الأشباح القديمة والأحكام الجاهزة والجهل المتبادل من أجل سلام عالمي عادل.


ولعلنا كمسلمين، إذا ما قرأنا تعاليم ديننا قراءة معمقة، مدعوون قبل غيرنا لسد الخنادق التي تفصلنا عن الغرب، بدافع من إيماننا بالأخوة في الديانات السماوية الكتابية، والأخوة في الإنسانية، وبدافع من اعتقادنا أننا شركاء لا محالة، تلك الشراكة الحتمية التي يفرضها العيش على أرض واحدة مواردها محدودة، وثقافتها الإنسانية تسعى للتوحد، ومن ثم مصيرها يظل بين أيدينا جميعا. وقد تكثفت الندوات والمؤتمرات لعل آخرها مؤتمر أكسفورد حول عالمية الثقافة، والخصوصيات ومؤتمر السوربون حول رسالة الثقافة في تقريب الشعوب ومنتديات الدوحة لتحالف الحضارات، مما يؤكد أنه على جانبي ذلك الخندق الحضاري الفاصل بين الإسلام والغرب، نجد رجالا عاملين بإخلاص للتخفيف من حدة التوتر وإعلاء كلمة المصالحة. وأعتقد أننا منذ أواخر القرن العشرين، قطعنا مسافة من الطريق نحو تلك المصالحة المنشودة؛ لأنها مرحلة تتميز بالعديد من نقاط الالتقاء والتقاطع على المستوى الحضاري منها:

- إن هذه المرحلة نقطة تقاطع بين الإسلام والغرب سياسيا حتى يعترف كل منهما بالآخر، مع الاختلاف الضروري في إدراك غايات الحضارة.

-إن هذه المرحلة نقطة تقاطع زمني بين القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، فبينما يتباطأ الأول في الرحيل، يتأهب الثاني للحلول بقوة وبسرعة.

-إن هذه المرحلة نقطة تقاطع بين جيلين في الإسلام وفي الغرب، جيل تصادم في معارك التحرر من الاستعمار وفي معارك فرض الهوية، وجيل جديد دخل عصر العولمة وتداول المعلومات.

-إن هذه المرحلة نقطة تقاطع بين إرادة إسلامية مشروعة في استكمال حل معضلة القدس الشريف والقضية الفلسطينية ونصرة شعبه، وهي الإرادة العربية والإسلامية التي أُحبطت باعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل وبشرعنة المستوطنات وضم الجولان وقصف المدنيين في غزة، عوض حل الدولتين وإيقاف المظالم وإيجاد حل عادل للحصارات العديدة المضروبة على قطر وإيران وتركيا، وبث التدخلات الأجنبية في اليمن وسوريا والعراق وليبيا والسودان، وبين إرادة غربية تتردد عن فهم هذه الطموحات الشرعية، وتجتمع على باطل قانون جديد هو قانون المحتل الإسرائيلي ومسانده الأمريكي الراهن.

 

هذه بإيجاز نقاط التقاطع و التناقض التي يستحيل أن تيسر حل المشاكل القائمة بين الإسلام والغرب، بسبب التطرفات التي نلاحظها لدى الجانب الغربي المنحاز للاحتلال المدان أمميا، والتي هي تطرفات أيديولوجية معوقة للحوار المأمول بين الإسلام والغرب.

 

ويجب الاعتراف بأن ظاهرة سوء التفاهم الحضاري لم تنحسر مع شيوع وسائل الاتصال الإعلامية والجماهيرية كما كان يعدنا عدد من العلماء والأساتذة في المشرق والمغرب. (أتذكر في هذا الباب موقف أستاذنا جاك بارك العالم المستعرب والأستاذ بالجامعة الفرنسية وكتاب هنتنجتون حول صدام الحضارات)، بل إن ظاهرة سوء التفاهم تفاقمت مع القنوات الفضائية ورواج شبكة الإنترنت لسبب بسيط، وهو أن غلاة العداء للإسلام في الغرب حرصوا على استعمال هذه القنوات لإفشال مشروع المصالحة الكبرى. ويجب أن نعترف بأن الجانبين ــ الإسلامي والغربي ــ يتحملان كُلٌّ ــ ولأسباب مختلفة ــ وزر تلك الظاهرة؛ حيث لم يسع المسلمون بعمل مؤسساتي قوي للتعريف بحضارتهم وعلاماتها المشرقة وآياتها المضيئة، وتركوا الحبل على غارب المتعصبين الغربيين لبث سمومهم يساعدهم انحياز بعض العرب لطروحاتهم.

 

ولا بد من الإقرار كذلك بأن الجانب المسلم يحاول التعرف إلى الغرب، بل ويستفيد من نهضته التكنولوجية ويسقط تجارب المؤسساتية السياسية على مشاريع النهضة الديمقراطية الإسلامية، بعكس الجانب الغربي الذي ما يزال ــ في أغلب المجالات ــ يرزح تحت مخزون خوف تاريخي من الإسلام، نشأ بالطبع من الحروب الصليبية التي تواصلت على مدى قرنين، ثم مع استقرار الاستعمار الغربي في بلاد الإسلام وحروب التحرير المريرة والطويلة التي لم تكف إلا في الستينيات مع حرب تحرير الجزائر، وأعقبتها محاولات ثقافية وسياسية وتعليمية في المجتمعات العربية للتخلص من رواسب ذلك الاستعمار وتبعاته وتداعياته، مثل قضية التعريب المعروفة في المغرب الإسلامي وبنسب متفاوتة. ومع الأسف، نلاحظ أن تلك الإرادة العربية الإسلامية للتعرف إلى الغرب والاستلهام من نهضته، لا تقابلها إرادة غربية مماثلة لتفهم أزمات العالم العربي الإسلامي والمظالم المسلطة عليه والمساعدة على حلها بنزاهة وموضوعية، بل إن الإعلام الغربي يصر على تقديم وتكريس صورة العربي المسلم النمطية المغلوطة، مما زاد في تصعيد وتنامي العنصرية في مجتمعات أوروبية متسامحة تقليديا مثل المجتمع الفرنسي، حيث أبرز آخر استطلاع للرأي الذي نشرته صحيفة (لومند) أن 15 بالمائة من الفرنسيين يعلنون أنهم عنصريون ضد المسلمين، و40 بالمائة يعلنون أن لهم (ميولا عنصرية) وأنهم يتفهمون أسباب العنصرية!

 

(الشرق القطرية)