عُرف الكاتب والباحث السوري، الدكتور محمد شحرور بأطروحاته الدينية والفكرية، الخارجة عن أطر وأصول المنظومة الدينية الأصولية السائدة، والصادمة للعقل الديني الأصولي المتقيد بقواعد ومباني علم أصول الفقه، الذي يُنظر إليه كعلم معياري ضابط لعملية فهم النصوص الدينية واستنباط الأحكام منها.
تلك الرؤى والأفكار والمقولات التي قدمها
شحرور في كتبه، بدءا من كتابه المؤسس (الكتاب والقرآن)، أحدثت ضجة كبيرة في حياته
وبعد وفاته، الأمر الذي يثير تساؤلات حول أسباب تلك الضجة التي أحدثتها أطروحات
شحرور، وفيما إن كانت أطروحاته ستظل فاعلة ومؤثرة بعد وفاته أم إنها ستموت بموته.
ووفقا للباحث والأكاديمي
الأردني المختص بالبراغماتية وتحليل الخطاب، الدكتور عاصم الخوالدة، فإن
"أطروحات شحرور مصادمة للموروث الديني، خاصة المتعلق منها بالمرأة كالزينة
واللباس والتعامل، وطريقته في تفسير القرآن، وخطابه الذي يوصف عند مريديه
بالتجديدي والثوري المنعتق من المنهجية التقليدية للتعامل مع النص القرآني".
وأضاف: "أطروحات شحرور
في كثير منها تكسر التابوهات، وتتجاوز المقدسات، وتهدم المسلّمات، وتسعى لتقليص
وحصر مساحة التكاليف الشرعية المتعلقة بالحرام والواجب، لصالح حرية الاختيار وإرادة
التغيير، والتحرر من أغلال الماضي الفكري والثقافي، خاصة توظيفه القرآن ليحتمل
معاني جديدة تشرعن وتسوغ الطرح الجديد، وتكبح جماح الموروث المعيق لوظيفة القرآن
كما يراها شحرور".
وأرجع الخوالدة أسباب إحداث أطروحات
شحرور لتلك الضجة إلى "سبب خارجي وآخر داخلي، فالخارجي يتمثل بوجود عمل مؤسسي
داعم، ماديا وإعلاميا، بتمويل طباعة كتبه ونشر مؤلفاته، وإعلاميا بترويجها
باستضافته عبر قنوات مشهورة، وتقديمه كشخصية إسلامية علمية موثوقة، والاحتفاء به
وتكريمه بالجوائز الدولية".
أما السبب الذاتي، فيعود
بحسب الخوالدة إلى "طبيعة مضامين أطروحات شحرور، بجعله القرآن مصدر هذه
المضامين، وتفريقه بين السنة النبوية والسنة الرسالية، ومراجعاته الجذرية للموروث
الديني، وتقديم قراءات دينية معاصرة، وهو ما كان جاذبا ومؤثرا في أوساط محبيه
ومريديه".
ولفت الخوالدة في حديثه
لـ"عربي21" إلى أن "الخطاب الشحروري يستمد جاذبيته من كونه يبتعد
عن التقسيمات التراثية كشيعي وسني، وسلفي وأشعري ومعتزلي..، ويقدم نفسه منقذا
للإسلام من براثن السيطرة الأبوية والوصاية السلفية على الدين، ويسعى إلى تقديم
إسلام جديد بنسخه عصرانية متطورة، تجعله دينا عالميا إنسانيا منسجما مع حاجات المجتمع
المدني".
وأضاف: "بصفتي باحثا في
تحليل الخطاب، يمكنني تقديم توصيف لخطاب شحرور بعيدا عن مواقف الإدانة أو التأييد، بأنه خطاب مباشر يعالج القضية بأقل مجهود، وأحسن مردود، وهو خطاب الثورة الناعمة والانقلاب
الأبيض على السائد الرائج، بل لا نبعد إذا قلنا إن جزءا من شهرة وانتشار شحرور، إنما هو نتيجة ردود فعل مخالفيه ومعارضيه عليه".
وتابع: "بل إن ردة فعل
معارضيه حتى بعد وفاته، جعلت الكثيرين يلتفتون إلى أطروحاته، ويبحثون عن كتبه،
خاصة ردة فعل بعض المحسوبين على تيارات خذلت الشعوب لمصلحة السلطان، جعلت الناس
يشعرون بمظلومية الرجل، ما دفعهم لقراءة كتبه، ومشاهدة تسجيلاته، بل وتبني أفكاره
نكاية بالمشيخة الرسمية على الأقل"، على حد قوله.
من جهته، رأى الكاتب والمترجم
الفلسطيني، شريف محمد جابر، أن الضجة التي أحدثتها أطروحات شحرور ليس لقوة أفكاره،
بل كونها تسوغ الخروج عن قطعيات الدين مع البقاء تحت مسمى الإسلام، فهو بذلك لبّى
رغبة الكثيرين ممن يشعرون بالحرج من بعض أحكام الدين ومفاهيمه، لعدم تواؤمها مع
القيم العلمانية المعاصرة، مع عدم رغبتهم بالخروج عن الإسلام".
وتابع حديثه
لـ"عربي21" بالقول: "هنا جاء شحرور، وقال لهم يمكنكم أن تتبنوا كامل
المنظومة العلمانية المعاصرة مع بقائكم على الإسلام، لأن غاية الإسلام -بحسب
منهجه- هي الانسياق تماما مع القيم العلمانية المعاصرة".
أما عن مدى تأثير أطروحات
شحرور على المثقفين، خاصة الشباب منهم، بعد وفاته، فلفت جابر إلى أن "مثل هذا
الطرح يقنع في الغالب من حصيلتهم الثقافية التراثية عموما، والقرآنية خصوصا قليلة،
لذا فإن قراءات شحرور (المعاصرة) للقرآن ستتوقف عند شريحة معينة تردد عموميات
أفكاره مع بعض الشعارات، دون القدرة على تطوير هذا الفكر أو الصمود أمام النقد
اللاذع لأطروحاته، فهي في طريقها إلى الموت".
بدوره، قال الكاتب والباحث
المصري، الدكتور كمال حبيب: "مشروع شحرور دعمته دول عربية كالإمارات، وقد كانت
تظن أن مشروعه يمكن أن يكون أساسا لرؤية جديدة لها، تقدم الإسلام للعالم الغربي
بشكل لا يبدو فيه تهديد لها".
وواصل حديثه
لـ"عربي21" ذاكرا أن "دور النشر والقنوات الإعلامية فتحت له، وكذلك
تم تمويل مشروعه بقوة، كما أن الإمارات رأت في مشروعه العصراني تجاوزا للسلفية
وردا على الجماعات الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين"، مضيفا: "ومن
الملاحظ أن مشروع شحرور يتشابك بقوة مع مواقف تيارات فكرية يمكن وصفها بالإلحادية، كمشروع سيد القمني مثلا في مصر".
ولفت حبيب إلى أن
"القوى العلمانية المخاصمة اعتبرته في سياق الاستقطاب الفكري في العالم
العربي قريبا مما تريده، فاستخدمته هي الأخرى كأداة من أدوات صراعها مع التيارات
الإسلامية، وهي قوى مدعومة ولديها دور نشرها وشللها التي روجت للمشروع، ودافعت عن
شحرور، واعتبرته واجهة عصرانية لتجاوز الأسس التكوينية للإسلام، فمعركة تلك القوى
هي بالأساس معركة فكرية مع التراث، باعتباره المعين الذي تستقي منه الحركات
الإسلامية المخاصمة لها".
وشدد على أن "تبلد
المؤسسات الدينية الإسلامية كالأزهر والزيتونة، خاصة الأزهر، وتقييدها بقوة، ومنعها
من القيام بدورها، كما أشار شيخ الأزهر في مصر مؤخرا، فتح الباب واسعا لانتشار أفكار
شحرور ذات الطابع العامي، التي لا تملك أي قدر من العلمية، أو التخصص فيما يتكلم
فيه".
ولاحظ حبيب أن "قطاعات
واسعة من الشباب قد اتخذوا موقفا مجافيا بقوة لخبرة الإسلاميين في الفكر والحكم،
خاصة في مصر، وإلى حد ما في تونس، ومن ثم ذهبوا يكتشفون مسارات جديدة قد تفتح
الباب واسعا لتجاوز ما اعتبروه جمودا وتضييقا وخنقا لهم، فيما اعتبروه سعيا وراء
الحرية".
وركّز في نهاية كلامه على أن
"انتشار الجهل بمسائل الدين وقضاياه لدى قطاعات واسعة من الشباب في العالم
العربي، هو ما جعلهم يقبلون على أفكار شحرور رغم ظهور فسادها"، منوها إلى أن
"الضجة هي جزء من حالة الاستقطاب الواسع ذات الطابع القبائلي، التي يقف فيها
كل واحد مع قبيلته وجماعته، بصرف النظر عن كونه حقا أم باطلا".