ناد مدهش بجمهوره وتجانس هتاف "ألتراس" الذي يتحول غالبا إلى هتاف سياسي.
يدفعك مرغما لملاحقته في البطولات المحلية والأوروبية التي يخوضها رغم عدم جاذبية دوري بلاده الكروي الذي لا يعد من الدوريات الكبرى على مستوى العالم، لكن ثمة قاعدة جماهيرية تصل إلى نحو 9 ملايين في جميع أنحاء العالم، يتابعون الفريق، بوجود ما يزيد على 160 رابطة أنصار للنادي في أكثر من 20 بلدا.
أحد أشهر أندية كرة القدم المحترفة باسكتلندا وأوروبا، ويشكل مع غريمه ومنافسه نادي "رينجرز" قطبي اللعبة في البلاد لأكثر من 100 عام، وسجل اسمه في التاريخ الكروي كأول ناد بريطاني يتوج بكأس أبطال أوروبا.
وضمن إنجازاته الكبرى فقد حصل النادي على بطولة الدوري الاسكتلندي الممتاز 50 مرة، وعلى كأس اسكتلندا 39 مرة، وكأس الرابطة الاسكتلندية 18 مرة.
تأسس نادي "سلتيك" كان بدافع إنساني بحت، فقد تأسس النادي الشهير بقميصه بخطوطه الأخضر والأبيض و"الشورت" الأبيض، أثر اجتماع عقد في قاعة كنيسة "سانت ماري" في مدينة غلاسكو الاسكتلندية من قبل الراهب الكاثوليكي الايرلندي أندرو كيرانس عام 1887 بهدف التخفيف من حدة الفقر في شرق غلاسكو عبر حملة لجمع الأموال لـ "جمعية والفريد الخيرية".
وبعد نحو خمس سنوات افتتح الناي ملعبه الحالي "سيلتيك بارك" وتحديدا في عام 1892.
كان عام 1967 استثنائيا في تاريخ الفريق فقد فاز بجميع المسابقات التي شارك فيها، وأشهرها دوري أبطال أوروبا بعد الفوز على "إنتر ميلان" الإيطالي في مدينة لشبونة.
ومن ضمن أرقامه القياسية تسجيله في موسم 1970 أعلى نسبة حضور جماهيري بدوري أبطال أوروبا عندما تواجد نحو 134 ألف مشجع لمشاهدة نصف النهائي ضد "ليدز يونايتد".
واجه النادي عام 1994 خطر إعلان إفلاسه، لكنه أنقذ بعد شرائه من قبل رجل الأعمال الكندي من أصل اسكتلندي فيرغس ماكان الذي أعاد هيكلته كـ "شركة عامة محدودة"، وإصدار أسهم بقيمة 18 مليون جنيه تقريبا مما سمح بإعادة تطوير "سيلتيك بارك" وتوسعته.
يشكل لقاء "سلتيك" و"رينجرز" أحد أقدم وأشهر "ديربي" في العالم، فقد انطلقت أول مباراة بينهما عام 1888، ورغم طابع التنافس الرياضي بينهما، فإن الجذور الاجتماعية والسياسية لتأسيس الناديين أثرت طويلا في الصراع بينهما، فمن ناحيته اعتبر نادي "سلتيك" لدى تأسيسه رمزا للجالية والمهاجرين الكاثوليك المضطهدين في غلاسكو مقابل نادي "رينجرز" الذي يمثل الغالبية البروتستانية في اسكتلندا.
وشهدت بعض مباريات " الديربي" أحداثا كارثية، كان أكثرها مأساوية ما يوصف بـ"كارثة ملعب أيبروكس" عام 1971 حيث توفي 66 مشجعا وجرح 200 آخرين بعد انهيار حواجز أثناء مغادرة الجماهير للملعب.
اقرأ أيضا : نيويورك تايمز: هل تنهي كرة القدم أزمة قطر مع دول الحصار؟
ونظرا لقدرة جمهوره على الإبهار كرمت "الفيفا" جمهور "سيلتك" بوصفه أفضل جمهور كروي عام 2017، بما يتميز به النادي من جمالية التشجيع وأهازيج جماهيره البديعة التي يعزفونها داخل الملعب بصوت واحد، وبفضل اللوحة الفنية المبهرة التي رسموها في مدرجات ملعب "سيلتيك بارك".
لكن قد يتفاجأ الكثيرون حين يعرفون أن هذه الجماهير تدعم القضية الفلسطينية، بشكل خاص، وترفع العلم الفلسطيني جنبا إلى جنب مع أوشحة النادي الخضراء في كل اللقاءات.
وأشهر موقف لجمهور الفريق " ألتراس" كان حين رفع الأعلام الفلسطينية عام 2016 خلال مباراة فريقهم ضد نادي "هابوئيل بئر السبع" الإسرائيلي في دوري أبطال أوروبا، وذلك للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ضد الممارسات الإسرائيلية، ما جعل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يتهم النادي بـ"رفع راية غير مشروعة" ويهدد باتخاذ عقوبات تأديبية في حقه.
وتعود جذور تأييد جماهير " سيلتك" للقضية الفلسطينية إلى الجالية الإيرلندية الواسعة في مدينة غلاسكو، وتعتبر هذه الجالية نفسها معنية بالتضامن مع الفلسطينيين باعتبارهم يعانون من الاستعمار كما عانى منه أجدادهم الايرلنديون سابقا من طرف الإنجليز من التمييز والفقر.
كما ارتفع العلم الفلسطيني فوق مجلس مدينة غلاسكو خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 تعبيرا عن التضامن مع الشهداء، كما أن المدينة شهدت توأمة مع مدينة بيت لحم الفلسطينية عام 2007.
وفي ذكرى النكبة نظمت رابطة "سيلتك" وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني برفع الأعلام الفلسطينية على المدرجات، وشعارات منها: "أوقفوا المذابح والمجازر الإسرائيلية" و"الشعب الاسكتلندي يقف مع فلسطين" و"أنهوا الاحتلال" و"لا للصهيونية".
وأعلنت جماهير نادي "سيلتيك" رفضها الاعتراف بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل".
ورفعوا يافطة أكدوا فيها أن "القدس هي فلسطين"، ولم ينسوا شتم ترامب بكلمات نابية، ورفعت جماهير النادي، لافتة كبيرة كتب عليها: "القدس هي فلسطين".
كانت هجرة الايرلنديين في أرجاء العالم وإلى مدينة غلاسكو شاقة وقاسية فهم لم يستقبلوا بالورود، وتعرضوا للعنصرية والتهميش، بسبب عقيدتهم المسيحية وانتمائهم للكنيسة الكاثوليكية، فعاش الكثير منهم في فقر وبؤس، ولعل لحظات المتعة التي يقدمها نادي سيلتك لهم تكون محاولة لنسيان المآسي والماضي الذي خبروه جيدا.
هذه المعاناة جعلت التضامن مع الشعوب المقهورة أمرا لا يقبل النقاش، فقد وقف أنصار "سيلتك" من قبل مع جنوب إفريقيا في نضالهم ضد نظام "الأبارتايد" العنصري، كما وقفوا مع الايرلنديين الشماليين خلال ثورتهم المسلّحة من أجل الاستقلال عن بريطانيا.
ويرى المؤرخ الاسكتلندي توم ديفين بأن دعم أنصار "سيلتك" للقضية الفلسطينية له جذور تعود إلى تاريخ الايرلنديين أنفسهم، بقوله: "الوضع في فلسطين هو مثال كلاسيكي لأرض أخذت من أصحابها الذين سكنوها لأجيال كثيرة، مما يتطابق مع التاريخ الإيرلندي".
وفي أخر موقف لهم فقد واجه المغني البريطاني الشهير، السير رود ستيوارت، مؤسس فرقة "رولينع ستونز" حملة غاضبة من جمهور "سيلتك" بسبب تهنئته رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بفوزه في الانتخابات الأخيرة. ورفع "الألتراس" المعروف باسم "جرين بريجيد" لافتة ضخمة كتب عليها "رود اذهب بعيدا" (كلمة تستخدم كشتيمة) و"المحافظون ليس مرحبا بهم".
ومن المعروف أن المغني البريطاني، الذي تعود أصوله إلى إسكتلندا من الجمهور المتحمسين للفريق، وأشهر محبيه، كما هتف الجمهور أيضا: "إذا كنت تكره (شتيمة) المحافظين فصفق بيديك".
ولن يندهش أحد حين يمر بملعب "سيلتيك بارك" وهو يستمع إلى أهازيج الـ"جرين بريجيد" وهم يرددون بصوت جماعي أغنية حماسية تشجيعا لـ"الكتيبة الخضراء":
"دع الشعب يغني قصصه وأغانيه
بموسيقى أراضيه الأصلية
هذه الأرض أرضك، هذه الأرض أرضي
من السهوب المرتفعة الشمالية، إلى الجزر الغربية
من تلال إلى شوارع تيري الحرة
هذه الأرض خلقت لي ولك".