كان احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، بمثابة إنجاز للمشروع الاستيطاني، هذا المشروع الاستيطاني الاستعماري الذي يعتبر امتداد لعصور الاستعمار الاوروبي خلال القرون الوسطى، فكما سعت القوى الاستعمارية الأوروبية الى السيطرة على خيرات وثروات الدول الأخرى؛ سعى الاحتلال الاسرائيلي وعبر مشروعه الاستيطاني في الضفة الغربية الى نهب الموارد الطبيبعية للفلسطينيين، حيث سيطرت إسرائيل على كافة الموارد الطبيعية، وأهمها: المياه والمحاجر والأرض لبناء المستوطنات، والتوسع الاستيطاني على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وفي إطار نهبها لتلك الموارد قامت إسرائيل ولا زالت بنهب الموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال القوانين العسكرية التي تصدرها "الإدارة المدنية" التي تحكم الأراضي المحتلة عسكريا، منتهكة القانون الدولي الذي يحرّم على دولة الاحتلال نهب وتدمير الموارد الطبيعية للشعب الخاضع للاحتلال.
بدأت اسرائيل بدراسة الجيولوجيا والثروات الموجودة في فلسطين منذ فترة الانتداب البريطاني عبر إرسال مجموعات من العلماء والمختصين الذين عكفوا طيلة 10 سنوات على دراسة جميع مناحي البيئة والتربة والموارد الطبيعية في فلسطين، حيث بدئ بالتعدين في حينه، وكذلك فحص آبار المياه الموجودة في منطقة بيت لحم والتي تسمى الآن بـمستوطنة "جوش عتصيون".
بدأ العمل في إنتاج الحصى والحجارة في الضفة الغربية منذ مطلع السبعينات، قامت إسرائيل في العام 1972 بإلغاء الضرائب المفروضة على المحاجر في إسرائيل لتتساوى بذلك مع المحاجر في الضفة الغربية، وحتى لا تكون منتجات المحاجر في الضفة أقل ثمناً من المحاجر في إسرائيل.
يعتبر قرار إنشاء 6 محاجر في الضفة الغربية باكورة عمل الإدارة المدنية في هذه الاتجاه، ولاحقاً أقيمت الكثير من المحاجر، وأُغلق بعضها بعد نفاذ مخزون الحجارة من المقالع، ومع تكثيف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تضاعف العمل على استخراج الحجارة وإنتاج الحصى، وكذلك تدفق حجارة الضفة من المقالع التابعة لسيطرة "الإدارة المدنية" إلى داخل إسرائيل لتساهم في إنعاش سوق البناء والإنشاءات المعمارية، وكان استخدام المقالع يوظف من أجل استخراج الحصى والحجارة في الضفة الغربية لبناء المستوطنات إذ يلبي ما نسبته (80%) من احتياجات البناء الإسرائيلية، وقد أنشئت هذه المقالع في المحافظات التالية:
- محافظة الخليل، وفيها مقلعان يقعان بالقرب من بلدتي دورا والظاهرية.
- محافظة بيت لحم، وفيها مقلع واحد، يقع بالقرب من مخيم الدهيشة.
- محافظة جنين، وفيها مقلع واحد، يقع بالقرب من بلدة يعبد.
- محافظة قلقيلية وفيها مقلعان، يقعان بالقرب من بلدة جيوس ومستوطنة تسوفيم.
إضافة إلى مصادرة أرض في وادي التين قرب طولكرم لغرض إنشاء مقالع الحجر بين المناطق المأهولة لصالح الاحتلال، توجد هذه المقالع بجوار المناطق الآهلة، حيث تسبب أضراراً كبيرة، منها تلوث الهواء نتيجة كميات الغبار الهائلة التي تنتشر في الهواء، والإزعاج الناجم عن الانفجارات المتتالية، والأصوات الناتجة عن وسائل النقل والآليات، كما تهدد هذه المقالع الغطاء النباتي في المناطق الموجودة فيها، إضافة إلى هروب الكثير من الحيوانات البرية التي تسكن هذه المناطق؛ بسبب الغبار والضجيج بحثاً عن بيئة جديدة.
عائدات المقالع على الاقتصاد الإسرائيلي:
تحقق هذه الكسارات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة للاقتصاد الإسرائيلي أرباح خيالية وأيدي رخيصة دون تلويث للمناطق التي يتواجد فيها إسرائيليون ودون ضوضاء مستمرة تزعج الإسرائيليين وذلك لقربها من المناطق الفلسطينية المأهولة.
تنتج عشرة مقالع موجودة في الضفة الغربية نحو 44 مليون طن من مواد البناء، يذهب الجزء الأكبر من هذه المنتجات إلى السوق الإسرائيلية؛ مما يدر دخلاً صافياً على الاقتصاد الإسرائيلي.
يعتبر المحجر المقام ضمن نطاق مستوطنة بيت حجاي ثالث أكبر المحاجر في إسرائيل وأكبر محجر في الضفة الغربية المحتلة؛ حيث ينتج ويبيع "3 ملايين طن" من الحصى والحجارة سنوياً، وهو ما يمثل ربع الناتج المحلي الكلي من مقالع إسرائيل والضفة، يشكل إنتاج محجر بيت حجاي "74" من الناتج الإجمالي في كل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا يشكل من 20 إلى 30 بالمئة من استهلاك إسرائيل من الحجارة والحصى.
تشكل إيرادات المحجر نحو 80% من إيرادات المستوطنة، وينفق المحجر على مركز للطفولة في المستوطنة للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين (11- 18) عاما، كذلك يساهم المحجر في نفقات الجيش ومركز الشرطة المقامان في المنطقة، علما بأن مستوطنة "بيت جاجاي" أنشئت على أراض فلسطينية خاصة تمّ الاستيلاء عليها لأغراض عسكرية.
نشرت وكالة حماية البيئة الإسرائيلية عام 2004 تقريراً أشارت فيه إلى أن المحاجر والمنشآت الصناعية التي تشرف عليها، أو أُعطيت ترخيصاً من قبل "الإدارة المدنية" تتسبب بشكل مباشر بأضرار بيئية كبيرة على الفلسطينيين، كما أن هذه المنشآت تفتقر لأسس الحماية والمعايير الصناعية الدولية (الألغام بالمحاجر والضوضاء والغبار والفضلات من مواد كيماوية سامة إلى مياه عادمة)، وتمثل المقالع مصدر دخل هائل للاحتلال، فكل محجر يشكل مردوداً مالياً هائلاً دون أي أعباء أو مسؤوليات بيئية، أو مالية أو قانونية، حيث كانت الإدارة المدنية العسكرية تشكل الغطاء القانوني والسياسي لكل أعمال المحاجر.
وتغطي المقالع الإسرائيلية احتياجات البناء الاستيطاني الحالي في الضفة الغربية، حيث تم مصادرة 9285 دونم من أراضي وادي التين قضاء طولكرم لبناء محجر جديد.
كان هذا مثالا مصغرا لسياسة النهب والسرقة التي تمارسها سلطات الاحتلال الاسرائيلي للسيطرة على الموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويبقى السؤال الأكبر؛ الى متى ستظل دولة الاحتلال ترعى الارهاب، إرهاب الدولة، وتحتل الأرض الفلسطينية دون رقيب أو حسيب من المجتمع الدولي؟.