مقالات مختارة

لماذا يشهد مسؤولون أمريكيون ضد الرئيس؟

1300x600

في النظام السياسي الأمريكي، يعمل جميع المسؤولين الأمريكيين، مثل الموظفين في الحكومة الأمريكية الوطنية، في نهاية المطاف لصالح رئيس الولايات المتحدة. فالرئيس هو الذي يحدد السياسة الأمريكية، وبما أنهم يعملون في النهاية من أجله، فمن المتوقع أن يتبعوا السياسات التي يقررها. وإذا لم يوافقوا على أي من هذه السياسات، فستكون لديهم عدة اختيارات في الأوقات العادية، أحدها تقديم استقالتهم احتجاجا، والآخر تقديم طلب داخلي لكبار المسؤولين من خلال قنوات سرية لمراجعة السياسة، إضافة إلى خيار ثالث هو البقاء هادئين.

وفي الوقت الحالي، يراقب العديد من المواطنين الأمريكيين جلسات الاستماع التي يبثها التلفزيون على مدار اليوم، والتي يشهد فيها مسؤولو الحكومة الأمريكية أمام لجان الكونجرس ويقولون أشياء تلحق ضررا بالغا بالرئيس ترامب. فكيف يمكن أن يكون هذا؟ هل هم غير مخلصين؟

هذه السلسلة من جلسات الاستماع هي حدث غير عادي للغاية، بسبب سياقها في الجهود الرامية إلى عزل الرئيس وإقالته من منصبه. فقط ثلاثة رؤساء أمريكيين آخرين في تاريخنا تم النظر في عزلهم. وعملية العزل، والتي ينص عليها الدستور، تسمح للكونجرس بتوجيه الاتهام للرئيس بارتكاب جرائم وتقرير ما إذا كان يجب إقالته من منصبه. نحن في المرحلة الأولى من عملية العزل، حيث يقرر مجلس النواب ما إذا كان سيتم توجيه الاتهام، قبل أن يتخذ مجلس الشيوخ القرار النهائي بإقالة الرئيس.

ومن المحتمل أن يقرر مجلس النواب توجيه الاتهام للرئيس، لكن مجلس الشيوخ سيرفض عزله من منصبه. ومع ذلك، فقد أظهرت جلسات الاستماع التي يبثها التلفزيون حاليا إلى أي مدى يمكن جلب مسؤولين أمريكيين أمام الجمهور للإدلاء ببيانات تلقي ضوءا سلبيا على رئيس البلاد.


وتركز جميع جلسات الاستماع على العلاقات الأمريكية الأوكرانية. وقد أدلت السفيرة الأمريكية السابقة لدى أوكرانيا، «ماري يانوكوفيتش»، وسفيران سابقان لدى أوكرانيا أيضا، بشهادتهم، إلى جانب مسؤولين آخرين من بينهم السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي «جوردون سوندلاند»، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى كييف السفير «كورت فولكر».

 

كما أدلى ثلاثة من كبار المسؤولين بأحاديث حول سياسة أوكرانيا في مجلس الأمن القومي، من بينهم العقيد ألكسندر فيندمان من الجيش الأمريكي، ومساعد نائب وزير الدفاع لشؤون روسيا وأوكرانيا، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية. بالإضافة إلى ذلك، أدلى مسؤول بارز في مكتب نائب الرئيس بشهادته، وكذلك الحال مع رئيس القسم السياسي في السفارة الأمريكية بأوكرانيا.

فكيف يمكن لجميع هؤلاء الموظفين الحكوميين التحدث علانية ضد الرئيس الأمريكي؟

كل هؤلاء الشهود تمت دعوتهم للإدلاء بشهادتهم من قبل لجنة مجلس النواب المعنية بشؤون الاستخبارات. ويذكر أن رئيس هذه اللجنة وأغلبيتها هم ساسة ديمقراطيون يعارضون سياسات الرئيس ترامب، والذي حاولت إدارته منع هؤلاء الشهود من الإدلاء بشهادتهم. لذا كان على اللجنة إصدار مذكرات لاستدعائهم للحضور، ما يعني أنه يجب عليهم الحضور بموجب القانون. وقالوا في إطار استجوابهم إنهم غير حزبيين وأنكروا أنهم كانوا معادين سياسيا للرئيس، لكنهم قالوا الحقيقة حول ما فعله.

وفي جلسات الاستماع تلك، شهد المسؤولون الأمريكيون بأن الرئيس ترامب كان يسعى لإقناع الرئيس الأوكراني زيلينسكي بالتحقيق مع نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن للعثور على معلومات سلبية عنه. وللقيام بذلك، حجب المساعدات العسكرية الأمريكية عن أوكرانيا لإقناعه.

ونظرا لأنه من المرجح أن يكون بايدن هو خصم الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، فإن هذه المعلومات ستساعد ترامب. وطلب ترامب الحصول على تلك المعلومات سيكون جريمة بموجب القانون الأمريكي، لأنه يعني الطلب من جهة أجنبية التدخل في الانتخابات الأمريكية. وقالوا إن طلب التحقيق مع بايدن لا علاقة له بالسياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا، لكنه مسألة تتعلق بالسياسة الداخلية الأمريكية، لذا كان هذا غير مناسب. وقالوا إن السياسة الأمريكية تقضي بتقديم دعم عسكري كبير للأوكرانيين لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم ضد روسيا. وأوضحوا أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا كانت مستمرة، وبالتالي فإن حجب المساعدات العسكرية من شأنه مساعدة الروس، وإرسال إشارة خطيرة إلى موسكو مفادها أن دعم واشنطن لكييف في خطر.

وقد حاول الرئيس ترامب وأعضاء إدارته منع هؤلاء الشهود من الإدلاء بشهادتهم، لأنهم -على ما يبدو- كانوا يعلمون أن ما سيقولونه سيضره سياسيا. ونجحوا في منع شهادة مزيد من كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم رئيس أركانه، من خلال استدعاء قاعدة «صلاحيات السلطة التنفيذية»، التي تسمح للرؤساء بمنع أقرب مستشاريهم من الشهادة. ويزعم نقاد ترامب أنه من خلال ذلك المنع أثبت بأنه يخفي شيئا.


وكان المسؤولون الأمريكيون الذين أدلوا بشهادتهم، رغم اعتراضات الرئيس، جميعهم مسؤولين في الحكومة الأمريكية. وفي حين أنه من الصحيح كونهم يتبعون أوامر الرئيس بشأن قضايا السياسة، فإن هناك أسبابا لجعلهم يمثلون أمام الكونجرس ويدلون بتصريحات أضرت بالسمعة السياسية للرئيس نفسه. أولا، كانوا يستجيبون لمذكرات الاستدعاء بالحضور. وثانيا (وهو الأهم) أنهم أقسموا بالولاء للدستور باعتبارهم مسؤولين مهنيين شعروا بأنه من واجبهم قول الحقيقة للشعب الأمريكي والكونجرس. وثالثا، أنهم شرحوا السياسة الأمريكية الرسمية وميزوا ذلك بعناية عن محاولات الرئيس استغلال اتصالاته مع زعيم أجنبي لكسب ميزة سياسية محلية.

وقد قام الرئيس وأنصاره السياسيون بانتقاد وإهانة وتشويه سمعة هؤلاء الشهود، بيد أن ملايين الأمريكيين في جميع أنحاء البلاد أعربوا عن إعجابهم بهؤلاء الموظفين لقولهم الحقيقة، ولولائهم للبلاد وليس للرئيس فقط.

عن صحيفة الاتحاد الإماراتية