فرح أردني غامر يتوّج اليوم بوصول الأسيرين المحررين هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي إلى أرض الوطن، بعد معركة حقيقية، شعبيا ورسميا، مع الاحتلال الإسرائيلي الذي اضطر صاغرا، وعلى غير عادته، للتسليم والإفراج عن الأسيرين، في وقت سيكتمل فيه هذا الفرح الوطني الاثنين المقبل بعودة السيادة الأردنية الكاملة على منطقتي الباقورة والغمر بعد إصرار رسمي تناغم مع موقف شعبي صلب باستعادة المنطقتين وإنهاء اتفاقيتي تأجيرهما.
ورغم كل محاولات "اللغوصة" والتضليل الإسرائيلية للتعمية على الانتصار الأردني بهاتين القضيتين؛ الأسيرين ومنطقتي الباقورة والغمر، والإيحاء بأن الإنجاز الأردني قابله تنازلات "جوهرية" غير محددة بالقضيتين، فإن التحليل الواقعي لإدارة المعركة أردنيا بالقضيتين يؤكد أن الانتصار هنا كان نتيجة منطقية لعوامل ماثلة على الأرض لا يمكن إنكارها أو نفيها، وهي تعكس مكامن قوة أردنية ربما كنا نحن من يستهين بها -وللأسف- أكثر من استهانة هذا العدو بها، لتثبت نتائج هاتين المعركتين وغيرها القدرة على الفعل الوطني المؤثر في العلاقة مع العدو رغم كل الاختلال في موازين القوة لصالحة.
في معركة الأسيرين؛ كان الرأي العام الأردني حازما وواعيا منذ اللحظة الأولى باعتبار الجريمة الإسرائيلية باعتقال مستهتر بكل المواثيق والاتفاقيات لمواطنين أردنيين أمرا كبيرا وخطيرا يستدعي هبة وطنية بالتصدي له، وهو موقف شعبي حازم وواسع عزز قوته صمود الأسيرين الشابين وتصعيد اللبدي للقضية بإضراب مفتوح وطويل عن الطعام والتلويح بإضراب آخر من قبل مرعي المصاب بالسرطان والذي تدهورت صحته بانقطاع علاجه وظروف الاعتقال القاسية.
الاستجابة الرسمية الأردنية لموقف الرأي العام جاءت متناغمة ومنسجمة بتقديرها لخطورة هذه القضية، خاصة وأن مسلسل استهتار الاحتلال الإسرائيلي بحياة الأردنيين ومصالحهم خلال زياراتهم للضفة الغربية المحتلة متواصل منذ سنوات بكل عجرفة ودون أي اعتبار لاتفاقية سلام ولا غيرها، ناهيك عن أن هذا الإصرار الإسرائيلي على انتهاك حقوق ومصالح المواطنين الأردنيين يأتي في سياق أوسع من الضرب عرض الحائط بالمصالح الأردنية والفلسطينية الإستراتيجية والانقلاب الكامل على أسس العملية السلمية ومبدأ حل الدولتين والتعرض المستمر للوصاية الهاشمية على القدس.
وكما كان الأمر مع قضية إنهاء عقد تأجير الباقورة والغمر والحزم الرسمي باستخدام الأدوات الدبلوماسية والقانونية والسياسية لتحقيق المصلحة الوطنية بهذا الملف، جاء الأداء الدبلوماسي والسياسي الرسمي حازما وموفقا بقضية المطالبة بالإفراج عن الأسيرين اللبدي ومرعي من انسجام كامل مع المطلب الملح للرأي العام ومتابعة ميدانية لحالة الأسيرين واللقاء بأهاليهما وبمؤازريهما من قبل وزير الخارجية وخوض معركة دبلوماسية حقيقية واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب والتلويح بطرد سفير الأخيرة من عمان، وغيرها من رسائل تصعيدية.
لا يجوز التقليل من أهمية الإنجاز الأردني في القضيتين، حتى استنادا لمواقف سابقة أو عدم الرضا عن الأداء الرسمي في ملفات أخرى، فما جرى مهم جدا وإنجاز وطني، مع ضرورة ملاحظة أن الحكومة أو الجانب الرسمي لم يكن بإمكانه تجاهل الضغط الشعبي الكبير والملح بهاتين القضيتين، فأي تقصير كان سيعزز تراجع الثقة الشعبية بالحكومة ويضرب مصداقيتها بمقتل، خاصة وأن الطرف المقابل هنا هو كيان الاحتلال.
ما تم التأسيس له في هاتين القضيتين من أداء رسمي ودبلوماسي وبتناغم مهم مع الرأي العام يغري، بل ويؤكد ضرورة، سحب مثل هذا الأداء الرسمي والمراكمة عليه في ملفات وقضايا أخرى مع كيان الاحتلال، وعدم التراجع عن الحزم والوضوح بالرؤية لتحقيق المصالح الوطنية وعدم المراهنة على إستراتيجية العلاقة مع كيان الاحتلال الذي لم يترك لأحد في المؤسسة الرسمية وأنصار “السلام” أي حجة للدفاع عن أوهام “إستراتيجية” هذه العلاقة!
عن جريدة الغد الأردنية