أعلن البيت الأبيض قبل شهر مضى عن دعم الولايات المتحدة للمفاوضات الجارية بين مصر وإثيوبيا والسودان، للتوصل إلى اتفاق تعاوني مستقر ومتبادل المنفعة بشأن تشغيل سد النهضة الإثيوبي. وقال بيان صدر عن البيت الأبيض، إن جميع دول وادي النيل لها الحق في التنمية الاقتصادية والازدهار. ودعت واشنطن جميع الأطراف إلى بذل جهود حسنة النية للتوصل إلى اتفاق يحفظ تلك الحقوق، مع احترام حقوق مياه نهر النيل بعضهم لبعض في وقت واحد. ثم جاء إعلان القاهرة قبولها دعوة وجهتها وزارة الخارجية الأمريكية لوزراء خارجية الدول الثلاث للاجتماع بواشنطن، للبحث فى سبل حل الخلافات حول سد النهضة، ليشير إلى تزايد الدور الأمريكي في قضية سد النهضة. وتاريخيا لم يتم التعبير عن الموقف الأمريكي من قضية بناء سد النهضة، إلا من خلال عبارات دبلوماسية فضفاضة تشير لضرورة تعاون كل الأطراف.
***
تحدثت لدبلوماسي أمريكي رفيع عن سبب تدخل واشنطن المتأخر في هذه القضية الشائكة، فرد بالقول، إن «الخوف من أن تؤدي روسيا أو الصين دورا كبيرا في حل النزاع حول سد النهضة، هو العامل الرئيسي الذى دفع واشنطن للتدخل، خاصة مع استضافة موسكو القمة الروسية الأفريقية قبل أيام». وكانت موسكو قد عرضت القيام بدور الوسيط بين مصر وإثيوبيا، وهو ما سبب إزعاجا كبيرا لواشنطن، حيث إنها أكبر جهة داعمة للدولتين من حيث المساعدات العسكرية والاقتصادية الت تتخطى ملياري دولار سنويا. ويتصور الكثير من خبراء واشنطن أن علاقة الولايات المتحدة القوية بالدولتين، قد يسمح لها بأداء دور بناء يقلل من حجم الخلافات بين الطرفين. وتجمع الولايات المتحدة علاقات قوية مع القاهرة وأديس أبابا، فمصر تلقت مساعدات أمريكية وصل مجموعها لثمانين مليار دولار خلال العقود الأربعة الأخيرة. وتعد إثيوبيا كذلك من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الاقتصادية والتنموية الأمريكية بين دول القارة الأفريقية ووصل ما تلقته عام 2018 لمليار دولار. ويتيح ما تقدمه واشنطن من مساعدات كبيرة للطرفين، إضافة لمكانتها المؤثرة داخل المؤسسات المالية الدولية الرئيسية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثقلا يجعل كلمتها مسموعة لدى أطراف هذه القضية.
***
وطالبت دراسة صدرت أخيرا عن مجموعة الأزمات الدولية، وهي أحد أفضل المراكز البحثية في العالم، من الدول الثلاثة المعنية بقضية سد النهضة بضرورة «طلب الدعم من طرف ثالث، شريك متفق عليه للخروج من المأزق». واقترحت الدراسة الولايات المتحدة والصين، اللتين تتمتعان بعلاقات وثيقة مع بعض حكومات حوض النيل، أن تشجعا الأطراف على تسوية نزاعاتها قبل اكتمال بناء سد النهضة. وعقب فشل الاجتماع الوزارى الأخير في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر، دعت مصر رسميا الولايات المتحدة بالتدخل والمساعدة على حل خلافات الدول الثلاث. وطبقا للبروفيسور هاري فيرهوفن، خبير الدراسات المائية بجامعة جورج تاون، الذى يرى أنه من المؤكد إذا لجأت الأطراف للتحكيم الدولي أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي قد يتم الحكم لصالح إثيوبيا، على أساس أن «إثيوبيا لها الحق في تطوير مواردها المائية داخل أراضيها». وأنها لم توقع على أي من اتفاقيات توزيع حصص مياه نهر النيل.
ويرفض خبراء آخرون الطرح السابق ويرون أن إثيوبيا ملتزمة بكل الاتفاقيات السابقة المتعلقة بحصص النيل وإن لم تكن طرفا فيها، إلا أن الواقع أن عمليات البناء مستمرة بلا توقف وتشير تقارير إلى انتهاء 70% من أعمال الإنشاءات الأساسية.
***
ترى واشنطن أنها كانت دائما مهتمة بقضية سد النهضة، وأنها كانت تتصور أن حليفتيها، القاهرة وأديس أبابا، يمكنهما حل القضايا الفنية المتعلقة بملء وتشغيل السد عن طريق التفاوض فيما بينهما. وكانت الولايات المتحدة قد دعت وزراء الري من عدة دول منها مصر وإثيوبيا لزيارة «سد هووفر» أكبر السدود في الولايات المتحدة، والمشاركة في ورشة عمل عقدت في ولاية نيفادا عام 2015 حول تعاون الدول التي تتشارك في الأنهار، وذلك بهدف بناء الثقة بين الطرفيين وإظهار الاهتمام الأمريكي بالقضية. وتم إرسال مساعد نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية لزيارة مصر وإثيوبيا العام الماضي للاستماع لوجهات النظر المختلفة.
***
تمثل الجالية الإثيوبية في الولايات المتحدة بما يزيد عن 400 ألف شخص، عنصرا مهما في حسابات واشنطن. وقام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد العام الماضي بزيارة لم تقتصر على واشنطن، بل شملت ولايتي مينيسوتا وكاليفورنيا حيت يقيم مئات الآلاف من الإثيوبيين. وتعد إثيوبيا حليفا قويا لواشنطن في منطقة القرن الإفريقي وشرق أفريقيا، وأشارت دراسة لخدمة أبحاث الكونجرس إلى أن «إثيوبيا تؤدي دورا مهما في مواجهة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له في منطقة القرن الإفريقي».
وتعتمد إثيوبيا في الترويج لموقفها في واشنطن على البعد الإنساني الذى تدعمه تقارير رسمية صادرة عن البنك الدولي، التى تشير إلى حاجة إثيوبيا الماسة للطاقة الكهربائية. ويقول أحد هذه التقارير، إن «66% من سكان إثيوبيا يعيشون دون كهرباء، وهي من أعلى النسب في العالم»، ويتوقع أن يوفر سد النهضة الكهرباء لملايين المواطنين الإثيوبيين.
***
سيجتمع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا مع مسؤولين أمريكيين بواشنطن الأسبوع القادم، وعلى الجانب المصري ألا يرفع سقف التوقعات من واشنطن التي تجمعها بإثيوبيا حكومة وشعبا علاقات راسخة، وذلك على العكس من العلاقات الجيدة بين واشنطن والقاهرة، التي تقتصر على علاقات جيدة بين إدارة الرئيس ترامب والحكومة المصرية.
(الشروق المصرية)