خلال سبع سنوات ماضية، دفعت أطراف معروفة عشرات المليارات من الدولارات في سياق مطاردة ما يعرف بقوى "الإسلام السياسي"، لكن نتائج هذه المطاردة تبدو محبطة إلى حد كبير.
يحدث ذلك لسببين أساسيين؛ أولهما يتعلق بنتائج المطاردة، بينما يتعلق الثاني باكتشاف عبثيتها من الأساس.
من حيث النتائج، لم يحصد مطاردو "الإسلام السياسي" الكثير على صعيد حذف قواه من الساحة السياسية، فهي لا تزال تحصد ذات النسبة تقريبا من أصوات الجمهور في ظل انتخابات أو استطلاعات تختلط فيها المناطقية بالمصالح والأيديولوجيا. ولا يتعلق الأمر فقط بتصدر حركة "النهضة" للانتخابات التونسية مؤخرا، وإنما يتعلق بعدد كبير من الجولات الانتخابية، بكل ألوانها النيابية والنقابية والطلابية في عدد كبير من الدولة العربية.
أي أن النتيجة، وإن حدث قليل من التراجع، إلا أنها لا تبتعد كثيرا عن النتائج السابقة، دون إنكار بعض النتائج على صعيد محاربة التدين نفسه الذي رآه أولئك حاضنة لـ"الإسلام السياسي"، وهذا التراجع لا يتعلق بنجاحها، وإنما بحالة الإحباط التي سادت نسبيا بعد ربيع العرب، مع ضرورة الانتباه إلى أن مساعي مطاردة "الإسلام السياسي"، عبر مطاردة حاضنته الشعبية ممثلة في التدين والمتدينين، ينبغي أن تحظى بكثير من الاهتمام، لأن النتائج على هذا الصعيد غالبا ما تكون متدرجة، وليست سريعة؛ شأنها شأن الظواهر الاجتماعية.
لم يحصد مطاردو "الإسلام السياسي" الكثير على صعيد حذف قواه من الساحة السياسية، فهي لا تزال تحصد ذات النسبة تقريبا من أصوات الجمهور
قد يقول البعض إن مطاردي "الإسلام السياسي"، وهم أنفسهم تيار الثورة المضادة قد حققوا إنجازا تاريخيا بضرب ربيع العرب في حاضنته الأهم (مصر)، ثم ضربوه تاليا في ليبيا، وربما اليمن أيضا، فضلا عن سوريا التي تولتها إيران، وإن ساهمت ذات القوى في نزيفها أيضا.
وقد يكون ذلك صحيحا من زاوية، لكنه ليس كذلك من زاوية أخرى، إذ أن الحرب على ربيع العرب ومخرجاته لم تكن متعلقة بهويته الأيديولوجية، بل بمنطقه السياسي ممثلا في الإصلاح والتغيير، بدليل أن الهجمة طالت كل المؤمنين بخيار الحرية والتغيير، وليس الإسلاميين منهم فقط، كما حدث في مصر.
وحين تكون الحاجة ماسّة لغير ذلك، يتغير المشهد، بدليل أن "تجمع الإصلاح" في اليمن المحسوب على الإسلام السياسي لم يتعرض لذات الحرب، وإن دخل في إطار التحجيم تبعا للحاجة إليه في مواجهة الحوثي.
جولات أخرى ستتوالى تباعا حتى تحقق الجماهير مطالبها في الحرية والتحرر والاستقلال والكرامة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد
والخلاصة أن نتيجة المطاردة لا تتوافق وحجم ما بُذل فيها من أموال ومجهودات، وحيث لا يزال الإسلاميون هم الخيار الأقرب لنسبة معتبرة من الجماهير العربية كلما طُلب منها الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
السبب الثاني كما ذكرنا من قبل يتعلق باكتشاف عبثية المطاردة، إذ ها هي كل الاحتجاجات التالية على احتفالات قوى الثورة المضادة، ومطاردي "الإسلام السياسي" بالانتصار، لا زالت تقول إن قضية ربيع العرب لا صلة لها بالدين والتدين، بل بمطالب مشروعة للجماهير، وهي ستتواصل ما لم تتحقق تلك المطالب، سواء حضرت قوى الإسلام السياسي أم غابت، بدليل أن الثورة في السودان كانت بنكهة مضادة للإسلاميين، فيما كانت الأخريات في الجزائر ولبنان (الحراك المصري الذي دعا له محمد علي أيضا) بنكهة عادية مطلبية.
هكذا تتأكد النظرية التي تحدثنا عنها مرارا، وأشار إليها كثيرون ممثلة في أن ربيع العرب لم يُهزم، وأن جولات أخرى ستتوالى تباعا حتى تحقق الجماهير مطالبها في الحرية والتحرر والاستقلال والكرامة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، ولن يكون أمام أولئك الذين دفعوا المليارات واحتفلوا بالانتصار غير الاستجابة لتلك المطالب، والأفضل لهم أن يلتقوا مع الجماهير في منتصف الطريق، بدل أن يدفعوها دفعا نحو مزيد من التطرف في المطالب؛ وفي أساليب التغيير أيضا.