أيام عدة مضت على بدء حراك شعبي غير متوقع ومفاجئ حتى للبنانيين أنفسهم، فلا أحد كان يعتقد أن هذا الشعب الذي خرج من حرب أهلية باتفاق طائفي شتت شمله ومنع توحده، أن يخرج ليطالب بإسقاط زعماء الطوائف، أو إذا صح التعبير أمراء الحرب السابقين (الحريري استثناء من هذا التعبير باعتبار أن والده لم يشارك في الحرب الأهلية).
الحراك الشعبوي الذي وحّد أكثر من مليون لبناني داخل البلاد بحسب إحدى الإحصائيات ومعظم المغتربين اللبنانيين حول العالم، رفع شعارات عدة أبرزها المنددة بوزير الخارجية جبران باسيل والرافضة لاستمرار الطبقة الفاسدة الحاكمة.
ومع استمرار الهتافات في الشارع من جنوب البلاد لشمالها المطالبة بإسقاط النظام، لم يصل هذا النداء لمن في السلطة على ما يبدو.
رئيس الحكومة سعد الحريري وبدلا من تقديم استقالته كما طالبه المتظاهرون، خرج عقب اجتماع وزاري قبل أيام بورقة إصلاحات اقتصادية غير مقنعة لمن هم في الشارع.
ولكن رغم ذلك، تبنى رئيس الجمهورية ميشال عون تلك الإصلاحات في كلمة أتت بعد ثمانية أيام من التظاهرات، مؤكدا في خطابه المسجل أنه سيكون الضمانة لتنفيذها، متناسيا أنه أحد الأطراف السياسية الذي يسعى الشعب لإسقاطه.
تشبث الحريري وعون بمناصبهم والاكتفاء بخطابات عاطفية، جاء على وقع تهديد مبطن من أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الذي هدد بنزول عناصره على الأرض إذا اقتضت الحاجة، رافضا إسقاط العهد العوني.
وأمام كل ذلك، خرجت أصوات من داخل الطبقة الحاكمة تطالب بتغيير جزئي كوليد جنبلاط الذي اعتبر أن الحل يكمن في الإسراع بالتعديل الحكومي والدعوة لاحقا لانتخابات مبكرة على أساس قانون انتخابي جديد.
إذا، بعد مرور الأسبوع الأول من التظاهرات يبدو أن الشارع اللبناني لن يهدأ قريبا، فخطابات السياسيين لم تلب مطالب الثوار، ولم تصل حتى للحد الأدنى منها، فإلى أين سيتجه لبنان خاصة مع استمرار إغلاق المصارف والمدارس والجامعات ومعظم الطرقات الرئيسية؟
الطبقة السياسية تراهن على ما يبدو على تعب المتظاهرين في الشارع وتراجع أعدادهم خلال الأيام المقبلة، مع الاحتفاظ على بعض أوراق القوة، كتحريك أزلامهم كما حصل في بيروت وصور والنبطية ومزرعة يشوع وغيرها، أو بإقحام الجيش ضد الشعب (لكنه خيار صعب التنفيذ في لبنان لاعتبارات طائفية) فيما الشباب على الأرض مصرون على استكمال ما بدأوه ولسان حالهم يقول: لا تراجع قبل إنهاء الفساد وإسقاط الطبقة الفاسدة ومحاكمتها، لكنهم في الوقت ذاته يحتاجون إلى توحيد جهودهم وتطويرها وتشكيل لجان تمثلهم .. فمن يكسب الرهان؟