القوة هي شعار الإسلام، والآيات والأحاديث في هذا الصدد لا تعد ولا تحصى، وهذا ليس موضوع حديثنا. نحن هنا نتحدث عن موقف جماعة من المسلمين في استخدام القوة في عصرنا الحديث، ويسع غيرها أن تتخذ من المواقف ما تراه مناسبا لها.
كان الإمام البنا واضحا في أن القوة هي أحد أعمدة الإخوان (قوة العقيدة وقوة الرابطة وقوة الساعد والسلاح) وحدد مواطن استخدام قوة السلاح في رسالة المؤتمر الخامس حين قال: "هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف؟ أم إن من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون؟
هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه، والثورة أعنف مظاهر القوة، فنظر الإخوان المسلمون إليها بشكل أدق وأعمق، وبخاصة في وطن كمصر جرب حظه من الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون.
وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون في أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولا، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح".
ويقول أيضا: "وفي الوقت الذي يكون فيه منكم، معشر الإخوان المسلمين، 300 كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا روحيا بالإيمان والعقيدة، وفكريا بالعلم والثقافة، وجسميا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لحج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة". إني أقدر لذلك وقتا ليس طويلا بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم إذنه ومشيئته، وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبهم أن تقصروا هذا الآجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم" (انتهى كلام البنا).
إذا، لم يكن استخدام القوة فقط في فكر البنا ضد المستعمر، بل حتى ضد الحكام الظالمين الذين يمنعون تداول السلطة السلمي. كانت هذه رؤية المؤسس في عصره ومصر تحت الإستعمار.
لكن بعد استشهاده ومحن الجماعة المتواليه في عهد عبد الناصر وتولي المستشار الهضيبي منصب المرشد، ورغم السجن والتعذيب، نأت الجماعة عن استعمال القوة وقال الهضيبي رحمه الله مخاطبا أعضاء الجماعة: "إن ظُفر أحدكم أغلى من رقبة عبد الناصر نفسه. حذار أن يعطي أي واحد منكم الفرصة لهؤلاء ليتخذوها فرصة للقضاء على هذه الفئة المؤمنة، اصبروا وصابروا حتى يأتى الله بأمره"..
ثم تولى الأستاذ عمر التلمساني منصب المرشد العام، فقال: "نحن لا ندعو إلى إرهاب ولا عنف، نحن ندعو إلى السلام بطريق السلام".
إذا، اعتمدت الجماعة مبدأ السلمية المطلقة واعتبرت أن استخدام قوة السلاح هو أمر حصري على مواجهة المستعمر، كما في إسرائيل، وخطأت قيادة الجماعة الإخوان السوريين في خروجهم بالقوة في أحداث حماة الشهيرة، ولم نسمع عن أي إعداد عسكري لأي من أبناء الجماعة في مصر على مدار الخمسين سنة الماضية، وعلى هذا النهج بايع من دخل الإخوان وأنا أحدهم.
لم تتخلَ الجماعة عن هذا النهج، وكان المرشد العام الدكتور محمد بديع (فك الله أسره هو وإخوانه) حريصا كل الحرص على التأكيد على هذا المبدأ (كفكر).
الشاهد هنا أن موضوع استخدام القوة عند الجماعة يجب أن يكون واضحا وضوح الشمس، وأنه خيار حركي وليس شرعي، تبنته الجماعة، ومن يريد أن ينتهج غير هذا النهج فكرا أو تطبيقا فعليه أن يغادر الجماعة بالمعروف.
أهمية الأمر أن فيه حياة وموت ودماء، وعلى كل راغب في الانضمام للجماعة أن يعرف جيدا موقع الجماعة في هذا الأمر، وأن تحذف كل أدبيات الجماعة التي لم تعد تتبناها، حتى ولو كان كلام المؤسس نفسه، وأن توضع أدبيات جديدة تناسب واقع الحال.
خلاصة رأيي أنه يجب ألا تتبنى جماعة الإخوان المسلمين العنف كوسيلة للوصول إلى أهدافها، ولا تشكل أي أجنحة عسكرية لها في أي دولة، ولا تحمل السلاح تحت أي ظرف. أما في حال الاحتلال، فهم جزء من الشعب يتعاونون مع غيرهم على طرد هذا المحتل، دون أن يشّكل الإخوان قوة عسكرية خاصة بهم.
أنا كما قلت لا أحلل الوقائع التي حدثت بمصر أو ليبيا أو اليمن أو غيرها.. أنا أتحدث عن أصول في فكر الجماعة يجب أن لا تكون موضع تشويش أو ضبابية أو اجتهادية لأي قيادة.