- الناس يعيشون أحداث العالم الراهنة دون أن يعوا
كثيرا من خلفياتها وكوامنها ومنطلقاتها
- التاريخ لا يكتب في حينه وفي لحظة وقوع الأزمات إنما حين تهدأ
العواصف
كالعادة يعيش الناس أحداث العالم الراهنة واليومية بكل حرارتها
الحينية دون أن يعوا كثيرا من خلفياتها وكوامنها ومنطلقاتها لأن التاريخ لا يكتب
في حينه وفي لحظة وقوع الأزمات إنما حين تهدأ العواصف قليلا وتعود النفوس البشرية
إلى سالف اعتبارها تبدأ عملية قراءة التاريخ بفضل الإضاءات العديدة والمتنوعة
والمتناقضة التي تسلط على صانعيه ولاعبيه وضحاياه. أعدت اليوم التأمل في كتاب عن
مواقف الرئيس شيراك وهو يرحل عن عالمنا يوضح الكتاب الصادر عام 2003 ملف الحرب
المدمرة التي شنها الرئيس بوش الابن على العراق وخلفت حوالي المليون ضحية وأطاحت
بالرئيس صدام حسين وغيرت إلى أجيال طبيعة العلاقات والتوازنات في كل الشرق الأوسط،
ثم وقف الرئيس بوش قبيل مغادرته البيت الأبيض ليعترف بأن المعلومات التي توفرت
لديه عن العراق كانت مغلوطة وبأن العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل! أما الذي
وقع منذ 2003 إلى اليوم فهو دمار شامل حقيقي لا شك فيه.
الكتاب
الذي صدر في مكتبات فرنسا بعنوان ( سوف أنشر تكذيبا لو كررتم الخبر ) بقلم الصحفي
الفرنسي جون كلود موريس مدير تحرير الأسبوعية الأكثر رواجا (جورنال دي ديمانش)
والكتاب صادر عن مؤسسة ( بلون ) للنشر في 300 صفحة. وفيه نقل أمين لأحاديث مطولة
أجراها الصحفي مع الرئيس الفرنسي السابق السيد جاك شيراك أثناء عشرة لقاءات جمعته
به خلال سنة 2003 أي سنة الحرب الأمريكية على العراق والتي رفض الرئيس شيراك الانخراط
أو المشاركة فيها. وفي هذه الأحاديث نقرأ العجب العجاب عن موقف الرئيس الفرنسي
المندهش من تبرير الحرب بلسان بوش شخصيا. فاقرأوا معي أيها القراء العرب الأفاضل
ما جاء حرفيا في الفصل المتعلق بهذا الحدث: "كان الرئيس بوش هو نفسه الذي
أعلم الرئيس شيراك بالهاتف قبل شهر من دخول القوات الأمريكية إلى بغداد.
كان بوش يريد إقناع شيراك بالانضمام للحلف الغربي المقاتل في العراق،
ولكن الرئيس شيراك لم يصدق أذنيه وهو يسمع صوت بوش في الهاتف يقول له بالضبط إنه
تلقى وحيا من السماء لإعلان الحرب على العراق لأن يأجوج و مأجوج انبعثا في الشرق
الأوسط للقضاء على الغرب المسيحي! و أضاف بوش: إن هذا يعني بأن نبوءة الإنجيل حول يأجوج
و مأجوج بصدد التحقيق هناك، ويقول الصحفي إن الرئيس شيراك كاد لا يصدق ما يسمعه،
فهو يعرف بأن الرئيس دابليو بوش متدين لكنه أصيب بالذهول حين أدرك درجة التردي التي
يمكن أن يسقط فيها رئيس أعظم قوة عسكرية في العالم!
والرئيس شيراك بعد هذه
المكالمة الغريبة التي لم يعلق خلالها على كلام بوش، أصر على فهم أعمق لمعنى يأجوج
و مأجوج، فدعا أقرب مستشاريه وأعلمهم بمحتوى المكالمة البوشية وطلب إليهم تحرير نص
يشرح له يأجوج و مأجوج! و بالطبع ضحك المستشارون واندهشوا لكنهم قدموا بعد ذلك
للرئيس شيراك لمحة عن ذكر الإنجيل ليأجوج و مأجوج.
و يواصل الكاتب التعليق على الحادثة (بل الكارثة) فيقول: بعد يوم
واحد من المكالمة الهاتفية العجيبة شاهد الرئيس شيراك على شاشة التلفزيون نظيره
الأمريكي بوش يكرر نفس عبارات يأجوج و مأجوج في مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض!
وفي هذا المؤتمر نطق بوش بعبارة (محور الشر) وهنا أراد الرئيس شيراك أن يلم أكثر
بهذه الأساطير فلم يتوجه إلى مستشاريه في قصر الإليزيه خشية تسريب معلومات ولكنه
طلب تقريرا من عالم دين سويسري هو السيد توماس رومير أستاذ اللاهوت المسيحي في
جامعة لوزان.
وجاء تقرير هذا العالم الجامعي مثيرا لدهشة شيراك لأنه شرح بأن ظهور يأجوج
و مأجوج في الكتابات المقدسة المسيحية يعلن نهاية العالم بهجوم جيش أسطوري على
إسرائيل لمسحها من وجه الأرض! ويضيف تقرير الأستاذ السويسري بأن كتاب الخلق في
العهد الجديد يعلن أيضا بأن جيشا عالميا لا بد أن يتشكل ليقضي على يأجوج و مأجوج
وينقذ شعب الله المختار ( أي إسرائيل!) وتأذن تلك الحرب بميلاد عالم جديد!
يقول الكاتب جون كلود موريس: ”شعر الرئيس شيراك بارتباك لأن مجرد الاعتماد على الأساطير لدى أي عقل فرنسي هو مثير للضحك لكنه في هذه الحالة مثير للقلق والخوف، لأنه يطرح إشكالية انطلاق قرارات عسكرية وسياسية خطيرة من مجرد قراءة للنصوص الدينية. وهنا أدرك الرئيس شيراك بأن بوش الابن يعتقد راسخ الاعتقاد بأن جيشا عالميا إسلاميا متشددا يهدد الغرب لأن الغرب يساند إسرائيل وما العدوان على منهاتن يوم 11 سبتمبر لديه سوى بداية تنفيذ المخطط!
وعلق شيراك للصحفي على هذه الحادثة بالقول: "إنهم لا يفهمون شيئا من الشرق المعقد وإن هذا الجهل الفادح سوف يؤدي بنا إلى كارثة. فهم لا يفقهون سوى أن الأمر يتعلق بصراع بين السنة والشيعة. والذي أتوقعه هو أن حرب العراق سوف تتحول إلى حرب أهلية يذهب ضحيتها عديد المدنيين الأبرياء، وأن القاعدة سوف تجد في العراق مرتعا سهلا للتوسع وجمع الأنصار. وبعد سنة من الحرب سوف يضاعف الأمريكان عدد جنودهم هناك ويموت منهم ثلاثة آلاف، وربما لن يكون الخيار بعد سنوات بالنسبة لواشنطن سوى بين مضاعفة القوات أو.... الانسحاب!".
(الشرق القطرية)