«واجب الحقيقة» هو الكتاب الذي صدر عن دار نشر مطابع شاتليه لطارق رمضان،
أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة أوكسفورد يقول في مقدمته: لقد أدانوني قبل أن
يحكموا عليّ. هنا أكشف كل ما أخفي عنكم. هذه قصة محنة طويلة وقصة ولادة جديدة.
يسرد
رمضان في الكتاب إحساسه من اللحظات الأولى بأن كل شيء مدبر لاتهامه، وبراءته من
تهم «الاغتصاب» التي وجهت له منذ يناير/كانون الثاني 2018 من قبل امرأتين، وخفايا
الملف القضائي ضده وعرقلة القضاء لمعرفة الحقيقة والتعامل العنصري الذي لاقاه في
سجنه ودور الإعلام الفرنسي الذي ركز تغطياته للقضية، بإعطاء الكلام للمشتكيتين
وقصصهما المتناقضة والمتغيرة، سواء في الإعلام، أو أمام الشرطة والقضاء.
اليوم
تظهر الحقيقة كاملة في قضية رمضان، بعد حبس غير قانوني لمدة تسعة أشهر ونصف الشهر
في تجاهل تام للتحقيق والتعمق في بعض العناصر الأساسية التي تخص القضية، تم فيه
أخذ جانب المشتكيات بشكل صارخ، ورفض أولي ولمدة طويلة للسماح له بالكلام، وإعطاء
روايته الشخصية، في ظاهرة «غريبة» لتعامل القضاء مع ملف اتهام خطير بهذا الشكل.
أخيرا
وقبل فترة قصيرة، توصل القسم الجنائي في مدينة باريس، بعد تحقيقات جديدة إلى إثبات
كذب التهم الموجهة لرمضان من كلا المدعيتين، لتتأكد وبشكل قاطع براءته.
تعد
هذه التحقيقات الجديدة التي قام بها القسم والمعلومات الحاسمة التي توصل إليها
وتمت إضافتها للملف، عناصر أساسية يفترض القيام بها من قبل القضاة منذ البداية
والأشهر الأولى لتوقيفه! فقد تحقق القسم الجنائي وثبت تواريخ الرسائل المتبادلة مع
المشتكية الثانية من مدينة ليون، ليصل إلى يقين عدم وقوع ما تدعيه هذه من اغتصاب
لها، وبشكل قاطع لا يقبل الشك، وهذا الادعاء هو المؤسس لملف هذه الشكوى، بل الأدهى
أنه وجد رسائل تتضمن الكلام عن نصب فخ لرمضان في فندق وتصويره بمعونة مصور، كما
تتكلم عن كتاب يتم تحضيره لتشوية سمعته، وعن مقالات ستكتب عنه، سيطلب منها
المشاركة فيها.
لم
تكتف هذه المدعية بذلك بل ذهبت إلى أبعد، إذ اعترفت أمام المحققين بعد مواجهتها
بالحقيقة بإنشائها صفحات في الفيسبوك مستخدمة بطريقة غير قانونية اسم طارق رمضان،
حتى قبل أن تلتقي به، الأمر الذي يسقط كل اتهاماتها المثبتة لدى الشرطة، التي ادعت
فيها أنها كانت تحت تأثيره الطاغي عليها. وهنا لا بد من التساؤل عن دور القضاة
الذين أخذوا منذ البداية إفادات المشتكية، وهم من أنشأ الملف الذي استندت إليه كل
الجلسات التالية؟ لماذا لم يحققوا في صحة أقوال المشتكية ويتأخروا في التحقيق عنها
وعن صديقتها الأولى منذ البداية، وخلال تسعة أشهر من حبس رمضان؟ لماذا لم يوافقوا
على إعطاء الكلام له ولو مرة واحدة، إلا قبل إطلاق سراحه بوقت قصير وبإلحاح من
محاميه؟ لماذا تجاهل وأهمل القضاة نتائج خبراء الصورة لأربعة مكاتب كلفوا من قبلهم
لمعرفة الحقيقة، أجمعوا على وجود المشتكية في صالة مؤتمر رمضان في الوقت الذي تدعي
فيه أنه كان يحتجزها في غرفة في الفندق؟ ولماذا اعتمدوا شهادات عائلتها وشهادة
الصحافية كارولين فورست، التي تستقتل منذ سنوات لتسقيط المفكر السويسري بكل الطرق
والوسائل، وخسرت في قضية معه أمام المحاكم الهولندية؟ الغريب أيضا أن هذه الصحافية
التي أدلت بأحاديث للصحافة وللقنوات التلفزيونية في فرنسا مدعية بأنها تعرف الكثير
عن علاقات رمضان بالنساء، لم تكتب سطرا واحدا عن علاقاته النسوية في كتابها، الذي
ألفته عنه، وقالت إنها قضت عامين من البحث لتكتبه؟ ليس ذلك وحسب، بل لقد كشفت
التحقيقات الجديدة أن كارولين فورست هذه لها علاقة أيضا بالمشتكية الأولى هند
عياري وذلك منذ عام 2009، أي قبل تاريخ الاغتصاب المزعوم، الذي ادعته بثلاث سنوات،
مثل المشتكية الثانية، هند عياري تتكلم عن «نصب فخ « للمفكر مع أعدائه. فقد وجد
البوليس الجنائي أنها هي من تلاحقه وتبتزه وتهدده بأعدائه، إذا لم يتجاوب ويوافق
على اللقاء بها، كل ذلك قبل تاريخ ما تدعيه من اغتصاب بعامين أيضا؟ كذلك كشف
البوليس الجنائي بفضل التحقيقات الأخيرة ومن تاريخ الرسائل المتبادلة عبر سكايب
وشبكات التواصل الاجتماعي، أن المشتكيتين هما على عكس ادعاءاتهما، لديهما علاقات
كثيرة بالرجال، وهما خاضعتان تماما لخطاب الرجل، تستعملان معهم لغة غير مهذبة.
الأغرب في قضية رمضان هو إحالة ملفه إلى المدعي العام وقاضي الإرهاب فما علاقة
الاغتصاب بالإرهاب ؟
تبدو
قضية المفكر الإسلامي قضية سياسية وليس قضية أخلاقية، تعود إلى عام 2004، العام
الذي كتب فيه رمضان مقالا عن غزو العراق وانتقد المثقفين الفرنسيين لمساندتهم غزوا
غير شرعي، منع نشر المقال حينها. بعدها شهدت فرنسا تطهيرا فكريا لكل من ينتقد
السياسة الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وأبعدت في هذه الحملة أسماء فرنسية
معروفة لنقابيين وفلاسفة وصحافيين وكتاب «بفضل» الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
وبينما استرد البعض نشاطه وعمله بعد استلامه الرسالة بالشيطنة، أو الخنوع، تستمر
شيطنة طارق رمضان وتسقيطه حتى بعد أن ثبتت براءته وأطلق سراحه. فقد ظهرت مؤخرا
امرأة ثالثة لها علاقة بقضايا الدعارة مع المرشح الرئاسي السابق دومينيك شتراوس
كان، مدعية اغتصابها في حين أن رمضان كان في مؤتمر في الولايات المتحدة في مدينة
بالتيمور، ويقول إنه لا يعرفها ولم يرها في حياته.
قضية
رمضان هي أيضا قضية عنصرية وإسلاموفوبيا، إذ يسرد في كتابه تهكم القاضي على اسم
طبيب السجن الذي حرر تقريرا يقول بعدم توافق السجن ومرض «المتهم» ليصرخ القاضي
باحتقار ومن هذا «مراد»؟ كما يتحدث عن سوء المعاملة له في السجن، خاصة عندما يسقط
على الأرض بسبب مرضه وضعفه، ويرفض مساعدته، حيث يورد قول مدير السجن وبعض السجانين:
تذكر أنك في سجن ولست في فندق أربعة نجوم.
استمرار
الملاحقة مع سبق الإصرار، رغم انكشاف الحقيقة (التي يتأخر القضاء عمدا بالتسويف في
إقرارها رغــــم تحقيقات القسم الجنائي) يظهر التنسيق بين الإعـــلام والقضـــاء،
خاصـــة الإعــــلام المرتبط باللــــوبي الصهيوني، المتمثل بأسماء صحافية معـروفة
وقناة «بي أف أم»، هذه الأخيرة حضرت توقيع رمضان لكتابه، ورفض جميع من جاء التصريح
لصحافيها بأي كلمة، أو الرد على سؤالهم الذي يبدو أنهم أرادوا إيصاله وهو: ألا
تعتقدون أن على رمضان الاختفاء من المشهد الفرنسي؟ كما رفعت المشتكية الثانية قضية
لمنع نشر الكتاب بحجة كشف اسمها، وهي التي فرحت بإعطاء الإعلام تصريحات مختلفة
باسمها الصريح، ورفضت المحكمة طلبها.
لم
تنته الشيطنة، وما يزال الترهيب جاريا لمنع بيع الكتاب ليبقى الناس محبوسون في سجن
أطروحة الإعلام الإسلاموفوبي وإرهابه الذي يشيطن كل من يخرج عن مطبخه، وعن أساليب
الفوضى الخلاقة التي تبنتها غالبية الإعلام الفرنسي بعد غزو العراق.
رغم
كل الحقـــائق العنيدة بالوثائق لا يبدو أن القضاء المسيس سيحكم قريبا ببراءة طارق
رمضان الذي ما يزال يوقع حضوره أسبوعيا في مخفر الشرطة، لكنه شخصيا عازم على
انتزاع حقوقه إلى النهاية.
عن صحيفة القدس العربي اللندنية