صحافة دولية

جون أفريك: الغموض يحوم حول الوضع السياسي بتونس

أعلنت هيئة الانتخابات التونسية قبول 26 مترشحا في سباق الانتخابات الرئاسية بالبلاد- الأناضول

نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية مقال رأي للمؤرخة التونسية صوفي بسيس تطرقت فيه إلى الشكوك التي باتت تخيم على المناخ السياسي التونسي قبيل أيام قليلة تفصل التونسيين عن الانتخابات الرئاسية.

وقالت الكاتبة، في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في الوقت الذي سيتوجه فيه التونسيون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ومنذ أن بدأت البلاد خوض تجربة الديمقراطية في سنة 2011، لم يسبق أن عرفت البلاد شكوكا مماثلة.

فقبل وفاة الباجي قايد السبسي، يوم 25 تموز/ يوليو، كان الجدول الزمني الانتخابي ينص على إجراء الانتخابات التشريعية في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، تليها الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر. لكن، غيّرت وفاة رئيس الدولة، قبل أشهر قليلة من انتهاء ولايته، هذه المواعيد النهائية. ومن أجل احترام فترة التسعين يومًا الممنوحة للرئيس المؤقت بموجب الدستور، كان من الضروري تقديم الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية إلى يوم 15 أيلول/ سبتمبر.

وأوردت الكاتبة أن هذه التحويرات في الجدول الزمني الانتخابي قد غيّرت أولويات الطبقة السياسية، حيث حدد السياسيون البارزون على الفور هدفهم الأول المتمثل في غزو قصر قرطاج، مقر رئاسة الجمهورية. وتجدر الإشارة إلى أن 26 مرشحا يتنافسون في الانتخابات.

 

اقرأ أيضا: من صفاقس.. المرزوقي ومورو يبدآن حملتيهما والشاهد بـ"مدنين"

يمكن اعتبار تعدد الترشيحات والنقاشات التي تثيرها هذه الانتخابات بمثابة دليل على حيوية الديمقراطية في الدولة العربية الوحيدة التي لم يؤد فيها ربيع 2011 إلى حرب ولا إلى إعادة إرساء الديكتاتورية. لكن لا يمكن لهذه الملاحظة المطمئنة إخفاء حقيقة أن تونس دخلت منطقة من الاضطرابات من المحتمل أن تبطئ أو حتى توقف مسيرتها نحو إرساء دولة القانون.

وأشارت الكاتبة إلى أنه من أجل فهم هذا الانزلاق، من الضروري العودة إلى السنوات الخمس لرئاسة الباجي قايد السبسي، التي غيرت المشهد السياسي بشكل جذري. فقد شهدت انتخابات 2014 مواجهة بين تشكيلين سياسيين مهيمنين. فمن ناحية أولى، حافظ حزب حركة النهضة على قاعدة قوية، "على الرغم من الحصيلة الكارثية للحكومات التي قادها من سنة 2011 إلى 2014 وتراجع شعبيته".

ومن ناحية أخرى، نجح حزب نداء تونس، الذي أنشأه السبسي في سنة 2012، في إعادة تجميع كل القوى التي كانت تعتبر حداثية تقريبًا. وبعد تولي مؤسس هذا الحزب الرئاسة، تفكك الحزب الذي قوضته محسوبية زعيمه وصراعات العشائر. ونجد اليوم ستة سياسيين منحدرين منه من بين المرشحين للرئاسة.

وبيّنت الكاتبة أنه في مواجهة هذا التفكك، تظل حركة النهضة بالتأكيد تشكيلا سياسيا منظمًا لكنه مهدد هو الآخر بالانقسام. ولتجنب التغيب عن انتخابات 15 أيلول/ سبتمبر، عينت حركة النهضة مرشحا تمثل في عبد الفتاح مورو، الذي يعتبر الزعيم التاريخي للحزب. لكن قرر رئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي هو الآخر المشاركة في هذا السباق، تماما مثل الرئيس السابق للمرحلة الانتقالية منصف مرزوقي، الذي كان في سنة 2014 مرشح الإسلاميين غير المعلن. كما يعتبر بعض المرشحين غير المعروفين مقربين من هذه الحركة.

نتيجة لهذا الانقسام العام، لا وجود في الوقت الحالي لأي شخصية توافقية قادرة على فرض نفسها. فبالإضافة إلى الاشتباكات الانتخابية، هناك عامل مشترك يجمع بين المرشحين يتمحور حول عجزهم المحتمل عن مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تواجه البلاد.

 

اقرأ أيضا: هيئة الانتخابات: رسميا 26 مترشحا لانتخابات الرئاسة بتونس

وأوضحت الكاتبة أن ضعف الدولة الناجم عن اضطرابات ما بعد الثورة، وعدم البحث في ضرورة تغيير المنطق الاقتصادي الذي أدى إلى المآزق الحالية، وقصر نظر الجهات السياسية الفاعلة التي تركز على المواعيد النهائية الانتخابية، ساهم في تدهور الوضع بطريقة تنذر بالخطر. فقد شهد الدين انفجارا، في وقت يفتقر فيه النمو للحيوية، وتنتج البلاد كميات أقل وتستورد أكثر ويتفشى الفساد وتنمو أعمال المافيات التي تتحكم في الأنشطة غير المشروعة في ظل الإفلات من العقاب.

وأضافت الكاتبة أن يوسف الشاهد قد قدم ترشحه للانتخابات الرئاسية على الرغم من حصيلته السلبية. وبعد أن أُرهق التونسيون من مشاهد المشاجرات بين السياسيين الذين لا تعنيهم مصلحة البلاد، خابت آمالهم وفقدت طبقتهم السياسية مصداقيتها بالنسبة لهم. ويبدو أن وجوها سياسية جديدة، ذات خطاب شعبوي، باتت تستقطب التونسيين.

وذكرت الكاتبة أن نبيل القروي تصدر طليعة استطلاعات الرأي، وهو أحد مالكي قناة "نسمة" التلفزيونية، ورجل أعمال مثير للجدل تحول إلى رجل سخي لإغواء الناخبين. ويوزع القروي، الذي يترأس جمعية خيرية، قدرًا كبيرًا من الهدايا، باستعمال الدعاية، على أفقر شرائح السكان المتعطشين لعيش أفضل.

ويلي القروي قيس سعيد، الذي تغوي خطبه الشعبوية المحافظة بعض الناخبين. أما الوجه الثالث لانتشار هذه الظاهرة الشعبوية، فيتمثل في عبير موسي الموالية لحكم الرئيس السابق بن علي والتي اختارت الإسلاميين هدفا مفضلا. وإذا فاز أحد أفراد هذا الثلاثي، فمن المؤكد أن البلاد ستدخل في حلقة تتعمق فيها المآسي التي تعصف بالبلاد كما لو كانت "غرغرينا".

 

وحسب الكاتبة، من الصعب التكهن في الوقت الراهن بالمعجزة التي قد تخرج البلاد من الخندق الذي أغرقتها فيه رداءة الطبقة السياسية.