نشر موقع أتلنتيكو الفرنسي حوارا
أجراه مع كل من المختص في القضايا الجيوسياسية، جون بيرنار بيناتال، والمؤرخ
والمختص في العلوم الجيواستراتيجية، فرانسوا جيريه، بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية
الصينية، وتداعيات حرب مدمرة بين الجانبين.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الخبيرين عرضا الأسباب التي تكمن وراء ادعاءات خبراء
عسكريين أمريكيين بإمكانية هزيمة الولايات المتحدة في حالة نشوب حرب بينها وبين
الصين.
من جهته، يعتبر الأميرال فيليب ديفيدسون، المسؤول عن القوات الأمريكية
المنتشرة في قارة آسيا، بأن "الصين تشكل على المدى البعيد أكبر تهديد
استراتيجي يحدق بالولايات المتحدة".
ونوه الموقع بأن ميزانية الولايات المتحدة
العسكرية تقدر سنة 2020 بنحو 718 مليار دولار، وهي الميزانية العسكرية الأعلى في
العالم أجمع، ما يجعل التفوق العسكري الأمريكي أمرا لا جدال فيه.
وفي الآن ذاته،
تواصل الصين في الرفع من قيمة ميزانيتها العسكرية، ما من شأنه أن يعزز من هيمنتها
العسكرية مستقبلا.
وفي هذا السياق، أكد المختص في القضايا
الجيوسياسية، جون بيرنار بيناتال، أن "الميزانية العسكرية يقع تقييمها وفقا
للأهداف السياسية التي ترنو الدولة إلى تحقيقها. وبالنسبة لواشنطن، يتلخص هدفها في
الحفاظ على مكانتها العالمية التي رسختها عقب سقوط الاتحاد السوفيتي. والجدير
بالذكر أن ميزانية 17 وكالة مخابرات أمريكية مجتمعة تفوق الميزانية العسكرية
الروسية التي تتقارب مع قيمة الميزانية العسكرية لفرنسا".
وأشار الموقع إلى أنه وفقا لهذا الخبير
الفرنسي، تعيش الصين ضمن سياق يجعل منها مستهدفة، تحت تهديد القوة البحرية
الأمريكية وميولات واشنطن في فرض حظر على النفط، وإجبار بكين على احترام العقوبات
الاقتصادية الأمريكية المفروضة على فنزويلا وإيران، مع العلم أن 85 بالمئة من
واردات الصين تُرسل عن طريق البحر. ويعكس هذا الوضع مخاوف المسؤولين الصينيين،
الذين ضاعفوا الإنفاق العسكري.
اقرأ أيضا: واشنطن تفرض عقوبات على شركة صينية لشرائها نفطا إيرانيا
ونقل الموقع ما جاء على لسان جون بيرنار
بيناتال، الذي أفاد بأن "الصين أعلنت في الخامس من آذار/ مارس سنة 2019 عن
تسجيل نمو بنحو 7.5 بالمئة في ميزانية وزارة الدفاع، لتبلغ نحو 1.19 تريليون يوان،
أي ما يعادل 177.6 مليار دولار، حيث حظيت القوات البحرية بالنصيب الأكبر".
وفي هذا السياق، أفاد جيريه بأن "التقدم
العسكري الصيني بدأ يلوح منذ 15 سنة تقريبا، فمع تأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني،
كانت أولى مهامه تتمثل في حماية التراب الوطني، ولكن مسؤولياته كانت أكبر من
قدراته، حيث كانت أغلب معداته قديمة، قبل أن يفرض التقدم الاقتصادي القوي للبلاد
عملية إعادة تحديث للجيش".
وواصل فرانسوا جيريه حديثه قائلا: "كانت
النفقات العسكرية الصينية مرفقة بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، كما استفاد الجيش
من التطور التكنولوجي الذي شمل عدة قطاعات مهمة، على غرار المعلوماتية والاتصالات
والمجال الكهرومغناطيسي والذكاء الاصطناعي وتقنية النانو. وساهم كل ذلك، مع التوسع
الدبلوماسي، في جعل الصين ثاني قوة في العالم، كما أدى إلى تعزيز قوتها العسكرية
البحرية، حيث أضحى للصين قواعد خارج حدودها، على غرار قاعدتها في جيبوتي، للإشراف
على مناطق العبور البحرية الإستراتيجية".
وقال الموقع إن فرانسوا جيريه مقتنع بأن القوة
العسكرية الصينية لا يمكن في الوقت الحاضر مقارنتها بالتفوق العسكري الأمريكي، حيث إن واشنطن تمتلك 12 حاملة طائرات، بينما تعد الصين في طور امتلاك اثنتين، كما
تتفوق الولايات المتحدة عسكريا في عدد الغواصات البحرية وقاذفات القنابل والطائرات
المقاتلة والأنظمة المضادة للصواريخ. بالإضافة إلى ذلك، تحظى واشنطن بعدد مهم من
الحلفاء في منطقة المحيط الهادئ، على غرار اليابان وكوريا الجنوبية
وأستراليا".
وفي إجابته عن سؤال الموقع المتمثل في إمكانية
نشوب حرب بين البلدين من عدمه، وإذا كان من الممكن أن يشكل سيناريو غزو الصين
لتايوان على سبيل المثال تصعيدا خطيرا يبشر فعلا بحرب بين البلدين النوويين، قال
بيناتال إنه "في هذه الحالة، يمكن أن يصبح الصراع بين بكين وواشنطن شبيها
بالصراع الباكستاني الهندي اللذين دخلا في مواجهة منذ استقلالهما. فقد تواجهت كل من
باكستان والهند بشكل مباشر، حتى قبل أن يمتلكا سلاحا نوويا، في ثلاث حروب خلفت
آلاف القتلى. ومع نهاية فترة الثمانينات، أضحت باكستان والهند قوتين نوويتين، حيث
تغير أسلوب المواجهة بينهما، واقتصر على مناوشات محدودة عبر مليشيات".
وأكد الموقع أنه بالنسبة لفرانسوا جيريه،
"لا يخفي الخبراء الاستراتيجيون الصينيون عزمهم على استعادة تايوان في
المستقبل القريب، حيث تشكل تايوان بالنسبة لهم "الحلم الصيني في توحيد البلاد
تحت سماء واحدة. في المقابل، يدرس الكولونيل الصيني، تشن غودونغ، سيناريوهات
لتحقيق ذلك عبر قصف صاروخي يستهدف محطات توليد الطاقة بالجزيرة لشل دفاعاتها، قبل
شن عملية إنزال كبرى لغزو تايوان".
وفي الختام، قال الموقع إن كلا الخبيرين
الفرنسيين مقتنع بأن الأمريكيين تنتابهم مخاوف من التقدم العسكري لروسيا، التي
تشكل بدورها تهديدا استراتيجيا. ولكن على الرغم من ذلك، تبقى الصين أقوى تهديد
يثير هلع الخبراء العسكريين الأمريكيين، خاصة مع إيلاء بكين اهتماما كبيرا بميزانيتها العسكرية وتحديث معداتها. وكنتيجة لذلك، ستتنامى مخاوف الأمريكيين أكثر
إذا ما تحالفت الصين مع روسيا ضد الولايات المتحدة.