ملفات وتقارير

ما علاقة "الحداثيين العرب" بفكر المعتزلة؟

ونيس المبروك: يسعى الحداثيون إلى إحياء الآراء الشاذة في التاريخ الإسلامي لضرب النص القرآني (صفحة المبروك على الانترنت)

يستند حداثيون عرب إلى تراث المعتزلة (العقلاني) في تسويق أفكارهم الحداثية، باعتبار المعتزلة مدرسة عقلانية تقدم العقل على النقل، وتُشكل مقولاتهم وأفكارهم الدينية سندا للحداثيين من داخل المنظومة الإسلامية ذاتها. 

ويشير باحثون إلى أن المعتزلة سواء منها التاريخية أو المعاصرة، تمثل مدرسة فكرية تقدم أفكارها كمحصلة لتفاعل العقل مع النصوص الدينية الأصلية، وهي مع اجتهاداتها العقلانية تعظم الوحي الإلهي وتعلي من شأنه، وعلماؤها ومفكروها أصحاب ديانة واستقامة. 

ومع أن الحداثيين العرب عنوان عريض تندرج تحته تيارات شتى، منها: علمانية، يسار إسلامي، وتيارات لا دينية، إلا أن منهم من يظهرون إعجابهم بمنهج المعتزلة، ويشيدون بمكانة العقل عندهم، ويتحدثون عن مظلوميتهم التاريخية، أو بعض مواقفهم السياسية أو الكفرية، بحسب الباحث المعتزلي معتز شطا. 

وعرَّف شطا المعتزلة بأنها "مدرسة عقلية فكرية إسلامية تقول بالأصول الخمسة الاعتقادية التي تعود في النهاية إلى أصليّ التوحيد والعدل العقليين التنزيهيين، يقوم منهجها على تقديم العقل على النقل، تقديم ترتيب لا تقديم أفضلية، ويعتمد منهجها على النقد العقلي المنضبط لمرويات وقضايا التراث نقدا داخليا، أي من داخل المنظومة الإسلامية، وبأدوات معرفية إسلامية". 

 

اقرأ أيضا: باحث في الفكر الإسلامي يحذّر من القراءات الحداثية للقرآن

ولفت شطا في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن إعجاب الحداثيين العرب الظاهر بفكر المعتزلة، سواء كان ينطلق من قناعة حقيقية أو إيهام للآخرين، قد يصوّر في مرحلة ما وجود توافق بينهم وبين المعتزلة، لكننا عند التدقيق نجد أنه لا توافق في كثير من المنطلقات حتى لو حدثت بعض الاتفاقات على السطح". 

وأضاف: "وكذلك قد يظن بعض الحداثيين أن المعتزلة سفينة لا ربان لها، بالتالي يسهل توجيهها الوجهة التي يريدونها تحت أشرعة إسلامية ظاهرة، قد تقبل بها الجماهير التي لن تقبل عادة بأي راية غير إسلامية".

وتابع: "من الملاحظ أن ما يجمع الحداثيين بتياراتهم المختلفة، أنهم قد جعلوا الإسلام وكتابه ونبيه موضوعا رئيسا وأساسيا لبحثهم، أو انشغالهم الفكري والإعلامي، ولا يخفى أن نظرة الحداثي الملحد –مثلا– للقرآن قد لا تكون عادة مطابقة لنظرة الحداثي المسلم له، وقد يكون منهم من نظن فيهم إخلاصا وظنا حسنا، وقد يكون من بينهم أصحاب أجندات مؤدلجة أو مناهضة لدين الإسلام"، وفق قوله. 

وشدد على أنه "لا يمكن تصنيف كل الحداثيين باعتبارهم أصحاب رؤية إسلامية خالصة وملتزمة، على عكس المعتزلة الذين يمثلون مدرسة من مدارس العقلانية المسلمة المؤمنة الملتزمة باتباع كتاب الله تعالى، والسنة النبوية الصحيحة الثابتة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام". 


من جهته، بيّن الباحث في الفكر الإسلامي، والفلسفة السياسية يوسف جميل القرشي، أن "المعتزلة تمثل لدى الحداثيين مرحلة فاصلة داخل المدارس الإسلامية سواء فيما يتعلق باللحظة التاريخية التي عاشوا فيها أو من خلال آثارهم الممتدة داخل السياق الإسلامي الذي لحقهم".

 

اقرأ أيضا: هل دمج الإسلاميين بالنظام السياسي يحيلهم إلى علمانيين؟

وواصل حديثه بالقول: "لقد مثّل المعتزلة التوجه العقلاني المتمسك بالمفاهيم المنطقية والعقلية الرافضة لـ"الجبر" الأشعري لكنه في الوقت ذاته داخل نسيج أهل القبلة بالعموم، بالتالي استطاع المعتزلة أن يحدثوا تغييرا في "البارادايم (النموذج) السائد -إن صح التعبير- وصل إلى حد تغيير النظام العقدي المسيطر على مؤسسة الخلافة" على حد قوله. 

وردا على سؤال "عربي21": ما الذي وجده الحداثيون العرب في فكر المعتزلة فحملهم على التعلق الظاهر به، أوضح الباحث القرشي أن "النصوص التي أنتجها المعتزلة والاحتجاجات التي ذكروها في مواجهة "الإسلام التقليدي" مادة خصبة جدا للاقتباس الحداثي، لأنها ذو عمق شرعي يفتقر الحداثيون إليه بالعموم سواء من ناحية المعلومة ذاتها، أو من ناحية الاستقراء التاريخي لتطور المعلومة، وطريقة الاستدلال لها وبها". 

وذكر القرشي أن الفرق الأساس بين مشروعي المعتزلة الجدد والحداثيين يكمن في الغاية، فالخطاب الاعتزالي يسعى في النهاية -كما يصرح- لإعادة الإسلام إلى الساحة الحضارية من خلال توسيع مفاهيمه، ويقدر مرجعية الوحي (وإن فسروها بشكل مختلف)، لكن الخطاب العلماني أو الحداثي يحاول الوصول إلى تفكيك كامل لمنظومة التدين الإسلامي أو على الأقل تحييد أثرها على واقع الشعوب، فهو يتبنى الخطاب الاعتزالي لمجرد استخدام الأدوات دون تبني الغاية". 

وفي السياق ذاته، أشار الباحث والأكاديمي المصري، الدكتور هاني نسيرة، إلى أن "الحداثيين العرب وجدوا في المعتزلة جذرا عقلانيا يستندون إليه في دعواتهم العقلانية لمواجهة التشدد والتقليد الأعمى للتراث، فالثناء عليها منطقي في عدد من الأبواب وهو أمر مفهوم ومقبول".

وأضاف لـ"عربي21": "لكن النظر المتأني يُظهر فروقا جوهرية وأساسية بين الاتجاهين، فالعلمانية المعاصرة مصدرها غربي وتهدف لمرجعية غير دينية، تفصل مع الدين، لكن المعتزلة فرقة تهدف للإصلاح الديني في إطار المرجعية الإسلامية نفسها". 

من جانبه، وصف الأكاديمي والباحث المغربي، فؤاد هراجه "الحداثيين العرب في توظيفهم الانتقائي للتراث المعتزلي بأنهم وقعوا في سوء فهم مقصود أو غير مقصود"، معلّلا ذلك بقوله: "فعقلانية المعتزلة نابعة من القرآن الكريم وغايتها الدفاع بالعقل عن عقيدة الإسلام في بيئة انتشرت فيها ملل ونحل مخالفة، أما عقلانية الحداثيين فهي تستغل التراث المعتزلي لضرب مبادئ ومرتكزات الدين من أصله". 

 

اقرأ أيضا: باحث في الفكر الإسلامي يحذّر من القراءات الحداثية للقرآن

وقال لـ"عربي21": "إضافة إلى أنها تخدم مشروعا خارجا تماما عن الدين بل ومعاديا له في كثير من الأحيان، لذا فإن الحداثيين وإن كانوا يشيدون بعقلانية المعتزلة، فإنهم معهم على طرفي نقيض من حيث المنطلقات والغايات". 

وشدد هراجه في نهاية حديثه على أن "الحداثيين يغفلون عن أن المعتزلة يقدمون العقل على النقل ليس تقديم تشريف وإنما تقديم ترتيب، فالكتاب والسنة والإجماع لا يمكن النظر فيها إلا بواسطة العقل، أما الحداثيون العرب فيدعون إلى القطيعة مع الماضي، ومنه التراث الذي يرونه يشكل حجر عثرة في وجه الحداثة، لذا فإننا نذكر الحداثيين بأن المعتزلة خير مدافعين عن الإسلام في مواجهة الفلسفات العقلانية اللادينية والملحدة"، وفق قوله.