طالبت مؤسسات حقوقية في لبنان بضرورة إنهاء "السطوة
السياسية" على القضاء اللبناني من قبل بعض القوى على حساب حقوق اللبنانيين
بشكل عام، فيما استنكرت هيئة العلماء المسلمين في لبنان ما وصفته ضعف العدالة في
لبنان، نتيجة سياسة "الكيل بمكاييل مختلفة" بناء على الانتماءات الطائفية
والسياسية، التي أفضت مؤخرا إلى الإفراج عن متهمين جنائيين وتجار مخدرات ينتمون إلى
الطائفة الشيعية، بينما يبقى ملف الموقوفين الإسلاميين معلقا من دون محاكمات أو
إصدار قانون عفو.
يأتي ذلك بعد كشف النقاب عن إخلاء سبيل متورطين في الاتجار بالمخدرات
رغم وجود دلائل ضدهم، نتيجة التدخلات السياسية التي يقول نشطاء وحقوقيون إنها "باتت
تهيمن على المسار القضائي في لبنان".
وتعهدت حكومة العهد الثانية برئاسة سعد الحريري، بمحاربة الفساد في
القضاء وإصدار قانون عفو يقول الحريري بأنه سيشمل موقوفين إسلاميين، غير أنّ "المحاصصة"
السياسية التي أقحم السلك العدلي بها أيضا، تقلّل بحسب مراقبين من فرص تطوير الجهاز
القضائي.
ويشدّد رئيس مؤسسة "لايف" لحقوق الإنسان المحامي نبيل الحلبي على "مماطلة مقصودة في قضية الموقوفين
الإسلاميين، إلى جانب العديد من المسجونين من دون محاكمات"، معتبرا أن
"المنظمات الحقوقية ترفض بالمبدأ إصدار قوانين العفو، وتطالب بالمحاسبة
للمذنبين وعدم الإفلات من العقاب، لكن موافقتنا و مطالبتنا باعتماد قانون العفو
جاء بفعل العجز في لبنان عن الوصول إلى العدالة مع بروز الانتقائية في الملاحقات
والمحاكمات والتوقيفات".
"انتقائية"
وأوضح الحلبي في تصريحات لـ"عربي21"
أن الانتقائية تتسارع في الآونة الأخيرة من خلال تسويات لملفات "متعاملين مع
الاحتلال الإسرائيلي وتجار مخدرات، وإخلاء سبيلهم من المحكمة العسكرية بالاكتفاء
بمدة توقيفهم، حتى إن بعض المفرج عنهم متورط بإطلاق نار على القوى الأمنية خلال
تأدية عملها".
ولفت الحلبي إلى أن المتضرر الأول مما يحصل على
المستوى القضائي، هم "الطائفة السنية حيث تتسارع عملية إخلاء موقوفين بتهم
وجرائم مختلفة، في حين ينتظر أهالي السجناء الإسلاميين إصدار قانون عفو، يشمل من هو
متورط أو من هو بريء من التهم المنسوبة إليهم"، مشيرا إلى أن
"الاعتصامات التي ينظمها أهالي الموقوفين الإسلاميين، هي محاولة ضغط للإسراع
في إصدار قانون العفو".
وحول ما يقوله أهالي السجناء من ضعف القرار
السياسي السني في مساندة قضايا أبنائهم على غرار الطوائف الأخرى، قال الحلبي:
"المسألة لا تكمن فقط في الضعف السياسي، وإنّما هناك تشبيح داخل مجلس الوزراء
من قبل حزب الله ومنطق الاستقواء بالسلاح، ليفرض الإفراج عن مجموعة من تجار
المخدرات من الطائفة الشيعية، وفي الوقت عينه يعمل نواب مسيحيون على تسوية أوضاع
عملاء للاحتلال الإسرائيلي، ضاربين بعرض الحائط المصلحة الوطنية"، مضيفا:
"يبقى الحلقة الأضعف هم المتهمون بقضايا تحت مسمى الإرهاب، ولكنّ هذه التسمية
لا تنطبق على أغلبية الموقوفين الإسلاميين ومن بينهم مجموعة الشيخ أحمد الأسير،
حيث لم يكن مصنفا في خانة الإرهاب قبل ما يعرف بأحداث عبرا والاشتباك مع الجيش
اللبناني، علما أن هناك من اشتبك مع الجيش اللبناني ولم يصنف في دائرة الإرهاب".
وتابع: "هناك شتاء وصيف تحت سقف واحد في
إطار تسييس القضاء وتوجيهه نحو فئة معينة من اللبنانيين، وهو ما يمنع من تحقيق
الشراكة الوطنية وتطبيق العدالة بمفهومها الحقيقي". وعن مدى إمكانية وصول الحكومة إلى
هدفها في محاربة الفساد على المستوى القضائي، كما أعلنت، قال: "كان الأمر
متاحا قبل ثلاث سنوات حين لم تصدر التعيينات القضائية، أما وقد صدرت بناء على محاصصة
سياسية بين المكونات الموجودة في الحكومة، فإنّ استقلالية ونزاهة القضاء تبقى موضع
شك، حيث إن المعينين في سلك العدالة يتبعون من منحهم عطية توظيفهم"، مبينا أن
"الملاحقات التي طالت نشطاء في الرأي ممن ينتقدون سياسيين، تأتي في إطار
استخدام القضاء لغايات تخدم الزعماء السياسيين على حساب العدالة واستقلاليتها".
"لا مظلة سنية"
ووصف رئيس هيئة العلماء المسلمين في لبنان
الشيخ عدنان إمامة ما يحصل في السجون، بأنّه معاناة مزمنة في ظل استمرار "الظلم
بحق المئات من الموقوفين بتهم باطلة، في وقت يقرّ العديد من المسؤولين بأحقية قضية
السجناء الإسلاميين، لكنّهم لا يتحركون باتجاه رفع الضيم عنهم"، لافتا في
تصريحات لـ"عربي21" إلى أن "التعويل كان كبيرا على قانون العفو
الذي طال انتظاره، إلا أنّ هذا الملف تائه في دهاليز السياسة اللبنانية".
وأكد أن هيئة العلماء المسلمين تضع قضية الموقفين
الإسلاميين في أولوياتها، وهي على تواصل بهذا الخصوص مع المسؤولين الرسميين كافة الذين
التقى بهم العلماء مؤخرا، وأشار إلى أنّ معاناة سلب الحرية هي عنوان عريض تتفرع
منه سلسلة من التضييقات وأسلوب القهر، الذي يمارس من قبل إدارة السجون، حيث يجبر
أهالي الموقوفين ومن بينهم نساء على اتباع إجراءات قاسية، أبرزها التفتيش عبر تعرية
النساء الزائرات وإحضار السجناء مكبلي الأيدي والأرجل أمام ذويهم"، منوها إلى
أن وزيرة الداخلية ريا الحسن اتخذت خطوات إيجابية لكنها غير كافية في مسألة تخفيف
الممارسات، التي تنفذ تحت ذريعة التدابير الأمنية".
ودعا إمامة المسؤولين اللبنانيين إلى "زيارة
السجون بأنفسهم والاطلاع على حجم الكارثة الموجودة، والأسلوب اللا إنساني الذي يتبع
بحق الأسرى بحجة أنّهم موقوفون بتهم إرهاب"، كاشفا عن اطلاعه على ملف أحد
الموقوفين الذي تم الإفراج عنهم بعد 62 شهرا، من دون أن توجه بحقه تهمة أو حتى
يعرف ما السبب الذي أوقف من أجله، قبل أن
يقرّر إخلاء سبيله".
ورأى أنّ "الإفراج عن موقوفين جنائيين يتمّ
بسبب سطوة الجهة السياسية التي يتبع إليها هؤلاء على المقدرات السياسية والقضائية،
وبسبب ترهل الحالة السنية وافتقادها للمظلة الحقيقية"، مشددا على "وجود عشرات
الأشخاص القابعين في السجون من أهل السنة دون توجيه تهم بحقهم، حتى إنّ الأهالي
يتوسطون حاليا بفعل يأسهم لدى نواب حزب الله والتيار الوطني الحر بدلا من نواب
طائفتهم، لقناعتهم بعجز الأخيرين عن القيام بخطوات إيجابية لصالح السجناء الإسلاميين".