التصعيد الروسي والنظام السوري الأخير في الشمال السوري المحرر، مستهدفا مناطقه بالبراميل المتفجرة، بعد أن توقف ذلك لفترة تتعدى العام، لكن استهدافه الوحشي لأكثر من 35 بلدة في ريفي إدلب وحماة، جدد الأخطار بتفجّر الوضع العسكري من جديد في سوريا، لا سيما بعد حالة الانسداد السياسي والعسكري التي تميزت بها الساحة السورية على مدى السنتين الماضيتين، فبينما اعتبرت الأمم المتحدة التصعيد الأخطر من نوعه خلال الـ 15 شهرا الماضية، بعد أن أرغم مئات الآلاف من السكان على الهجرة من جديد من مناطق القصف الجوي، فضلا عن إيقاعه مئات القتلى والجرحى، وأتى هذا بعد فشل الجولة الأخيرة من الأستانة، إذ رأت واشنطن أن خطة سلام الأستانة قد فشلت ولم تقدم أي حل لما تصفه بالمعضلة الثورية، ولذا دعت إلى العودة لمسار جنيف، وهو يعكس إحراجا روسيا على المستوى العملياتي الداخلي، فضلا عن الفشل السياسي في طرح الأستانة كبديل عن مسار جنيف.
جاءت التصريحات التركية- الأمريكية الأخيرة المشيرة إلى قرب التوصل لاتفاق بشأن المناطق الآمنة في الشمال السوري لتزيد من القلق والضغط على روسيا، وهو ما قد يكون السبب في دفعها إلى التصعيد العسكري، كونها ترى أن الأتراك قد يتجهون صوب الأمريكيين، ويتخلون عن التحالف مع روسيا، وتحديدا فيما يتعلق بالقضية السورية، وزاد من الأمر، عقد الائتلاف الوطني السوري المعارض أول جلسة له في بلدة الراعي شمال سوريا لانتخاب رئيس جديد له، كل هذا زاد من القلق الروسي في أن تكون البوصلة التركية قد تحركت باتجاه مكان آخر، قد يضر بالمصلحة الروسية في سوريا.
هذا كله تزامن مع فشل قمة الأستانة الأخيرة، التي لم يتم التوصل فيها إلى اتفاق بشأن الدوريات الروسية- التركية المشتركة، إذ إن روسيا تصر على تسيير دوريات لها في الشمال المحرر، وهو أمر تم رفضه من كل الفعاليات المدنية والسياسية فيه، بعد كل الذي قامت به روسيا من دعم النظام، والمشاركة في قتل الشعب السوري، وتدمير بناه التحتية على مدى سنوات الثورة، لا سيما بعد الاحتلال المباشر عام 2015، فقد رأى الأتراك خلال سنوات تعاملهم مع الروس بما يتعلق بالشأن السوري، تكرار الانقلاب الروسي على تعهداتهم والتزاماتهم، فبعد أن كانت مناطق الثورة مشمولة بخفض التوتر انقلبوا عليها واحدة تلو الأخرى، كما حصل في الغوطة وحمص ودرعا، واليوم في إدلب .
اللهجة الأمريكية الأخيرة السياسية والعسكرية توحي بأن الروس أمام خيار التصعيد العسكري المستمر، ومن ثم المواجهة التي قد تودي إلى نصب مصيدة وشراك للدب الروسي لاستنزافه في سوريا، حاول تجنبها وتحاشيها على مدى سنوات من خلال التحالف مع تركيا، وتأخير أو تأجيل قضم ما تبقى من الشمال المحرر، ولكن مع وصول لحظة الحقيقة، فإن أمام الروسي الذهاب بالخيار العسكري إلى منتهاه، وهو الذي يواجه أزمة وشقاقا وتصدعا مع حليفه الإيراني.
روسيا يتم جرها إلى مصيدة وشراك حقيقي، وقوى الثورة التي تجرأت لأول مرة منذ فترة طويلة على دك القرداحة، وكذلك قاعدة حميميم وإعلان فصائل مقربة من تركيا قتلها أربعة جنود روس، يوحي بأن التوتر الروسي- التركي انعكس بشكل مباشر بتصعيد على الأرض، ومن ثم فإن أمام الثورة وفصائلها فرصة لتعزيز المواقف وتعظيم الجوامع الثورية، خصوصا مع تناغم القوى العسكرية بعضها مع بعض في الرد على الهجمات الروسية والسورية، فضلا عن تناغم الفصائل العسكرية مع الحاضنة الثورية في الشمال المحرر.
عن صحيفة العرب القطرية