تتجلى كنوز الحضارة العربية بروحها الإسلامية في مدينة مرسيليا الفرنسية
الواقعة جنوبا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث تتلألأ في صالات "متحف
حضارات أوروبا والمتوسط" (Mucem) العديد من المقتنيات القيّمة، إلى جانب عروض سينمائية تحاكي أزمات
البلدان العربية، ثوراتها وأوجاعها، من فلسطين حتى المغرب مرورا بسوريا والخليج.
في متحف "موسم" تجتمع الحضارات المتوسطية بأشكالها ولغاتها
وقومياتها كافة، فيما تظهر الحضارة العربية من خلال نحو 2250 قطعة أثرية تضم التمائم
والكتب الدينية والعلمية والأيقونات والخرائط وأدوات الإبحار والمنسوجات وأدوات
الزراعة واللوحات الفنية الجميلة. أيضا من بين المقتنيات نحو 650 قطعة مرجعها
العالم الإسلامي، لعل أبرزها نسخة نادرة من القرآن الكريم باللغة العربية مُزخرَفة
ومنسوخة بخط اليد بطريقة جميلة جدا.
بُعد جمالي
البُعد الجمالي للحضارة العربية حاضر بقوة في بعض المقتنيات، خصوصا التمائم
المصنوعة من الفضة والذهب وحبات الزجاج، والمنسوجات المصنوعة من الصوف والمخمل
والقطن وتلك المُطرزة بعناية، ومنها ما هو مُحاك بأسلاك ذهبية، بينما تلفت أنظار
الزوار زخرفة تلك الساعة الرملية الأفقية التي تتزين بنقوش مثلثة وألوان متناسقة.
أما الخط العربي الذي يتجلى من خلال نقوش مكتوبة على القماش، فلا تقل قيمته
الجمالية عن تلك المُكتشفات الأثرية التي تعود لعصور إسلامية خلت، ناهيك باللوحات
المرسومة التي تنقل إلينا أجواء مراحل مختلفة من التاريخ العربي والإسلامي.
الثورة التونسية
على صعيد النشاطات الفنية والثقافية، يستضيف المتحف
معرضا ضخما حول أرشيف الثورة التونسية في ذكراها الثامنة، الذي بدأت أعماله تحت
عنوان "لحظة تونسية" في 20 آذار/ مارس الماضي، ويستمر حتى نهاية شهر أيلول/
سبتمبر.
يتتبع هذا النشاط أحداث تسعة وعشرين يوما من الثورة التونسية منذ شرارة
سيدي بوزيد حتى سقوط الرئيس بن علي.
ويعتمد على أرشيف واسع يتكون من مقاطع فيديو وصور ومدونات وتسجيلات صوتية،
بالإضافة إلى قصائد وشعارات وأغان وإصدارات من المجتمع المدني، تم جمعها بواسطة
العديد من المؤسسات الوطنية العامة التونسية.
على هامش هذا المعرض، يتم تخصيص مساحة عامة للتونسيين بين
3 و5 أيار/ مايو المقبل، تتضمن شهادات لناشطين في قضايا المجتمع المدني، حول تونس
المعاصرة في ضوء تاريخها، واجتماعات ومؤتمرات بعنوان "لحظة تونسية- العمل والكرامة
والحرية!".
السينما والوجع
يحتفل المتحف أيضا بمنجزات الفن السابع، فيعرض
العديد من الأفلام الروائية والوثائقية التي كان معظمها هذا الشهر من إنتاج عربي
أو عربي غربي مشترك، فيما تم تخصيص برنامج خاص بأعمال المخرج المصري الراحل يوسف شاهين (1926-2008).
لكن اللافت في معظم هذه الأفلام، أنها تنقل لحظات إنسانية صعبة يعيشها
الإنسان العربي في أكثر من بلد، حيث تتشابه صورة الوجع الناتجة عن الحرب أو عن
الاحتلال أو عن الاستبداد بمظاهره كافة.
من فلسطين، تم عرض شريط بعنوان "العبور" للمخرج أمين نايفة، يتناول
فيه الألم الذي يعيشه الفلسطينيون بسبب الجدار العازل الذي زاد طين الاحتلال بلّة.
استطاع نايفة في هذا الفيلم أن يعيد لفت الأنظار إلى معاناة الفلسطيني، رغم
كثرة المشاكل التي يعيشها العالم العربي.
بيد أن الفيلم الثاني الفلسطيني "أبولو غزة"موضوعه مختلف، إذ
يتناول قصة تمثال أبولو الذي تم اكتشافه في العام 2013، قبالة ساحل غزة وعمره نحو
2500 عام، الذي اختفى في ظروف غامضة.
من سوريا أيضا، كان هناك أفلام تراجيدية بامتياز عرضها متحف
"موسم" هذا الشهر مثل فيلم طلال دير كيالسوري "من الآباء والأبناء"، الذي يتناول حياة أحد قادة فصيل إرهابي وعلاقته بعائلته.
كذلك فيلم سواد كعدان "اليوم الذي فقدت فيه ظلي"، وهو قصة سناء
التي تربي ابنها البالغ من العمر 8 سنوات ورحلة البحث عن غاز للطبخ وتدفئة للمنزل،
تقودها إلى منطقة محاصرة قرب دمشق حيث تعيش تجربة أليمة.
أيضا يعيدنا الجزائري مالك بن إسماعيل إلى أجواء الحرب في فيلمه
"معركة الجزائر"، الذي يتناول قصة الثورة التي صنعت الاستقلال.
المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المُستفحلة وقضايا الهجرة، يمكن
لمسها في أفلام تونسية ومغاربية ومصرية، لعل أيضا فيلم "تمبلهوف"
اللبناني يصب في هذا السياق، حيث يتتبع رحلات اللاجئين في العاصمة الألمانية على
مدار عام إلى مطار تمبلهوف المهجور الذي أصبح متنزها.
ربما كانت كنوز متحف "موسم" العربية التاريخية والأفلام التي
يعرضها الآن أفضل تجسيد لحياة العرب بين الأمس واليوم.