قالت الأكاديمية السعودية المعارضة، مضاوي الرشيد، إن حملة الإعدامات التي قامت بها السعودية مؤخرا والتي طالت العشرات دفعة واحدة، لن توقف الاحتجاجات السلمية، ولا حراك المجتمع الشيعي السعودي السلمي، "والذي لم يتوقف عن النضال من أجل المساواة لما يزيد عن نصف قرن".
وقالت الرشيد في مقال نشرته صحيفة "ميدل إيست آي"، وترجمته "عربي21"، إنه "تم جمع المساجين معاً ووجهت لهم عدة تهم مبهمة مثل الإرهاب والتآمر لتقويض الأمن والتجسس ونشر التشيع وارتكاب جرائم قتل، أما الرجل الذي صلب فقد اتهم بقتل امرأة والتآمر على قتل أخرى".
اقرأ أيضا : "CNN" تنشر وثائق لاعترافات الـ 37 الذين أعدمتهم السعودية
وأضافت الرشيد: "ولكن رجاء لا تتساءل فيما إذا كان الخمسة عشر رجلاً الذين خططوا ونفذوا جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر الماضي كانوا من بينهم".
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
لن توقف الإعدامات الاحتجاجات السلمية ولا حراك المجتمع الشيعي السعودي السلمي والذي لم يتوقف عن النضال من أجل المساواة لما يزيد عن نصف قرن.
أعلنت مصادر رسمية سعودية يوم الثلاثاء عن إعدام جماعي لسبعة وثلاثين سجيناً، أحدهم تم صلبه بشكل يبعث على الاشمئزاز بعد إعدامه.
تم جمع المساجين معاً ووجهت لهم عدة تهم مبهمة مثل الإرهاب والتآمر لتقويض الأمن والتجسس ونشر التشيع وارتكاب جرائم قتل. أما الرجل الذي صلب فقد اتهم بقتل امرأة والتآمر على قتل أخرى.
ولكن رجاء لا تتساءل فيما إذا كان الخمسة عشر رجلاً الذين خططوا ونفذوا جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر الماضي كانوا من بينهم.
فهؤلاء لم يرد ذكر اسم أي منهم، ولم توجه لأي منهم تهم في محكمة سعودية علنية، والأغلب أنهم لن يحكم عليهم أبداً بالإعدام حتى لو ثبتت في حقهم الجريمة.
جاء في بيان بثته وكالة الأنباء السعودية ما يلي: "تم تنفيذ عقوبة الإعدام بعدد من المجرمين الذين تبنوا أفكاراً إرهابية متطرفة وشكلوا خلايا إرهابية بهدف الإفساد وتقويض الأمن بالإضافة إلى نشر الفوضى والتحريض على النزاع الطائفي."
تقوم منظمة العفو الدولية إن ما لا يقل عن 104 أشخاص تم إعدامهم حتى الآن هذا العام. وفي عام 2018 بلغ عدد ما تم تنفيذه من عمليات إعدام 149.
السخرية بالعدالة
أربعة وثلاثون من الأشخاص الذين أعدموا على الأقل هم من النشطاء والمهنيين ورجال الدين الشيعة بما في ذلك عدد من الشباب الذين كانوا قصراً لحظة اعتقالهم. وهذا يعتبر عدواناً شنيعاً على المجتمع الشيعي في المملكة العربية السعودية.
لابد أن المجتمع الشيعي في حالة من الصدمة والحزن على ما فقد، وخاصة أن عدداً كبيراً من السجناء الشيعة الشباب كانوا قد اعتقلوا منذ وقت طويل بدءاً من مطلع عام 2011، وذلك حينما انطلقت في المنطقة الشرقية مظاهرات تطالب بإطلاق سراح المساجين السياسيين.
تمثل هذه العقوبة الجماعية سخرية بالعدالة لعدة أسباب. أولاً، لا يمكن الوثوق بأن النظام السياسي الذي يُخضع القضاء لسلطته المطلقة لديه الأهلية لتوفير عدالة حقيقية.
ثانياً، تقوض المحاكمات مصداقية نظام العدالة السعودي. أضف إلى ذلك أن انتزاع الاعترافات تحت التعذيب، والذي بات ممارسة شائعة في مثل هذه القضايا التي تنتهي بإصدار أحكام بالإعدام، لا ينجم عنه سوى القهر والظلم، ويفضي إلى انتزاع أقوال من السجناء لا يمكن الاعتماد عليها، ناهيك عن أن ذلك يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
ولكن من الطبيعي ألا يعبأ النظام السعودي بمثل هذه التفاصيل، فهو نظام لا يخضع لأي مساءلة أو محاسبة، الأمر الذي لا يتيح فرصة للاعتراض على الأوضاع المزرية داخل السجون وعلى ما يجري خلف الأبواب المغلقة.
بالإضافة إلى ذلك، عندما ندرك أن المحامي وليد أبو الخير والناشطة النسائية لجين الهذلول، هما من بين مئات سجناء الرأي الذين تجري محاكمتهم بتهم الإرهاب على الرغم من أنهم نشطاء مسالمون، فإن بإمكاننا استنتاج أن النظام يعتبر من يقوم بتفجير الناس لا يختلف عمن يكتب مقالاً أو يغرد برسالة أو يتقدم بوصفه محام للدفاع عن سجين سياسي أو سجين رأي.
ثم إن وضع جميع السجناء الذين تم إعدامهم في سلة واحدة بتهمة الإرهاب يقصد منه التصدي لأي نقد يوجه للحكومة، وبشكل خاص للملك سلمان، الذي يوقع على أحكام الإعدام قبل تنفيذها.
بل إن أي انتقاد يوجه لمثل هذه المجزرة، والتي ارتكبت خلف الأبواب المغلقة ثم عرضت على الجمهور كما حدث في حالة المعدوم الذي تم صلبه، يواجه بطوفان من المتصيدين الموالين للنظام الذين يبررون عمليات الإعدام بحجة أنها نفذت بحق ضالعين في الإرهاب، بل ويصل الأمر بهؤلاء إلى أن يتهموا المنتقدين بالتعاطف مع الإرهاب.
في مثل هذا الوضع لا تسلم حتى المنظمات الدولية المعتبرة مثل العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال) وهيومان رايتس واتش – وكلاهما أصدرت تقارير عن الإعدامات وشككت في مصداقية حكاية الدولة السعودية عن الإرهاب، من الاتهام بالتعاطف مع الإرهابيين.
وحتى في الحالات النادرة التي تعبر فيها حكومة غربية عن شكها وعن قلقها أو عن تحفظها على الأعداد الكبيرة من الإعدامات، فإن السعوديين يعودون إلى التشبث بالتبرير القائل بأن هذا بالضبط ما يتوقعه الغرب، أي استخدام القبضة الحديدية في التعامل مع الإرهاب.
يعتبر النظام السعودي نفسه رائداً في مكافحة الإرهاب، بوصفه مشاركاً في "الحرب على الإرهاب" وفي التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ويعتقد إذ ذاك أن الإعدامات الجماعية ينبغي أن تلاقي الترحيب لا النقد أو الاستهجان. لقد باتت التهم المبهمة ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب مظلة يتضافر تحتها قضاء غير شفاف ونظام صارم على إسكات كل صوت معارض أو مخالف.
احتواء إيران؟
وأخيراً من المهم الإشارة إلى السياق السياسي الذي جرت فيه الإعدامات الأخيرة. فقد عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية بمهمة احتواء إيران، بمعنى أنه بالإضافة إلى دوره في مكافحة الإرهاب، يُعتبر النظام السعودي في نظر واشنطن حليفاً لا يمكن الاستغناء عنه في مواجهة النظام في إيران.
وبناء عليه، يمكن بطريقة غامضة وملتوية اعتبار إعدام هذا العدد الكبير من السجناء الشيعة جزءاً من "الحرب مع إيران".
إلا أن إيران لن تؤثر فيها جريمة القتل الجماعية هذه. كل ما سيصدر عنها هو التنديد بإعدام من ينتسبون إلى مذهبها كما فعلت عندما أعدم الشيخ نمر النمر في عام 2016. حينها، تعرضت السفارة السعودية في طهران لهجوم انتقاماً لإعدام النمر وتدهورت العلاقات بين البلدين بشكل خطير.
أما الضحايا الحقيقيون للظلم الذي مارسه النظام السعودي في الثالث والعشرين من إبريل / نيسان، فهم الشيعة السعوديون، الذين يمثلون أقلية تعيش على الهامش، والذين مهما بالغوا في إظهار الاحترام والولاء للنظام السعودي، سيظلون متهمين بالولاء لإيران.
خلال التسعينيات، عاد كثير من النشطاء الشيعة من المنافي إلى المملكة العربية السعودية، واستمروا في الكتابة عن المواطنة والمشاركة ورفض الطائفية. رحبوا حينها بإشراكهم في الحوار الوطني في عهد الملك عبدالله كما رحبوا بالمشاريع التنموية والإنشائية الجديدة التي تنفذ في مناطقهم في عهد الملك سلمان.
ومع ذلك، يخفق مركز التسوق الضخم الذي أقيم في القطيف، والذي تزينه الأشجار المغروسة حديثاً والإنارات التي تأخذ بالأبصار، في تبديد الشعور بالتهميش والإقصاء. أقل ما يمكن أن يقال في هذا المشروع أنه لم يضمن إجراء محاكمات عادلة لكثير من السجناء الشيعة الذين تم إعدامهم، والذين كان كثيرون منهم مجرد متظاهرين سلميين يطالبون باحترام حقوق الإنسان.
يمكن اعتبار الإعدامات الأخيرة رسالة موجهة إلى إيران، وإن كانت تشكل في الحقيقة ضربة قاصمة للتعايش السلمي والانسجام داخل المملكة العربية السعودية ذاتها. ومن المؤكد أن تلك الإعدامات لن تضع حداً للاحتجاجات السلمية وللحراك السلمي لهذا المجتمع، الذي ما فتئ أفراده يناضلون من أجل المساواة لما يزيد عن نصف قرن.
مذبحة بالجملة
إن الإعدام عقوبة كريهة ذات عواقب وخيمة، وينبغي أن تلغى تماماً، سواء في البلدان الديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو، وبشكل خاص، في تلك الأنظمة الاستبدادية التي تلجأ إليها وسيلة لتخويف وترهيب المواطنين.
وما من شك في أن الصلب أسلوب آخر لبث الرعب في النفوس وتثبيط الناس المحرومين أصلاً من حقوقهم الأساسية ومن الحرية التي يتمتع بها كثيرون غيرهم.
ولا شك أيضاً في أن أي مطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام داخل المملكة العربية السعودية سوف تفسر على أنها سعي لتقويض الالتزام بإقامة العدل طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. إلا أن مثل هذا الزعم مجرد ذريعة للاستمرار في اللجوء إلى العقوبات المهينة والمشينة.
من المؤكد أن العلماء المسلمين بإمكانهم مساندة الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وخاصة عندما تصبح أداة قمعية في يد نظام مثل النظام السعودي، حيث لا وجود لنظام قضائي نزيه وشفاف.
إذا كانت المملكة العربية السعودية ملتزمة حقاً بإقامة العدل على الطريقة الإسلامية، فإن عليها أن تثبت ذلك من خلال محاكمة المتهمين بقتل جمال خاشقجي في محكمة علنية يتمكن من الحضور فيها مراقبون مستقلون. لكن إلى أن يحصل ذلك، فإن المذبحة التي ارتكبت بالجملة في الثالث والعشرين من إبريل / نيسان، إنما تثبت أن النظام أبعد ما يكون عن الالتزام بمبادئ العدالة الإسلامية.
ينبغي للمجتمع السعودي كما على المجتمع الدولي الوقوف أمام السهولة التي يتمكن من خلالها النظام في الرياض من إزهاق أرواح مواطنيه.
"لاكروا": ابن سلمان.. الأمير المستبد الذي خلق أعداء كثرا
إندبندنت: مطالب بالإفراج عن عامل إغاثة سعودي اختفى قسريا
واشنطن بوست: لهذا يجب مواصلة الضغط على السعودية