أصبح رئيس مجلس الأمة الجزائري عبد القادر بن صالح رسميا، رئيسا مؤقتا للدولة في الجزائر لـ3 أشهر، بصلاحيات محدودة للغاية، تطبيقا لما ينص عليه دستور البلاد.
ويلقى هذا الخيار رفضا واسعا من الحراك الشعبي ومن أحزاب من المعارضة، ما يرشح الأزمة السياسية إلى التعقيد في الأسابيع المقبلة.
واجتمع البرلمان بغرفتيه لتثبيت شغور منصب رئيس الجمهورية وإعلان عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة، في مراسيم أقيمت بقصر الأمم بالجزائر العاصمة، بحضور 477 نائبا وعضو مجلس الأمة، وفي ظل غياب شبه كامل لنواب المعارضة.
وتركت كلمة ابن صالح، فور إعلانه رئيسا للدولة، تساؤلات كثيرة لدى المتابعين، خصوصا بعد أن أكد أنه "سيلتزم بالتطبيق الصارم للدستور"، ما يعني عدم تغليف المادة 102 من الدستور بحلّ سياسي يُمكن من التخفيف من قيودها الكثيرة التي لا تسمح بتلبية كل مطالب الحراك الشعبي، وعلى رأسها التغيير الجذري للنظام.
ويعد ابن صالح، من قياديي حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وهو حزب السلطة الثاني الذي كان في مرمى الحراك الشعبي. وقد شغل عدة مناصب سامية في الدولة، لكنه سياسي شديد التحفظ ولا يخرج أبدا عن النص.
ويقول عارفون بشخصية ابن صالح، أنه رجل "طيّع" ولا يهوى الصدام السياسي، ما يرجّح أن يكون قبوله بهذا المنصب جاء وفق ترتيبات مع باقي مكونات النظام.
موقف الجيش
ويبقى موقف المؤسسة العسكرية مما يجري، شديد الغموض، فرئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، كان هو المحرك الأساسي لتفعيل المادة 102 من الدستور ووعد بتحقيق كل مطالب الشعب، بما فُهم منه في الوهلة الأولى أنه لن يرضى بتعيين ابن صالح رئيسا للدولة، لكن الجيش في النهاية ترك الأمور تسير في إطارها الدستوري الذي يفضي إلى ما يرفضه الحراك.
واللافت أن رئيس أركان الجيش الذي كانت كلمته منتظرة بشدة خلال زيارته لوهران غربي الجزائر، لم يشر تماما إلى تعيين ابن صالح. وترك إشارة مبهمة يقول فيها إن "الجيش سيواصل بذل قصارى الجهود في ما ينسجم ويتساوق تماما مع حق الشعب الجزائري الشرعي في الاطمئنان الكامل على حاضر بلاده وعلى مستقبلها".
صلاحيات محدودة
ويتيح هذا المنصب، صلاحيات محدودة لابن صالح، إذ يُعدّ محروما من القيام بأي تعديل حكومي أو المبادرة بتعديل الدستور أو إصدار مراسيم تشريعية في فترة غياب البرلمان أو القيام بتعيينات في هيئات الدولة ومؤسساتها.
ويحصر الدستور الجزائري، تقريبا صلاحيات "رئيس الدولة" في العمل على تنظيم انتخابات بالأطر القانونية الموجودة دون أي تعديل. ويعني هذا أن الانتخابات الرئاسية، ستُجرى نظريا في مدى زمني أقصاه 3 أشهر، وبإشراف من حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي وفي ظل قانون الانتخابات الحالي، ما يبقي شبح التزوير قائما.
تمرير سيناريو
وحول ما إذا كانت ترتيبات قد تمت بين الجيش وابن صالح، يقول المحلل السياسي بوعلام غمراسة، إن "الوارد أن تكون قيادة الجيش قد تعمدت تمرير هذا السيناريو في انتظار رد فعل الشارع الجمعة المقبل".
ويضيف غمراسة في حديثه لـ"عربي21" أنه "إذا كان الغضب كبيرا والإصرار على رحيل ابن صالح حادا، سيتدخل قايد صالح من جديد مطالبا بتنحي رئيس الدولة".
ويتابع: "في كل الأحوال، لو استمر ابن صالح كرئيس للدولة، ستكون الجزائر قد طوت صفحة بوتفليقة، لكن فتح أمامها عهدا سيئا يتمثل في التعامل مع مخلفات نظام الرئيس السابق، وحينها سيفقد الجزائريون أي أمل في التغيير الذي فجروا من أجل تحقيقه ثورة سلمية".
المعارضة ترفض
ويرفض جزء من أحزاب المعارضة الجزائرية "القيود الكبيرة التي تفرضها المادة 102، ويطالبون بتجاوزها والذهاب إلى حل سياسي، يتيح الوصول إلى انتخابات نزيهة".
وبرأي الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد المجيد مناصرة، فإن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عندما استقال لغّم الوضع ولم يرد تسهيل الانتقال السلسل للسلطة".
وأضاف في بيان مكتوب له، أن "ما كان مطلوبا منه هو تغيير الحكومة وتعويضها بحكومة مقبولة، وبتعيين شخصية متوافق عليه في مجلس الأمة لتتولى رئاسة المجلس بدلا عن ابن صالح وتتولى بذلك رئاسة الدولة". ويصل إلى خلاصة مفادها أن "بوتفليقة أراد الانتقام من الشعب الذي عزله".
من جهته، اعتبر حزب الحرية والعدالة، أن "هذا القرار لا يساعد على إزالة التوتر الشعبي لأنه يتناقض مع مطلب التغيير الجذري لنظام الحكم الذي يطالب به الشعب في مسيراته المليونية منذ 22 فيفري الماضي".
وطلب الحزب الذي يقوده الوزير السابق محمد السعيد، صراحة من "قيادة الجيش أن تحترم تعهداتها العلنية بتفعيل المادتين السابعة والثامنة من الدستور في إطار التوافق مع القوى السياسية والاجتماعية وممثلي الحراك الشعبي"، وهو نفس ما دعا إلى تفعليه المرشح الرئاسي السابق علي بن فليس.
تواصل الحراك
وتتجه الأنظار اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى الجمعة المقبلة، لقياس نبض الحراك وتعاطيه مع قرار تعيين ابن صالح، في ظل توقعات بأن تكون موجة الرفض الأكبر منذ بدء الحراك.
ويعتقد سمير بلعربي، وهو أحد نشطاء الحراك البارزين، أن تعيين ابن صالح رئيسا للدولة هو "إجراء شكلي روتيني قانوني"، متوقعا أن "يقدم استقالته خلال أيام" تحت ضغط الشارع.
ويشير بلعربي في حديث لـ"عربي21" إلى أن "الشعب الذي خرج ضد بوتفليقة لن يقبل أن يقود ابن صالح المرحلة الانتقالية". مضيفا أن "استقالة ابن صالح ستكون بداية إطلاق قيادة جماعية للمرحلة الانتقالية".
جلسة مرتقبة لبرلمان الجزائر ومخاوف من إعادة انتاج النظام
ربوح: هكذا استطاع بوتفليقة توريط بعض المعارضة الجزائرية
"عربي21" ترصد بالأرقام عودة اللاجئين الطوعية إلى سوريا (ملف)