مثير للجدل، يوصف بالذكاء الحاد، يتقن استثمار المتناقضات، وكثيرا ما يوصف بـ"عبقري الرياضيات".
يحسن المناورات والتمويه، وأحيانا يكون تبادل
الدردشة معه نوعا من التفاوض والاصطفاف السياسي.
امتازت الفترة التي تولى فيها إدارة الأمن الداخلي،
بالعنف في التعامل مع المعارضين وباعتقال آلاف السياسيين في سجون سرية عرفت وقتها
باسم "بيوت الأشباح"، بحسب المنظمات الحقوقية الدولية.
واعترف في لقاء صحفي لاحق بأن "قسوته
البالغة" طالت حتى شقيقه الأكبر، الذي اعتقل وسجن في "بيوت
الأشباح" لأنه كان ينتمي للحزب "الشيوعي السوداني".
صلاح عبد الله محمد صالح (قوش) المولود في عام 1957
في قرية البلل شمال البلاد بمعقل قبيلته الشايقية، اشتهر بلقب "قوش"
نسبة إلى عالم رياضيات هندي كان يتسم بالنبوغ وكان يقيم في القرية.
أثناء دراسته الثانوية التحق بالتيار الإسلامي،
ورافق معظم قيادات الصف الأول من الإسلاميين، الذين سيتولون بعد ذلك أهم المواقع
التنفيذية عندما انقلبوا على ما يعرف في السودان بـ"الديمقراطية
الثالثة". ومعظم القيادات الحالية هم في الواقع ليسوا سوى قيادات طلابية
سابقة في جامعة الخرطوم، جامعة النخبة، وانتمت إلى التيار الإسلامي.
عرف قوش بـ"الذكاء الخارق"، بعد التحاقه
في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم في عام 1976، وكان مسؤولا عن جهاز المعلومات الخاص
بجماعة "الإخوان المسلمين"، الذي كان أقوى تنظيم في الجامعة وسيطر على
معظم اتحادات الطلاب.
عمل بعد تخرجه بدرجة امتياز في مجموعة من الشركات في
مجال الهندسة، و نجح في تصميم "برج التضامن" في وسط الخرطوم، وأصبح عضوا
فاعلا ضمن "مكتب الأمن" التابع للتنظيم الذي سُمي "الجبهة
الإسلامية القومية" في عام 1985.
التحق بجهاز المخابرات الذي أسسه الإسلاميون بزعامة
حسن الترابي، عقب الانقلاب العسكري الذي أوصل الرئيس عمر حسن البشير إلى السلطة في
عام 1989.
وتدرج في جهاز المخابرات حتى وصل إلى منصب نائب مدير
العمليات، لكنه ما لبث أن غادر المنصب في عام 1996 على خلفية اتهامه بالتخطيط
لمحاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا،
رغم نفي قوش المستمر لأي دور لبلاده في محاولة الاغتيال.
خروجه من جهاز المخابرات لم يمنعه من تسلم منصب رفيع كمدير لمصنع "اليرموك للصناعات الحربية"، ليكون بداية انطلاقة
التصنيع العسكري في السودان، كما أنه ساهم في تشييد عدة مصانع لإنتاج الأسلحة
التقليدية، وهو المصنع الذي قصفته "إسرائيل" بحسب الحكومة السودانية.
وسيقف قوش فيما بعد إلى جانب البشير في خلافه مع حسن
الترابي في عام 1999 بعد تأسيس الترابي حزب "المؤتمر الشعبي" المعارض.
ولعب الرجل الدور المحوري في القضاء على وجود أنصار
الترابي في جهاز الدولة، وذلك بحكم صلته بالترابي واطلاعه مسبقا على أغلب أسراره. وأشرف قوش أكثر من مرة بصورة شخصية على اعتقال الترابي وقيادات حزبه بتهمة التخطيط
لانقلاب عسكري.
تعامل مع إخوان الأمس بـ"نعومة" لم
تمنعه من الزج بزعيمه السابق ومرشده في السجن من غير محاكمة.
البشير من جانبه قدر موقف قوش الجديد فعينه في عام
2004 مديرا لجهاز المخابرات، وكثيرا ما شكت بعض أحزاب المعارضة مما اعتبرتها
"فظاظة ووحشية مطلقة" في تعامل قوش مع كوادرها بعد أن تركزت السلطات في
يده. وتحول جهاز الأمن في عهده إلى دولة داخل دولة، حيث تمدد الأمن في الأنشطة
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والرياضية، وصار بمثابة الجهاز
التنفيذي للدولة بدلا عن مجلس الوزراء، على حد قول بعض أطراف المعارضة.
تتهمه جماعات حقوقية غربية بلعب دور في انتهاكات
بإقليم دارفور، وشكلت أزمة الحرب والمأساة الإنسانية في دارفور التي بدأت في عام
2003، علامة فارقة في التاريخ السياسي للفريق قوش؛ فقد شارك في تشكيل قوات التدخل
السريع السودانية المعروفة بـ"مليشيا الجنجويد"، التي قادت الحرب ضد
القبائل غير العربية والمتعاطفة مع حركات التمرد في دارفور، وكان اسمه ضمن لائحة
قدمت إلى مجلس الأمن تضم 17 شخصا متهمين بارتكاب "جرائم حرب" في دارفور.
وبعدما راجت شائعات قوية حول تورطه في محاولة
انقلابية على البشير بدعم أمريكي، أقاله البشير من منصبه في عام 2009 دون إبداء أي
حيثيات وعينه مستشارا للشؤون الأمنية، وبقي في منصبه دون دور حقيقي مهم إلى أن
أقيل بداية 2011.
ورغم إنجازه الأمني بصده مقاتلي حركة "العدل
والمساواة" التشادية، عندما اجتاحت مدينة أم درمان في عام 2008 إلا أنه اعتقل
وبشكل مفاجئ في عام 2012 وسجن سبعة أشهر بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية، واتهم
بالتآمر على الدولة.
وأعلنت السلطات السودانية حينها أن الأجهزة الأمنية
اعتقلت 13 من ضباط الجيش وجهاز الأمن والمخابرات وعناصر مدنيين "لتورطهم"
في محاولة انقلابية، ومن أبرزهم قوش وقائد الحرس الرئاسي الأسبق اللواء محمد
إبراهيم الشهير بـ"ود إبراهيم".
قيل وقتها إنه كان ضحية معركة داخلية من قبل "رجالات للترابي بعدما انحاز للبشير وأقصاهم عن الأجهزة الأمنية وقتها، وعلى رأسهم
القيادي الإسلامي البارز نافع علي نافع".
نفى قوش قطعا تهمة التخطيط لقلب النظام، وأفرج عنه
عام 2013 بموجب عفو رئاسي بعد وساطات تبنتها قيادات رفيعة في حزب "المؤتمر
الوطني" الحاكم.
وسيتراجع بعد ذلك ظهور اسم قوش في عالم السياسة
والأمن، بعد انتقاله إلى عالم المال والأعمال، رغم أنه حافظ نسبيا، على وجوده في
الساحة السياسية، كنائب في البرلمان عن دائرة مروي، التي فاز بمقعدها في عام 2015.
ظل قوش "شبحا غامضا" لا يعرفه معظم
السودانيين، ولم تنشر له صورة واحدة، حتى جاء موعد اكتشاف المخبأ السري لزعيم
الحزب "الشيوعي السوداني" محمد إبراهيم نقد، في الخرطوم في عام 2005 بعد
اختفائه عن الأنظار لأحد عشر عاما.
وحينها وزع جهاز المخابرات خبرا تناقلته الصحف داخل
وخارج السودان يقول إن "قوش زار زعيم الحزب الشيوعي السوداني في منزله".
لعب قوش دورا مهما في التخفيف من العزلة والضغوط
الأمريكية، على الخرطوم بتعاونه المثير للانتباه مع وكالة المخابرات الأميركية (سي
آي إيه) في ملف مكافحة "الإرهاب"، وبحسب صحيفة "لوس أنجلوس
تايمز" فإن قوش سلم الأمريكيين معلومات وملفات مفصلة عن المطلوبين لديها من
"الجهاديين العرب"، الذين كانت الخرطوم تستضيفهم طوال فترة ما قبل هجمات
أيلول/ سبتمبر في عام 2001، بمن فيهم أسامة بن لادن الذي كان مقربا منه.
تعاونه مع "سي آي إيه" تزامن مع الوقت
الذي كانت تضع فيه واشنطن السودان في قائمة الدول الراعية لـ"الإرهاب".
وعلى الرغم من إبعاد السودان زعيم
"القاعدة" أسامة بن لادن من أراضيه في عام 1996 فإن قوش لم يكن مسؤولا
وقتها عن الخطوة.
وكما كان خروجه من المخابرات مثيرا للاستغراب فقد
كانت عودته إلى موقعه القديم مدوية أيضا؛ ففي شباط/ فبراير عام 2018 أصدر البشير
قرارا بتعيينه مديرا عاما لجهاز الأمن والمخابرات ليعود إلى منصبه بعد حوالي عشر
سنوات من الإقالة.
قوش أكد بعد تسلمه منصبه على أن القوات النظامية
كافة في بلاده "مصطفة تماما وراء الشرعية"، مشددا على أنها لن "تسمح
بانزلاق السودان إلى الفوضى"، معتبرا أن "السبيل الوحيد للتغير هو
صناديق الاقتراع".
وخلال الأيام الأولى لاحتجاجات السودان، وفي ظل خروج
عشرات المظاهرات في عدة محافظات، غاب الإعلام الرسمي عن المشهد، لكن قوش بدد ذلك
بتصريح مبهم كعادته أكد فيه أن "إطلاق سراح المعتقلين رهين بتحسن سلوك
أحزابهم" تعليقا على استمرار اعتقال عشرات القادة والناشطين السياسيين، وذلك
في مهرجان إعلامي عقده في سجن "كوبر" بالخرطوم.
هذه التصريحات أثارت الكثير من التساؤلات حول دوافع
البشير لمعاودة الاستعانة بـ"الحرس القديم" في الحزب.
قوش يثير المخاوف والشكوك في كل مرة يظهر فيها
لوسائل الإعلام؛ ففي خطاب ألقاه في حفل تخريج دفعة من ضباط جهاز الأمن والمخابرات،
أكد أن هناك "خمسة جيوش تنتظر ساعة الصفر لتتقدم نحو الخرطوم بعد إشغالها
بالفوضى وأعمال السلب والقتل"، وذلك حتى لا تجد من يقاومها، بحسب قوش.
واعتبر قوش أن "قوى اليسار والحركات المتمردة
تسعى إلى تسلم السلطة" لبدء "العهد الذي انتظروه طويلا وتطبيق مشروع
السودان الجديد".
وأشار إلى وجود "ارتباط لمصالح بعض القوى
السياسية بالدوائر الخارجية"، لافتا إلى "محاولة الهجرة اليومية إلى
سفاراتها" بحسب قوله، ووصف مشاركة "القوى الشريرة" في الاحتجاجات
محاولة لـ"فتح الباب للتخريب والفوضى".
وبالإضافة إلى مسألة حسم ملف تعديل الدستور الذي
يمكن الرئيس البشير من الترشح للرئاسة في عام 2020، فإن البشير يعول على علاقات قوش
القوية بأجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية، في محاولة لتحسين صورته وعلاقاته
الدولية وتثبيت أركان حكمه الهش والمتصدع.