نشرت صحيفة واشنطن بوست
الأمريكية، تقريرا سلطت من خلاله الضوء على خمس خرافات تخص مجال الصحافة في
العالم اليوم، التي تتداخل مع المفاهيم الرئيسية لهذه المهنة ويصدقها الكثيرون،
فضلا عن أنها باتت تعدّ مسلمات عند العديد من الأشخاص.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير
الذي ترجمته "
عربي21"، إن الخرافة الأولى تتمثل في اقتناع بعض الأشخاص
بأن الصحف شهدت هبوطا في مبيعاتها وعائداتها منذ نشرها لمحتواها بشكل مجاني. وحيال
هذا الشأن، صرح الصحفي ديف بيري، أن خطأ الصحافة المكتوبة الجسيم يتمثل في نشر
المحتوى على الويب، وهو ما دفع الكثيرين للتوجه نحو الإنترنت لقراءة المحتوى
الرقمي الجديد.
في واقع الأمر، تعد
المشكلة الحقيقية أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، حيث يرجع ذلك بالأساس إلى سهولة نشر
المحتوى عبر الإنترنت وزيادة عدد المؤسسات الصحفية المستقلة، مما منح المتابعين
خيارات متعددة. وفي ظل وفرة المحتوى الرقمي، توجهت بعض المنابر الإعلامية إلى نشر
محتواها بصفة مجانية، وذلك لسرقة حصة الأسد من عائدات الإعلانات.
وأشارت الصحيفة إلى أن
الخرافة الثانية تتمثل في مساهمة موقع كريغليست في تدمير الصحف. في الواقع، عندما
أعلن كريغ نيومارك عن تقديم هبة بقيمة 20 مليون دولار لتغيير اسم "كلية كوني
العليا للصحافة"، انزعج العديد من الأشخاص، الذين ألقوا باللوم على موقع
كريغليست التابع لنيومارك لسرقته إيرادات الإعلانات المبوبة من الصحف. وفي هذا
الصدد، صرح الصحفي فيليكس سالمون، قائلا: "من المثير للغرابة تسمية معهد
للصحافة على اسم رجل دمر الصحف المحلية". من جهتها، تطلق مجلة نيويورك على
نيومارك اسم "مدمر مجال الصحافة".
وفقا لمؤسسة بروكينغز،
لقد أضرت خسارة الإعلانات المبوبة بالعائدات المتأتية من الإعلانات على الصحف،
التي انخفضت قيمتها من 63.5 مليار دولار إلى 23 مليار دولار خلال الفترة الممتدة
بين 2000 و2013.
لكن في الحقيقة، لم يكن
موقع كريغليست مصدر الإزعاج الوحيد في السوق. لقد كانت الإيرادات تتراجع بالفعل في
جميع المجالات؛ لأن مواقع على غرار إيباي قدمت بدائل لجمهور أكثر شمولا. ومن جهتها،
وسعت أطراف فاعلة جديدة في السوق، على غرار أمازون سيلر، من مجال المنافسة.
وأقرت الصحيفة بأن
الخرافة الثالثة تكمن في أن العمل الصحفي الجيد يجب أن يكون موضوعيا، حيث يقول
المعهد الأمريكي للصحافة إن الجمهور قد طور مفهوما خاطئا فيما يتعلق بالصحافة
الموضوعية، من خلال الخلط بينها وبين عدم الانحياز. قد يبدو هذا المفهوم بسيطا بما
يكفي، حيث يفيد قانون أخلاقيات جمعية الأخبار على الإنترنت، أن القصص يجب أن تكون
متوازنة في الصحافة الموضوعية لتشمل جميع الجوانب.
وأوردت الصحيفة أن
الموضوعية كممارسة صحفية هي ظاهرة جديدة نسبيا؛ فمنذ إعلان استقلال الولايات
المتحدة وصولا إلى ظهور صحافة البنس في ثلاثينيات القرن التاسع عشر والصحافة
الصفراء في تسعينيات القرن التاسع عشر، كانت الصحافة في معظم الأحيان غير منحازة
بشكل علني؛ فقد تم تطوير معيار الموضوعية كوسيلة لإضفاء الطابع الاحترافي في جمع
الأخبار وإعداد التقارير على خلفية تجاوزات الصحافة الصفراء.
وأضافت الصحيفة أن كاتب
العمود السابق في صحيفة نيويورك تايمز، والتر ليبمان، وهو شخصية رئيسية في هذه
الصناعة، قد أشار في كتابه "الرأي العام" إلى أن الموضوعية هي طريقة للتصدي
للتحيز، وليس محاولة للقضاء عليه. لقد كانت بعض أفكار ليبمان ذات تأثير كبير في
معاهد الصحافة، التي نشأت في أوائل القرن العشرين، وبدأت في تدريب الصحفيين اعتمادا
على معايير مشتركة على غرار الموضوعية.
وأورد الموقع أن الخرافة
الرابعة تحيل إلى أن فيسبوك يمثل تهديدا للصحافة. وقد وصفه الصحفي روي غرينسلاد،
الذي يعمل في الغارديان، على أنه العدو الأول العلني للصحف، حيث إنه يعمل على
التشويش على مجال الصحافة من خلال الحد من عدد جمهور الأخبار. وأورد الكاتب، ماثيو
إنغرام أن فيسبوك يمثل أحد أبرز التهديدات التي تواجه الصحافة، نتيجة احتكاره
إيرادات الإعلانات التي تشكل دعامة لصناعة الإعلام".
وتتمثل الحقيقة في أن
الأمر لا يتعلق بالأساس بفيسبوك، فحتى قبل أن يصبح رائجا، لم يبد الجمهور أي
ارتباط أو ولاء دائم لشكل محدد من الصحافة. وتكمن الحقيقة الأكثر تعقيدا في أن
الأفراد باتوا أقل إقبالا على تتبع الأشكال التقليدية للأخبار مع مرور السنوات.
وأضافت الصحيفة أن الأمر
لا يتعلق بسرقة فيسبوك للجماهير، حيث إن الأفراد أخذوا بالفعل يبتعدون تدريجيا عن
استهلاك الأخبار من منطلق الانسياق وراء الولاء لشكل محدد من الصحافة، أو خدمات من
قبيل غوغل نيوز. فضلا عن ذلك، تمكن فيسبوك من كسب معظم العائدات في المجال الرقمي
من خلال حشد جمهور محب للأخبار ذات الطابع الخفيف على غرار إعلانات الولادة.
وشددت الصحيفة على أن
الخرافة الخامسة والأخيرة تتمثل في أن الأمريكيين يكرهون مجال الصحافة أو على
الأقل لا يثقون فيه. وقد تجلى العداء للصحفيين الأمريكيين خلال تجمع حاشد نظمه
الرئيس الأمريكي ترامب في تامبا في شهر آب / أغسطس، حيث أحال عدد من الصحفيين إلى
مناخ من العدائية تجاههم فاق كل ما شاهدوه سابقا، وذلك وفقا لمجلة كولومبيا
جورنالزم ريفيو. ويعكس ذلك توجها عاما يكرس عداء عامة الشعب للصحفيين، الذي تفاقم
خلال الحملة الانتخابية في سنة 2016.
وأفادت الصحيفة بأنه على
الرغم من أن مشاعر الحقد والكراهية قد تكون كبيرة، إلا أن الثقة في الصحافة أخذت
تعود تدريجيا لتتعزز مؤخرا، وذلك وفقا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب الخريف
الماضي. فقد أظهر أن 45 بالمئة من الأمريكيين أكدوا أنهم يثقون في الصحافة بشكل
كبير أو إلى حد ما.
لكن هذه النسبة تعدّ ضعيفة مقارنة بما سجل في سنة 1976، حيث بلغت نسبة الثقة 72 بالمئة. وتصبح الصورة
أدق عندما يتعلق الأمر بالانتماء السياسي، حيث صرح 76 بالمئة من الديمقراطيين
بأنهم يثقون في وسائل الإعلام. وتبلغ هذه النسبة 42 بالمئة في صفوف المستقلين و21
بالمئة بالنسبة للجمهوريين. ونظرا للتغيرات في هذه النسب على اختلاف السنوات، من
الخطأ القول إن كراهية الصحافة شعور يسود جل الشعب الأمريكي.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)