هنأت السفيرة الأمريكية في بيروت إليزابيث ريتشارد الرئيس سعد الحريري بالحكومة الجديدة، ولدى تأكيدها مواصلة دعم واشنطن للبنان أعلنت قلق بلادها من دور "حزب الله" المتواصل، خصوصا حين يخرج عن سيطرة الحكومة ويتجاوز سياسة النأي بالنفس، مما يعرّض لبنان للخطر ويحدّ من استقراره.
أمريكا التي تهنّئ حكومة النقائض، حاضرة في لبنان سياسيا وإنمائيا وتعاونا مع الجهات السياسية المقربة منها، وهي تتجه في سوريا إلى سياسة شبيهة لدى إتمام الانسحاب العسكري الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب ويصرّ عليه. تريد واشنطن دعم حلفائها وعدم انخراط جنودها مباشرة في الصراعات العسكرية في سوريا، حيث لا تزال الحروب قائمة وإن كانت صغيرة ومتنقلة هنا وهناك، بحسب وجود "داعش" المتحرك، وبحسب اتجاهات النظام وروسيا وتركيا وإيران لملء الفراغ في أثناء الانسحاب العسكري الأمريكي وبعده.
وأثبتت الأحداث أن السوريين، وليس اللبنانيين وحدهم، بدأوا يعترفون بتعايش النقائض كمرحلة تهدئة أمنية وسياسية في انتظار تبلور صورة المنطقة، وهي لن تتبلور قبل اتفاق أمريكي- روسي واضح في شأنها، بدءا من سلام إسرائيلي- فلسطيني يبرّد الجمرة التي تسبّب الحرائق الموسمية في الشرق الأوسط. لكن الاعتراف السوري بالنقائض يحتاج وقتا ليصل إلى مستوى الاعتراف اللبناني، فلا تزال قسمة العالم بين أسود وأبيض سائدة في سياسات النظام وأقواله المعلنة، وكذلك في سياسات المعارضات أو ما تبقّى منها، بعدما خطف المجاهدون المتطرفون وداعموهم الأمكنة التي كان يمكن للمعارضة الحضور فيها والانطلاق منها للحوار حول مستقبل سوريا.
والتفت المراقبون في الخطاب الأخير للرئيس بشار الأسد إلى أنه لم يتطرّق إلى دول الخليج ولا إلى إيران، إنما حصر خطابه في اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتماء إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، كما اتهم قوات سوريا الديموقراطية بالتبعية للولايات المتحدة، وقال إنها لن تحقق لهم أحلامهم السياسية. وفيما اعتبر البعض كلام الأسد القاسي إلى أردوغان نوعا من الضغط الروسي غير المباشر على الرئيس التركي، لكي يتراجع عن مواقفه المتصلبة تجاه الشمال السوري وخصوصا شرق الفرات، بدا كلام الأسد رسائل متضاربة، تصل إحداها إلى حليفه الإيراني. ففي وقت اتهامه أردوغان بـ "الأخونة"، كان أنصار علي خامنئي في بيروت يحتفلون بصدور الترجمة العربية لمذكراته، وما تتضمن من علاقة قديمة ومستمرة بين المرشد الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين، وهو الذي نقل إلى الفارسية مؤلفات سيد قطب، أكد ما يعرفه المختصون من صلة عميقة ومستمرة بين النظام الحاكم في طهران والإخوان المسلمين، الذين يراد لهم أن يكونوا حصان طروادة الإيراني للوصول إلى العالمين العربي والإسلامي.
ليست مصادفة اتهامات الأسد لأردوغان بـ "الأخونة" وافتخار خامنئي بالعلاقة القديمة المتجددة بين الملالي و "الإخوان". يمكن القول هنا إن الأسد أوصل إلى طهران رسالة سلبية حين اعتبر "الأخونة" تهمة، وربما أراد بذلك إيصال رسالة إيجابية إلى العالم العربي في نوع من الحنين إلى العروبة التي كانت ولا تزال منقذ سوريا من الضياع، وقد تكون الرسالة تمهيدا إلى ما يتردد عن عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، بعد أن يلبّي نظامها الشروط الأساسية في سلام سوري داخلي، وتنسيق مع العرب حول المصلحة المشتركة لهم جميعا.
هذه قراءة لوضع متحرك تسببت به دعوة ترامب لسحب جيشه من سوريا. ولكن، إذا كان حضور أمريكا في سوريا مشكلة، فإن غيابها مشكلة أيضا، خصوصا مع مبادرات تركيا وإيران وروسيا إلى سدّ الفراغ.
نحن أمام مشهد الرسائل المتضاربة في سوريا وحولها، حيث نفتقد صوتا وازنا للمعارضة، وحيث الحراك السياسي يستمر داخلا وخارجا في انتظار المرحلة الوسيطة الممهّدة لسلام سوريا، نعني تعايش النقائض على الطريقة اللبنانية.
عن صحيفة الحياة اللندنية