سقط نظام مبارك لأنه خلقَ بنفسِه لنفسِه أزماتٍ، كما خلقَ أعداءً من
الفراغ، وحوَّل حلفاءَ إلى أعداء له، خلَقَ وحوشًا لمواجهة خصومه، فتحولوا إلى عبء
عليه.
رفض
بعض من كانت لهم اليد العليا في اتخاذ القرار داخل الحزب الوطني الاعتراف بأن هناك
متغيرات فرضتها الظروف السياسية والعالمية والاجتماعية. كانوا على قناعة بأن القوة
الرادعة والمسيطرة لجهاز الأمن هي التي تستطيع وأد أي محاولة لمواجهة النظام.
راهنوا على التجارب السابقة للجماعات المعارضة، من مظاهرات وإضرابات، وكونها لم
تسفر إلا عن أخبار صحفية أو مقال رأي هنا أو تحقيق هناك، أو لقاء تليفزيوني على
إحدى القنوات العربية أو العالمية.
كنت
شاهدا على عدد من اللقاءات التي جمعتني بمن في يدهم الأمر. نصحتهم مخلصاً أن
يفتحوا المجال الإعلامي لشباب المعارضة، وأن يستغلوا بعض الأحداث لمعرفة قوة وحجم
جماعات المعارضة بشكل حقيقي. ورغم استجابة البعض إلا أن هناك حالة مسيطرة من
الرفض، لا لسبب سوى غطرسة وتعالٍ. لم يدركوا أن الحل الوحيد لاستقرار النظام هو
فتح مساحات للاختلاف، وإدارة حوار بين المواقف والاتجاهات المختلفة.
وجد
النظام نفسه في مأزق كبير بسبب التقييم غير الموفق للأصوات التي كانت تتعالى في
هذا الوقت. دفع القائمون على الأمر ثمن عدم الإنصات لصوت الشارع، واكتفى بإجراءات
اعتاد صنعها في الأزمات التي كان قد خلقها في السابق، فلم تفلح أساليب الحصار
للجماعات والأحزاب، لأن الجثة التي اعتبرها القائمون على هذا النظام هامدة، تحركت
وخرجت إلى الشارع، فوقع النظام في شر أعماله.
ارتكب
النظام خطأ استراتيجيا كبيرا عندما بالغ في تقييد حركة الأحزاب والقوى المدنية في
مصر ليترك الساحة خالية لصعود تيار المعارضة الدينية والتي تمثلت في الأساس في
جماعة الإخوان المسلمين. هذا الخطأ ارتكبه من قبل نظام الرئيس الراحل أنور
السادات، لينتهي التقدير الخاطئ له- أو لمعاونيه ومستشاريه- بفاجعة كبيرة، كادت
تكلفنا الدولة.
دفعت
مصر ثمن هذا الإضعاف المتعمد لقوى المعارضة المدنية بأن وصلت إلى تلك الصورة
العجيبة للخريطة السياسية المصرية وقتها، حزب واحد قوى حاكم، يضم كل من يمكن ضمه
إلى أعضاء الحزب، وأحزاب لا وجود لها إلا في مقارها فقط. فكانت أغلبية الشعب فريسة
سهلة لقوى المعارضة الدينية، والدليل على ذلك الاستحقاقات الانتخابية التي تلت 25
يناير 2011، ومنها انتخابات برلمان 2012 الذي انحل لاحقا، وكذلك انتخابات الرئاسة التي
أوصلت محمد مرسي إلى منصبه السابق.
سقط
النظام مثلما تسقط الأنظمة التي لا تسمع. سقط من داخله لأنه اقتنع أن الخطأ هو
الصواب.
نقلا عن صحيفة "المصري اليوم"