الهدف الأول لحملة تعديل الدستور المصري (دستور 2014) التي تديرها السلطوية الحاكمة هو تمكين رئيس الجمهورية من البقاء في الحكم إلى ما هو أبعد من نهاية فترته الثانية ( 2018 ـ 2022). الهدف الثاني هو تغيير موضع رئيس الجمهورية في النظام السياسي، من جهة من رئيس لحكمه سقف زمني يستحيل التلاعب به إلى رئيس يحدد بمفرده مدة البقاء، ويستطيع تغيير الاشتراطات الدستورية لتناسب مع رغباته الشخصية ورؤيته لدوره، ومن جهة أخرى من رئيس يمكن مراقبته مؤسسيا وشعبيا إلى رئيس تتغول سلطاته وصلاحياته. الهدف الثالث هو إلغاء الآثار القليلة المتبقية من انتفاضة 2011 الديمقراطية في النظام السياسي بإعادة عقارب الساعة إلى وراء ليس للمصريين به حق التغيير السلمي لرئيس الجمهورية.
منذ أيام قليلة، دخلت حملة تعديل الدستور في طورها البرلماني (تقديم خُمس أعضاء مجلس النواب لطلب لتعديل بعض مواد الدستور) بعد انتهاء طور التمهيد الإعلامي الذي امتد طوال العام الماضي وشهد ترويجا منظما لدفوع كثيرة إما تصور تمكين رئيس الجمهورية من البقاء لأبعد من فترته الثانية كسبيل وحيد للحفاظ على استقرار البلاد وأمنها أو تقطع جازمة بغياب كل بديل له وبكون الفوضى هي المصير الذي يتهدد مصر حال عدم استمراره.
وسبق ذلك، ومنذ صيف 2013، اصطناع هالات المخلص الوطني والمنقذ الأوحد ورئيس الضرورة ودفعها باتجاه وزير الدفاع الذي صار مرشحا للرئاسة في 2014 وأصبح رئيسا لفترتين متتاليتين (2014 ـ 2018) وها هو يطمح إلى المزيد. ولم يكن اصطناع تلك الهالات وجميعها ينتفي عنه المضمون الديمقراطي بنتاج عمل وسائل الإعلام الحكومية والخاصة المدارة أمنيا وحسب، بل أسهمت به المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية على حد سواء وشاركت به أيضا تيارات ناصرية ويسارية وليبرالية لم تقو على مواجهة التأييد الشعبي لرئيس الجمهورية في 2013 و2014 وتجاهلت الانتهاكات المتراكمة لحقوق الإنسان واستفاقت في أعقاب ذلك لتجد السلطوية الحاكمة وقد تمكنت من مفاصل وأعصاب النظام السياسي ولتجد نفسها بدون أدوات للمقاومة.
بعيدا عن الاستطرادات التي يحملها الطلب البرلماني لتعديل بعض مواد الدستور من شاكلة إضافة غرفة ثانية إلى السلطة التشريعية (مجلس للشيوخ بجانب مجلس النواب) واستحداث منصب نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية ورفع نسب تمثيل المرأة والأقباط وذوي الإعاقة والمصريين في الخارج، يراد للتعديل الذي يفترض أن يمرره البرلمان قبل أن يطرح على المواطنين في استفتاء شعبي أن يطيل سنوات الفترة الرئاسية من 4 إلى 6 سنوات وأن يزيد من سلطات رئيس الجمهورية على حساب صلاحيات البرلمان والحكومة.
في نظام سياسي يمارس الديمقراطية، أي يلتزم التداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات، لم تكن الاستطرادات الواردة في طلب التعديل البرلماني سوى لتلقى ترحيبا مبدئيا من المدافعين عن الحقوق والحريات ولتدفع إلى الفضاء العام بنقاشات جادة حول فوائد ومحاذير إضافة غرفة ثانية إلى السلطة التشريعية وشروط اقتسام الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ونائبه وسبل رفع التمثيل البرلماني للفئات السكانية ضعيفة الحضور في الحياة السياسية.
أما وأن الممارسة الديمقراطية غائبة في مصر والفضاء العام مغلق تحت وطأة السيطرة الأمنية على الإعلام والحصار الممنهج للمجتمع المدني، فإن هذه الاستطرادات يتعذر النظر إليها راهنا إلا كهوامش ديمقراطية المظهر على متن طلب التعديل البرلماني المتجه إلى إطالة أمد بقاء رئيس الجمهورية في منصبه وتمكينه من المزيد من السلطات وإلغاء القليل المتبقي من إرث 2011 وتلك وجهة تتناقض بوضوح مع جوهر الديمقراطية.
أما الدفوع الكثيرة التي تساق لتبرير المتن الحقيقي لتعديل الدستور، الفترات الرئاسية وسلطات الرئيس، فترتبط إما بادعاء تعارض إجراء انتخابات رئاسية كل أربع سنوات مع دواعي الاستقرار أو بالدفع باحتياج رئيس الجمهورية إلى أكثر من أربع سنوات لتنفيذ وعوده الانتخابية قبل أن يعود اسمه مجددا إلى صناديق الاقتراع أو بالترويج لكون السلطات والصلاحيات التي يقرها دستور 2014 لرئيس الجمهورية تتسم بالمحدودية وعليه ينبغي تمكينه من المزيد. وهذه جميعا دفوع واهية يسهل تفنيدها إن بالإشارة إلى كون العبث بدستور 2014 ينتقص بقسوة من الاستقرار الحقيقي للنظام السياسي أو بالتأكيد على أن تحديد فترة رئيس الجمهورية بأربع سنوات وتعيين فترتين رئاسيتين متتاليتين كسقف زمني نهائي هما محل ممارسة في الكثير من البلدان ذات النظم السياسية الرئاسية كمصر أو بالتذكير بالمواد العديدة في دستور 2014 التي تضمن للرئيس سلطات تنفيذية وتشريعية واسعة تجعل منه مركز القوة الرئيسي في النظام السياسي.
ليس وراء حملة تعديل الدستور التي تديرها السلطوية الحاكمة غير القضاء على كل أمل في استقرار بناء دستوري ديمقراطي قد يمكننا يوما من ممارسة الحق في التغيير السلمي لرئيس الجمهورية، ويؤسس للفصل الفعلي بين السلطات ولرقابتها المتبادلة ولرقابة المواطنين عليها.
عن صحيفة القدس العربي