حول العالم

دراسة: الحيوانات تفكر.. ولكن كيف؟

نجحت بعض الحيوانات في اختبارات التفكير - أرشيفية CC0


نشرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية تقريرا تحدث فيه عن طريقة عمل أدمغة الحيوانات.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن دراسة حديثة أثبتت أن حياة الحيوانات أكثر ثراء مما يعرفه العلم. وقد أكد العالم الشهير تشارلز داروين أن الحيوانات تملك قدرات عقلية تماما مثل الإنسان، ولكنها تختلف فقط من حيث الدرجة وليس النوع. ويبدو أن هذا الاعتقاد راسخ في تعامل الإنسان اليومي مع الحيوانات، على غرار الكلاب والخيول والفئران.

 

ولكن ذلك يتعارض مع الفكر الأوروبي الذي يرى أن الحيوانات لا تملك عقولا على الإطلاق. وتستند هذه الفرضية على حجة فيلسوف القرن السابع عشر رينيه ديكارت،  الذي يعتقد أن الإنسان كائن عاقل مرتبط بعقل الله، في حين أن الحيوانات مجرد آلات مصنوعة من اللحم. وعلى حد تعبير نيكولا مالبرانش، وهو أحد أتباع ديكارت، فإن الحيوانات "روبوتات حية" لأنها "تأكل دون الإحساس بالمتعة، وتبكي دون الإحساس بالألم، وتكبر دون أن تدرك ذلك".

وأوردت المجلة أنه خلال القرن العشرين ظهر اتجاه معاكس يفترض أن الحيوانات تملك عقولا، إلا أنه تم استبعاد هذه الفرضية نظرا لاستحالة إثباتها والتحقق من صحتها. ونتيجة لذلك، ظل هذا الكائن الحي عبارة عن صندوق أسود. ومع إجراء تجارب مخبرية وميدانية طوال عقود من الزمن، أجمع العلماء على أن بعض الحيوانات تقوم بمعالجة المعلومات وتعبر عن مشاعرها بطرق مثبتة بتجربة ذهنية واعية.

وأفادت المجلة بأن العلماء اتفقوا على أن الحيوانات، انطلاقا من الجرذان والفئران والببغاوات والحيتان الحدباء، تملك قدرات عقلية معقدة. كما أن بعض الكائنات لها سمات إنسانية فريدة، على غرار القدرة على تسمية الأشياء بأسمائها واستخدام الأدوات. وفي الواقع، إن عددا قليلا من الحيوانات، بما في ذلك الرئيسيات والغربان والحيتانيات، تملك صفة مشابهة لما يمكن اعتباره عند البشر "ثقافة"، حيث تطور طرقا مميزة للقيام بالأشياء عن طريق التقليد والمثال. ولا يوجد حيوانات تملك كل الصفات الموجودة في العقل البشري، بيد أن العديد من صفات العقل البشري موجودة في بعض الحيوانات.

ويمكن دراسة سلوك الدلافين التي تتمتع بميزة تقليد أفعال الآخرين لامتلاكها شبكة من الخلايا العصبية المرآتية في دماغها، التي تساعدها على محاكاة عمل معين عن طريق التحفيز. وقد يتطلب الأمر الكثير من التعلم لربط الإدراك بالحركة. وتعتبر الخلايا العصبية المرآتية مهمة للعلماء الذين يحاولون إيجاد أساس عمل العقل البشري، أو على الأقل الكشف عن ارتباطات ذلك العمل، في تشريح أدمغة الإنسان. ويبدو أن ظهور هذه الارتباطات التشريحية في أدمغة الكائنات غير البشرية يعد واحدا من الأسباب الراهنة لاعتبار الحيوانات كائنات تملك عقولا.

وأضافت المجلة أنه يوجد إلى جانب الخلايا العصبية المرآتية، خلايا مغزلية تلعب دورا في التعبير عن التعاطف ومعالجة المعلومات الاجتماعية. وقد أثبتت الدراسات أن أدمغة قردة الشمبانزي تحتوي على أجزاء مماثلة لمنطقة بروكا ومنطقة فيرنيك التي ترتبط عند الإنسان بوظائف اللغة والتواصل. ويكشف المسح الدماغي بأن العمليات العصبية الكامنة وراء ما يشبه العواطف عند الفئران يشبه بشكل واضح العواطف عند البشر.

ولكن حقيقة أن الحيوانات تملك أساسا بيولوجيا للوعي لا تعني أنها في الواقع قادرة على التفكير أو الشعور. والسؤال المطروح: هل يملك الحيوان وعيا بذاته؟ هل يستطيع التعرف على الآخرين كأفراد؟ هل يمكنه ضبط سلوكه وإظهار العواطف؟

بينت المجلة أن الاختبار الأكثر شيوعا للوعي الذاتي هو القدرة على التعرف على نفسك في المرآة، ما يعني أنك ترى نفسك كفرد بمعزل عن الكائنات الأخرى. وقد عمل الطبيب النفسي الأمريكي غوردون غالوب على تطوير هذا الاختبار رسميا سنة 1970، حيث يظهر معظم البشر القدرة على التعرف على أنفسهم في المرآة بين سن الواحدة والثانية.

وقد أثبت الدكتور غالوب أن الشمبانزي يمتلك هذه القدرة. وعلى نحو مماثل، أظهر إنسان الغاب والغوريلا والفيلة والدلافين وطائر العقعق نفس القدرة، في حين أن  القردة والكلاب لا تملك هذه القدرة، ربما لأن الكلاب تتعرف على بعضها البعض عن طريق الرائحة.

وأوضحت المجلة أن الحيوانات تظهر بعض المشاعر بما في ذلك الخوف، لكن يمكن اعتبار هذا الشعور غريزيا. فهل تملك الحيوانات مشاعر تنطوي على نوع من التجربة العقلية؟ يبدو أن بعض الحيوانات تظهر مشاعر الشفقة، أو على الأقل القلق، تجاه الأفراد المرضى أو المصابين في مجموعتها، حيث تساعد قردة الشمبانزي الأقوى أبناء مجموعتها الأضعف على عبور الطرق البرية. وتشعر الفيلة بالحزن على موتاها. وقد لاحظ العلماء أن الحيوانات تقدم يد المساعدة لكائنات من فصيلة مختلفة عنها.

وإذا كانت الحيوانات تملك وعيا ذاتيا ووعيا بالآخرين، ولديها بعض القدر من ضبط النفس، وتظهر مشاعر ليست غريزية بحتة، فإنه يمكن اعتبارها كائنات تملك عقولا تماما مثل الإنسان، في حين أن السمة المميزة للإنسان هي اللغة. فهل يمكن القول إن الحيوانات تستخدم اللغة بطريقة ذات مغزى؟

ذكرت المجلة أن حيوانات سعدان الفرفت تتميز بأصواتها الاستثنائية، حيث تصدر تحذيرات مختلفة بشأن المفترسين، وتكون بذلك استجاباتها مختلفة أيضا. في المقابل، تستطيع الحيوانات التي ترعرعت مع البشر أن تفعل أكثر من ذلك بكثير. ومن بين الحيوانات الأكثر إثارة للإعجاب "واشو"، وهي أنثى شمبانزي تعلمت لغة الإشارة من قبل باحثين في جامعة نيفادا، مما مكنها من التخاطب والمطالبة بالأشياء التي تريدها مثل الطعام.

وعرضت المجلة الأدلة التي تشير إلى أن العديد من الحيوانات يمكنها أن تنقل أفكارها بطريقة مختلفة عند تربيتها مع البشر. فعلى سبيل المثال، تستطيع الدلافين التي عاشت في الأسر أن تميز بين "وضع الكرة في الحلقة" و"إحضار الحلقة إلى الكرة"، بينما يستطيع الببغاء الأفريقي الرمادي "أليكس" أن يجمع بين الحروف لتكوين كلمات جديدة. ولكن هذه حالات استثنائية وناتجة عن التعامل المكثف مع البشر، إذ لا يمكن للحيوانات أن تتخاطب مثلما يتخاطب البشر مع بعضهم البعض.

وأشارت المجلة إلى أنه من الممكن أن تمثل الحضارة سمة تعريفية ثانية للإنسانية. وعلى الرغم من أن اعتماد الطرق المعقدة للقيام ببعض الأعمال هي خاصية نكتسبها من خلال التعلم والتقليد وترتبط بالبشر فقط، إلا أنه تبين أن بعض أنواع الحيوانات لها طريقتها الخاصة للتعلم.

وفي كتاب "عالم الحيتان والدلافين"، بين كل من وايت وايتهيد من جامعة دالهوزي في نوفا سكوتيا، ولوك رينديل من جامعة سانت أندروز في إسكتلندا، أن جميع أنواع الحيوانات تتميز بخمس سمات؛ تقنية خاصة، والتعليم والتعلم، والجانب الأخلاقي، والقدرة المكتسبة على التمييز بين المنتمين والخارجين عن المجموعة، وطباع تتطور مع مرور الوقت.

وأفادت المجلة بأن الشمبانزي يستطيع اليوم استعمال ما يفوق العشرين أداة، التي تساعدها في حياتها اليومية. ويجادل وليام ماكغرو من جامعة كامبريدج بأن مجموعة أدوات الشمبانزي الذي يعيش في غرب تنزانيا هي معقدة مثل أبسط الأدوات التي استعملها البشر القدامى في الأزمنة التاريخية السابقة للشعوب الأصلية في تسمانيا. ويثبت هذا الاكتشاف أن تدريس المهارات اللازمة لصنع واستخدام الأدوات هو دليل على إمكانية تعلم الحيوانات.

وذكرت المجلة أنه بإمكان الحيتان والدلافين تعلم سلوكيات جديدة بشكل أساسي من بعضها البعض، حيث بدأت بعض الحيتان لأول مرة اتباع طريقة الصيد بالفقاعات من أجل إخافة طعامها سنة 1980، وبحلول سنة 1989، أصبح نصف الحوت الأحدب في المنطقة تقريبا يتبع الطريقة ذاتها. ويبدو أن الحيوانات تحبذ أن تكون المعاملة نزيهة بينها. فعلى سبيل المثال، أثبتت إحدى الدراسات أن الكلاب التي تلقت الاهتمام البشري الكافي أبدت تجاوبا بالمقارنة مع الكلاب الأخرى التي تم تجاهلها.

وأضافت المجلة أن معظم أنواع الحيوانات تستطيع التفريق بين الحيوانات التي تنتمي لمجموعتها والدخيلة منها. ولعل أكثر السمات التي تميز الثقافات البشرية هو أنها تتطور بمرور الوقت، إلا أن مثل هذه الصفة لم تُلاحظ لدى الحيوانات. ومهما كانت الصدمات التي تتعرض لها الحيوانات، فإن المجتمعات الحيوانية لم تظهر بعد أي تغير ثابت.

وأوردت المجلة أنه يوجد الكثير مما يمكننا معرفته عن عقول الحيوانات، إذ أن الحيوانات تستطيع أن تتعاطف مع البشر. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع المقارنة بين قدرات الحيوانات وقدرات البشر، إلا أن بعض الحيوانات مثل الكلاب، بمقدورها أن تتعلم الكلمات دون معرفة معانيها.

ولكن قد تكون هناك بعض الأبعاد التي تتفوق فيها عقول الحيوانات على عقول البشر، مثل الشامبنزي "أيومو" التي تعيش في معهد أبحاث الحيوانات بجامعة كيوتو. قام الباحثون بتعليم أيومو الذاكرة التصويرية، حيث يظهر أمامها نمط عشوائي للأرقام بشكل عابر على شاشة باللمس ثم يتم تغطيته، وعندها يجب على "أيومو" أن تلمس تلك المربعات بنفس ترتيب الأرقام المخفية تحتها.

وأشارت المجلة إلى أن "أيومو" قد نجحت في هذا الاختبار، بينما كان معدل النجاح البشري منخفضا جدا. وعلى الرغم من أن بعض البشر يتمتعون بذاكرة تصويرية، إلى أن هذه الصفة توجد عند كل حيوانات الشمبانزي. ولعل الحيوانات تفكر جيدا بطرق لا يستطيع البشر بعد فك رموزها لأنها مختلفة جدا.

وفي الختام، نوهت المجلة بأن هناك صلة بين عقل الحيوانات والمجتمع الذي تعيش فيه، فالحيوانات البرية التي لديها أعلى مستويات من الإدراك هي من الأنواع طويلة العمر التي عاشت في مجتمعات معقدة، حيث توجد المعرفة والتفاعل الاجتماعي والتواصل. وقد تكون عقولها قد تطورت مثل الإنسان استجابة لبيئتها الاجتماعية. وفي هذه الحالة، وجب على كلا المجموعتين من الثدييات تعلم المهارات اللازمة للتعايش مع بعضها البعض، وهي مهارات تنقل من الأب إلى الابن عند البشر وعند الحيوانات على حد السواء.